كتاب

نلتقي فتميل القلوب، نحب فنعشق فنتوحد في حياة لا تقبل التوحد، حياة عنيدة غبية، تصارعنا بلا هدف، تقسو علينا بلا ذنب، حياة تناصبنا العداء لمجرد العداء، حياة عنصرية تجاه وجودنا، هي لا تحبنا، لا لسبب إلا أننا من جنس لا يرقى لجمالها المتوحش، لديمومتها، لخلودها، جنس فانٍ، حياته أيام، حبه ساعات، سعادته ثوانٍ، عذابه أبد الدهر، دهر نغيب فيه في مادة معتمة قاتمة في فضاء موحش، لا ينتهي، لا يبدأ، لا حكاية فيه ولا معنى ولا مغزى، جنس يأتي من الغبار ويذهب إلى اللاشيء، دون بقية، دون وعي، دون صحبة، جنس وحيد في حياته، وحيد في فنائه، معجون بأحزان لا معنى لها. تطوي الصفحة فتبقى آثارها على أصابعك، في عمق روحك، تودع فينطفئ قنديل في داخلك، تعتم دنياك وتتحول إلى كتلة من لحم وعظم، أعضاء ودماء وأوردة وأنسجة ملتصقة ملتحمة، لا يتخللها ضوء، لا تحييها روح، ليست سوى دقة قلب بعد دقة، ضخة لقطرة دم بعد ضخة، آلة تعمل على عقرب الساعة مسلوبة المعنى، محرومة الراحة. تطوي الصفحة فتتجنب النظر في المرآة حتى لا ترى خواء عينيك، حتى لا ترى نفسك بعد أن فارقت فافترقت عن معناك، عما كان يصنع منك إنساناً، عما كان يروي ماضيك ويعد بمستقبلك. طويت الصفحة، أغلقت الباب، اقتضبت السطر، استدرت فمشيت، ماذا تفعل بعد ذلك بالذكريات؟ كيف ستسامح نفسك؟كلها الحياة فراق، بعض لقاء وأمد فراق، فراق يمتد، من لحظة لأخرى، من شخص لآخر، يكونون حقيقة فيتحولون إلى ذكرى، يكونون وجوداً دائماً فيتخلون عنك إلى مرحلة مؤقتة، مرحلة تمر بها، تتعرف فتحب فتعشق، توهم نفسك بخلود اللحظة، تكذب عليك بأبدية حبك ووصلك، ثم تأتي هذه الوخزة من الزمن، فتجدك تقلب الصفحة، تقول وداعاً، تبكي مراً، وتموت كل مرة، تموت ألف مرة، ولا تنسى كل مَرةٍ مُرة طويت فيها الصفحة، تتراكم ذكريات الطي المتوحش، تنطوي أنت في أعماقها، تسر لنفسك: متى ينتهي هذا الكتاب؟ متى تصفح عني الحياة فتبقي لي صفحة، أي صفحة؟