شعب العراق ضحية وحدة بلاده

نشر في 18-11-2016
آخر تحديث 18-11-2016 | 00:09
إن عدم التجانس واختلاف توجهات المكونات العراقية مع عدم وجود نقاط التقاء بينها تقلل كثيرا من احتمالية التهدئة في هذا البلد المشتت سياسياً.
 أنس محمود الشيخ مظهر قد يكون هذا العنوان مستفزا لمن لا يزالون متمسكين بشعارات الوطنية الزائفة التي تمجد الوطن، وتعطيه أولوية وقيمة أعلى من قيمة الإنسان نفسه، دون أن يدركوا أن تلك الشعارات التي استخدمت لإقصاء الآخرين وتصفيتهم كانت الشماعة التي شرعنت ممارسات الحكومات العراقية المتعاقبة وجرائمها بحق الشعب العراقي.

ولم يستطع العراقيون (حكومات ومكونات) تحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس على الأرض، وإيجاد تعريف حقيقي لمفهوم الوطنية والوطن، فتعريف الوطنية ومعاييرها عند الحكومات العراقية السابقة يختلفان عن معاييرها وتعريفها عند الحكومات الحالية، ومن كان وطنيا بمعايير الحكومات السابقة هو خائن اليوم حسب معايير الحكومات الحالية والعكس بالعكس، وهكذا ففي الوقت الذي فشلت فيه المكونات العراقية في بلورة مفاهيم مشتركة وصحيحة للوطنية نجحت الحكومات المتعاقبة في تفصيل شعارات الوطنية البراقة حسب مقاييسها ووفق توجهاتها.

ولذلك نستطيع القول إنه إن كان البريطانيون قد نجحوا في تأسيس دولة اسمها العراق، فإن العراقيين قد فشلوا في تحويل هذه الدولة إلى وطن يحس بالانتماء إليه كل أبنائه، ولم تنفع كل المحاولات القسرية لتحقيق ذلك.

وهنا نريد أن نطرح السؤال التالي: هل لا يزال هناك إمكانية في أن تتعايش مكونات العراق الثلاثة (السنية والشيعية والكردية) في دولة واحدة، يحسون أنها وطنهم دون اقتتال، ودون أن يفرض طرف إرادته على الأطراف الأخرى؟

للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نقر بحقيقة مثبتة، وهي أن شعوب منطقة الشرق الأوسط عجزت طوال تاريخها عن خلق أفكار سياسية بعيدة عن أيديولوجيتين، هما الأيديولوجية الدينية والأيديولوجية القومية، وشاءت أقدار سايكس بيكو أن تحتوي دولة العراق على تنوع قومي وديني ومذهبي، فإن كان الفكر القومي العربي المتمثل بحزب البعث قد تسبب في اقتتال استمر عقودا بينه وبين المكون الكردي، فإن سيطرة مكون مذهبي على الحكم حاليا تنبئ بالمزيد من الاقتتال وسفك الدماء، خصوصا أنه ينطلق من منطلقات تاريخية سياسية مصبوغة بصبغة عقائدية لا تبشر بإمكانية التوصل معها إلى حلول توافقية، فكيف يمكن لأصحاب الحسين أن يتقاسموا الحكم مع أصحاب يزيد (حسب الطرح المذهبي)، وهم المنادون بثارات عمرها ألف وأربعمئة سنة، في وقت أخذت التوجهات المذهبية تطغى على التوجهات السياسة في كل المنطقة، مما يجعل من الصعوبة بمكان توقع تهدئة الوضع داخل العراق؟

ومن جهة أخرى فإن المؤشرات تدل على أنه، ورغم جسور الثقة التي بنيت بين الكرد والمكون العربي السني خلال السنوات الأخيرة، فإن سقف الثقة هذا لم يصل إلى الحد الذي يجعل بالإمكان تشكيل تحالف استراتيجي بينهما للوقوف ضد توجهات المكون الحاكم (الشيعي) في ضوء تشبث الأخير بالسلطة.

إضافة إلى ما تقدم فإن عدم تجانس التوجهات السياسية الموجودة حاليا في العراق يحد كثيرا من فرص هذه التهدئة، فالمكون الكردي يعتمد في توجهاته السياسية على فكر قومي علماني لا يؤمن بأسلمة الحكم، ويقف المكون السني مشتتا بين الفكر العلماني وفكر الإسلام السياسي، وعلى الرغم من أن التوجه السائد في المكون السني كان علمانيا حتى 2003، فإن إفرازات ما بعدها فرضت نوعا من التوجه المذهبي عليه كرد فعل على سيطرة المذهب الآخر على السلطة.

أما المكون الشيعي فلا يمكن تصوره إلا من خلال أحزاب إسلامية تعبر عن توجهه المذهبي، باعتبار أن أساس نشوء هذا المذهب كان سياسيا يتعلق بنوعية نظام الحكم، لذلك فإن عدم التجانس هذا واختلاف توجهات المكونات الثلاثة في عدم وجود نقاط التقاء بينها يقلل كثيرا من احتمالية التهدئة في هذا البلد المشتت سياسياً.

اليوم وبعد تجربة مريرة استمرت قرنا من الزمن منذ تأسيس الدولة العراقية بحدودها الراهنة، علينا الاعتراف بأن الذي أبقى على هذه الدولة موحدة دون أن تتشظى أو تنقسم إرادة دول الجوار العراقي لا إرادة الشعب العراقي، وللأسف ذهب ملايين العراقيين ضحية هذه الوحدة القسرية منذ العهد الملكي حتى يومنا هذا، وبالطبع فإن لدول الجوار أسبابها في الحفاظ على وحدة العراق التي نستطيع اختزالها في النقاط التالية:

- ترى دول الجوار العراقي أن وحدة أراضي العراق تصب في أن أي تقسيم لهذا البلد سيهدد كيان تلك الدول ووحدتها.

- مع إثارة الصراع المذهبي في المنطقة فإن دول الجوار ترى في العراق الواحد الموحد بيئة ملائمة لإدارة فصول ذلك الصراع على أراضيه بعيدا عن دولهم، وساحة ملائمة لتصفية حساباتها السياسية عليه لجعل العراقيين حطبا لهذا الصراع نيابة عن شعوب دولهم ومنع انتقاله إليها.

في الوقت الذي تضغط فيه دول الجوار باتجاه الحفاظ على وحدة العراق للأسباب التي ذكرناها أعلاه، فإنها لا تدرك أن هذا التشنج المذهبي المتصاعد داخله سيؤدي في النهاية إلى تداعيات ومشاكل أخطر على أمنهم الوطني من خطر تفكيك دولة العراق، وقد شهدنا في الفترة الماضية أحد تلك التداعيات في نشوء تنظيم "داعش" الذي هو بلا شك وليد التناقضات العراقية وأحد إفرازاته، والذي مثّل تحديا وخطرا حقيقيا على أمن دول المنطقة دون استثناء، وفي حال استمرار هذا الضغط من قبلهم دون مراعاة لإرادة الفرد العراقي، فلا نستبعد ظهور تداعيات أكثر خطورة قد لا يكون بالإمكان السيطرة عليها كما حصل مع "داعش" لتمتد خطورتها إلى هذه الدول مهددة أمنها واستقرارها ووحدتها.

* كردستان العراق – دهوك

back to top