الروائية زهرة مرسل: الأدب الصومالي متفرّد

ترى أن بلدها أكثر من حرب أهلية ومجاعات

نشر في 18-11-2016
آخر تحديث 18-11-2016 | 00:00
زهرة مرسل
زهرة مرسل
رغم تراثها الغني بالمفردات الإبداعية وتميّز أبنائها المبدعين، لا تزال الصومال تحتاج إلى مزيد من الكشف الإبداعي والنقد الأدبي لإبراز مكانتها في المشهدين العربي والإفريقي، فهي تملك تراثاً سخياً وأرضاً إبداعية بكراً وطزاجة في الرؤى الثقافية... هذا ما تراه وتطالب به الروائية الصومالية الشابة زهرة مرسل في حوارها مع «الجريدة»، وتضيف أن المشهد الأدبي والثقافي في الصومال في حالة مقبولة مقارنة بباقي الأوضاع في البلاد، موضحة أن ثمة كثيراً من الكتاب الناشئين والشعراء في هذه البلاد، وهو أمر جيد ومبشر. وتؤكد أن كتاباتها وكتابات جيلها بمنزلة نافذة يرى القراء من خلالها الواقع من زاوية جديدة.
حدثينا عن روايتك الأخيرة «آجوران عين إفريقيا». ماذا يعني اسمها، وماذا تحمل من رسائل؟

تتمحور رواية «آجوران عين إفريقيا» حول تفاصيل منسية لإمبراطورية أو سلطنة آجوران العظيمة التي كانت قائمة على أرض الصومال في القرن الخامس عشر.

للرواية جانبان تاريخي ودرامي. يصف الأخير المصاعب التي قد تواجهها فتاة حالمة في بيئة تتسلط على أحلامها من دون مبررات حقيقية تحت مسمى الدين والعادات والتقاليد، ذلك رغم أن أحلامها لا تتنافى مع الدين في شيء. لذا كان الغرض من كتابة هذا المسار الدرامي الموازي للمسار التاريخي في الرواية تحفيز الحالمين على المثابرة والاجتهاد وعدم اليأس من تحقيق أحلامهم بسبب ضغوط المجتمع وقيوده. كذلك كانت لي أهداف عدة أسعى إلى تبليغها وأهمها:

- تغير الصورة النمطية للصومال وتعريف العالم العربي بأن هذا البلد أكثر من مجرد حرب أهلية ومجاعات، وتعزيز ثقة الإنسان الصومالي بنفسه وبتاريخ بلده، ودعم الطموحين والحالمين من خلال الجانب الدرامي للرواية وتحفيزهم تحت فكرة «القادم أجمل وقريب»، وذلك عن طريق:

أ - تعريفهم إلى طبيعة الأراضي وأسماء بعض المدن المهمة في الصومال، كذلك تعريفهم إلى الإنتاج الحيواني والزراعي وتواتر الفصول وطبيعة الحياة بتقلباتها كافة في البلاد.

ب- كشف الستار عن الجوانب التقليدية الصوماليين من عادات وتقاليد ولباس وأسماء ليكون وقعها على آذان القراء «العرب» مألوفاً.

لماذا استدعاء التاريخ وربطه بالحوادث الجارية، ولماذا لم تتحدثي عن قضية الحروب الأهلية ومفهوم القبيلة مباشرة؟

لأن قضية الحروب الأهلية أصبحت مستهلكة ولم يبق شخص لم يخض فيها حتى أصبح هذا الأمر كل ما يُذكر عن الصومال. استحضرت الجانب التاريخي لأني أؤمن بأن دوام الحال من المحال، وأن الوضع الحالي لا بد من أن ينتهي بالاجتهاد والعمل الجاد والتطور والارتقاء... نحن جيل عشنا معظم سنوات حياتنا في الغربة لا نعرف شيئاً عن القبائل ومعظمنا لا يهمة أمرها، وقد سئمنا جداً من هذه الصورة النمطية والتقاليد البالية التي مزقتنا سنوات طوال. التغيير قادم ونحن الآن نبني أسسه بعقولنا وبتربيتنا الأجيال المقبلة بحب ورقي بعيداً عن القبلية. كل ارتقاء يحتاج إلى استحضار واقع جميل وهذا ما سيجعلنا نتذكر أن المستحيل غير موجود، وأن في وسعنا التغيير إلى الأفضل واجتياز هذه المرحلة.

كتابات وتفاعل ومقارنة

كيف تقيّمين تفاعل العرب مع كتاباتك؟

لاحظت في أعين ورسائل قرائي الفضول والحيادية، فهم يتقبلون شخصي وهويتي ولا يرونني غريبة جاءت من المجهول، بل نافذة تريهم الواقع من زاوية جديدة لم يعتادوها.

هل استطاع الأدباء الصوماليون نقل جانب من معاناة بلادهم إلى الآخرين عبر الكتابة؟

نعم. أعتقد أن هذا الجانب تحديداً غطته الروايات والقصص القصيرة المكتوبة بأقلام صومالية بشكل موسع وعلى نطاق كبير جداً.

أين تضعين الحركة الأدبية الحديثة للصومال من الحركة الأدبية في البلاد العربية؟ هل هي تابعة أم مستقلة؟ وهل أبدعت أم اقتصرت على التقليد، كما اقتصرت عليه الاتجاهات السياسية والفكرية؟

أعتقد أن الوضع الراهن لا يسمح لنا بطرح مقارنة بهذا الشكل. يختلف وضع الكاتب أو الأديب الصومالي تماماً عن قرينه العربي في الدعم والتقبل، فضلاً عن كون الكاتب الصومالي متعدد اللغات والثقافات، فليس كل كاتب صومالي يكتب باللغة العربية، بل ثمة من يكتب بالإنكليزية وآخر ما زال يستخدم لغتنا الأم. عموماً، لدينا بعض الأسماء اللامعة والمتميزة سواء في الأدب الصومالي أو الإنكليزي أو العربي عموماً، لذلك أجد أن الحركة الأدبية في الصومال فريدة من نوعها فهي متشعبة ومترامية الأطراف ولا تصح مقارنتها بأية حركة أدبية لأي بلد توحّد شعبه في اللغة والثقافة.

ولا ننسى أن الصومال بلد مزقته الحروب الأهلية لأكثر من 20 عاماً، ورغم ذلك كله ما زال ينبت من تحت راياته كثير من المبدعين الذين يصلون إلى العالمية، أمثال الكاتب نورالدين فارح والشاعرة ورسن شرى، من دون أن تؤثر الأزمة السياسة في موهبتهم سلباً. كذلك ثمة شعراء صوماليون كتبوا شعراً باللغة العربية من بينهم سعدية عبدالله شيري، ومحمد الأمين محمد الهادي، ومحمد إبراهيم عبدي الذي شارك في برنامج «شاعر المليون» سابقاً.

هل يمكن وصف الأدب الصومالي بالأدب المنغلق على ذاته؟

لا مطلقاً، تحديداً في وقتنا الراهن، فهو منفتح ومتشرب لكثير من اللغات والثقافات حول العالم.

كيف تنظرين إلى الكتابة النسائية في الصومال؟ وماذا حققت منذ أصواتها الأولى القليلة إلى اليوم؟

المرأة الصومالية بارزة ومتميزة في المجالات كافة التي تقرر أن تخوضها. يمكنني بكل ثقة أن أخبرك أن الأصوات النسائية في هذا المجال لم تكن أبداً قليلة، وهي في زيادة مستمرة وتأثيرها قوي وفاعل في أرض الواقع. ثمة أكثر من اسم لنساء صوماليات نجحن على الصعيد العالمي في الرواية والشعر أمثال السيدة وريس ديريه والسيدة ورسن شيري.

يرى البعض أن دعم الكتاب وحل أزمة النشر ضرورتان للخروج من حالة الركود الثقافي وتحسين العلاقة بين الكتّاب وبين المسؤولين عن الحقل الأدبي، من ثم رفع إيقاع المشهد الثقافي في الصومال. كيف يتحقق ذلك؟

زيادة عدد دور النشر والتوزيع الصومالية وتفعيلها يؤديان إلى رفع عدد الكتاب والقراء، وبالتالي تتحرك عجلة الإنتاج والاستهلاك في هذا المجال. في الحقيقة، ثمة خطوات صغيرة نحو تحقيق هذا الأمر. افتتح في هذا الإطار عدد من المكتبات ودور النشر المتخصصة في الصومال ولها فعاليات خارجية أيضاً، حيث تمثّل البلاد في المعارض العربية، وأهمها دار «زيلع» للنشر والتوزيع ومكتبة «زيلع» التابعة لها.

عين إفريقيا
زهرة مرسل إحدى أبرز الروائيات الصوماليات، وهي كاتبة وصحافية وروائية، من مواليد الصومال وتلقت تعليمها فى مصر حيث حصلت على بكالوريوس علم الاجتماع من كلية الآداب جامعة القاهرة 2009. تعمل مترجمة، وصدرت لها روايتان «أميرة مع وقف التنفيذ»، و{أجوران عين إفريقيا»، وهي أحدث أعمالها.

تفتتح الرواية بقولها: «يُحكى أنه في زمن من الأزمان كان هناك بلد يفوح العطر من نواحيه، ويملأ الحب قلوب ساكنيه، مبانيه بيضاء كثلوج كانون، ورماله ذهبية تخطف الأنفاس، تماماً كذا النهر الذي يقسمه نصفين: نصف شرقي ونصف غربي». إلى هناك تأخذنا الكاتبة زهرة مرسل، في روايتها الجديدة، لتعرّفنا إلى «آجوران»، الإمبراطورية التي حكمت جزءاً من أرض الصومال في القرن الخامس عشر الميلادي، من خلال حكاية فتاة، هي ابنة أحد كبار تجار الإمبراطورية، والوحيدة التي سمّيت على اسمها آجوران، وتحكي الرواية بشكل أساسي عن علاقة هذه الفتاة بمحيطها، وكيف تفاعلت مع القيود التي تكبّلها لأنها أنثى، واستطاعت بذكائها أن تتغلب على الأمور كافة المفروضة عليها، في مجتمع قبليّ صارم، وقاسٍ في تعامله مع النساء لتنجح في النهاية في تحقيق ما تريد.

الصومال أرض الإبداع البكر والرؤى الثقافية الطازجة

الأديبة الصومالية نجحت على الصعيد العالمي في مجالي الرواية والشعر
back to top