مضادات الكآبة... هل تشوِّش حياتك؟
لبعض الأدوية تأثير مبالغ فيه لأنه يخدّر المشاعر كافة على اختلاف أنواعها. لتفادي التأثيرات السلبية، لا بدّ من تعديل الجرعة أو الانتقال إلى دواء مختلف.
عندما يصف لك طبيبك دواء مضاداً للكآبة، يكون الهدف الحدّ من مشاعر الحزن واليأس المؤلمة. ولا شك في أن غالبية مَن يأخذون مضادات الكآبة الأكثر استعمالاً (مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية SSRIs) يحظون بتحسّن كبير. لكن تأثير هذه المثبطات لا يقتصر أحياناً على تحسين المزاج والحدّ من المشاعر التي تتملّك المريض، بل «يشعر بعض المرضى بأنهم خسروا غنى الحياة اليومية»، حسبما يوضح الدكتور مايكل كريغ ميلر، بروفسور مساعد متخصص في علم النفس في كلية الطب في جامعة هارفارد.
السيروتونين ومثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية
السيروتونين أحد النواقل الكيماوية في الدماغ، ويعمل في دارات الدماغ التي تضبط المزاج والشعور بالقلق. بدورها تساهم مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، التي تشمل الفليوكسيتين (Prozac)، والسيرترالين (Zoloft)، والباروكسيتين (Paxil)، والفلوفوكسامين (Luvox)، والسيتالوبرام (Celexa)، والإسيتالوبرام (Lexapro)، في زيادة كمية السيروتونين في الدماغ، ما يعزّز قدرة دارات الدماغ تلك على الحد من المزاج المزعج.الهدف من تناول هذه الأدوية غالباً التخفيف من حدة المزاج. يشير الدكتور ميلر: «تمدّك هذه الأدوية براحة كبيرة إن كنت تغضب بسرعة، أو تستاء بسهولة، أو تشعر بأن الإجهاد يثقل كاهليك».ولكن في حالة البعض، يتحوّل التخفيف من حدة المزاج إلى «خدر» أو «تبلّد» تام في المشاعر. «نتيجة لذلك، لا تعود نهاية الفيلم السعيدة تبكيك ولا تجد المتعة ذاتها في الضحك. أو قد تشعر بلامبالاة، ولا تحسّ بالحماسة عينها عند قيامك بما اعتدت الاستمتاع به، كلعب الغولف أو الرسم»، وفق الدكتور ميلر.
ما عليك القيام به
راقب أي أعراض تنتابك عند أخذ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية. تتجلّى أحياناً التأثيرات الجانبية الشائعة، مثل الأرق، والصداع، واضطرابات المعدة، في مرحلة باكرة من العلاج. لكن الدكتور ميلر يؤكد أن المريض ربما يحتاج إلى وقت أطول ليميّز تبلّد مشاعره. يقول: «لا يلاحظ المريض أو أفراد عائلته هذا التأثير أحياناً إلا بعد مضي أسابيع أو حتى أشهر على البدء بتناول الجرعة المنتظمة».يكفي في بعض الحالات تعديل جرعة الدواء للتخلّص من هذا التبلّد في المشاعر. أو قد يختار الطبيب تبديل نوع الدواء الذي يصفه لك. لكن الدكتور ميلر يشدّد: «من المهم أن تخبر طبيبك بمشاعرك كي تتمكنا معاً من اتخاذ التعديلات اللازمة كلها». ولكن لا توقف مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية من تلقاء نفسك لأن خطوة مماثلة تؤدي إلى انتكاسك وعودتك إلى الكآبة، أو قد تعاني أعراض الانقطاع، مثل الدوار، والتشوش الذهني، والتعب، والوخز، والحرقة، وتشوش البصر، والأرق، والغثيان، والإسهال، وأعراض شبيهة بالأنفلونزا، والقلق، ونوبات البكاء.أما إذا لم تشعر بالراحة ولم تتخلّص من تبلّد المشاعر مع تعديل الجرعة أو تغيير الدواء، تأمل قليلاً بمساعدة طبيبك في عملية المقايضة التي تخوضها في حالتك هذه. يوضح الدكتور ميلر: «يبقى الشعور ببعض التبلّد أفضل من الانحدار نحو كآبة حادة. لذلك من الضروري أن تزن خياراتك بدقة».نشاطات مضادة للكآبة
من الممكن لخليط من النشاطات التالية أن يخفّف الكآبة البسيطة أو يكمّل العلاج بالدواء في حالات الكآبة المعتدلة إلى الحادة:• علاج بالكلام: تساعد أنواع عدة من العلاج بالكلام في محاربة الكآبة. على سبيل المثال، يدرّبك العلاج السلوكي المعرفي على إعادة توجيه مشاعرك السلبية لتصبح أكثر إيجابية. ويركّز العلاج النفسي بين الأشخاص على الأوجه الصعبة من العلاقات في العمل والمنزل. أما العلاج النفسي الديناميكي، فيشدّد على تأثير تطورات الحياة، والرغبات، والعلاقات الحالية والسابقة في مشاعرنا والخيارات التي نتخذها.• التمرّن بانتظام: تساهم التمارين المعتدلة الحدية التي ترفع نبض القلب في تحسين طريقة تعاطي الدماغ مع تقلبات المزاج. فقد كشفت دراسات عدة أن التمرّن بانتظام يحسّن مزاج مَن يعانون كآبة خفيفة إلى معتدلة، وقد يؤدي دوراً في معالجة الكآبة الحادة.• النظام الغذائي الصحي: تربط دراسات عدة مخاطر الكآبة بالطعام الذي يحتوي على سكر مضاف، ودهون مهدرجة، أو حبوب معالجة. لذلك يبقى أفضل خيار اتباع نظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي الغني بالفاكهة والخضراوات الطازجة، والحبوب الكاملة، والجوزيات، والبقول، والسمك، وكميات معتدلة من الدجاج، والبيض، ومشتقات الحليب، فضلاً عن قليل من اللحم الأحمر.• التأمل: يساعد التأمل الواعي في التخفيف من القلق والكآبة، فضلاً عن أنه يحدّ من احتمال الانتكاس. يشمل هذا التأمل الجلوس في مكان مريح، والتنبه لتنفسك، ثم التركيز على الحاضر من دون السماح لذهنك بالانجرار إلى التفكير في الماضي أو المستقبل.لا شك في أن التمرّن، واتباع نظام غذائي صحي، والتأمل سيكون لها تأثير أكثر استمرارية إن تبنيت روتيناً يومياً يمكنك الحفاظ عليه بمرور الوقت.
التمارين المعتدلة الحدية تساهم في تحسين طريقة تعاطي الدماغ مع تقلبات المزاج