الروائية اللبنانية سونيا بوماد: عدو المرأة المرأة ذاتها... ومازلت في بداية مشواري

نشر في 03-11-2016
آخر تحديث 03-11-2016 | 00:00
سونيا بوماد
سونيا بوماد
تريد الروائية اللبنانية المقيمة في النمسا سونيا بوماد أن تكتب عن المرأة من دون ستائر أو حدود، لكنها ترى أنها
ما زالت تفتقد إلى الجرأة اللازمة وأن الناقدة التي تسكن في داخلها شريرة ولا تلتمس لها الأعذار. صدرت لها حديثاً رواية «التفاحة الأخيرة» ولاقت قبولاً نقدياً واسعا.ً عن الرواية وأعمالها ومسيرتها وعلاقتها بالحركة الإبداعية والنقدية، التقتها «الجريدة» أثناء زيارتها القاهرة أخيراً وكان هذا الحوار.

لنبدأ من روايتك «التفاحة الأخيرة». ما دلالة هذا العنوان؟

أثارت اهتمامي هذه الثمرة التي شكّل وجودها منذ بداية البشرية نقطة مفصلية، هذه الثمرة ذات البذور السوداء السامة، والتي كانت رمزاً لخطيئة المرأة في القصص الدينية، ثم أصبحت بداية لثورة العلم والمعرفة عندما سقطت على رأس نيوتين واكتشف بعدها قانون الجاذبية وأدحض الأساطير، لتكون أخيراً وليس آخراً رمزاً للتكنولوجيا بتفاحتة ستيف جوبز المقضومة، والتي للأسف استخدمت المرأة كسابقاتها ولم تنصفها، وكانت كالتفاحات السابقات تعجزنا عن قيادة الأرض إلى السلام. لذا كان لا بد من أن تأتي تفاحة أخيرة تقيم العدل والقانون على الأرض لتعيد الإنسان إلى جنته التي أنزله منها كسره تلك القوانين.

في روايتك صراع نفسي يعيشه الأبطال. كيف ترين ذلك كانعكاس على الواقع الإنساني اليوم؟

لو أمعنا النظر في تاريخ الأرض لوجدنا أن جراح الحروب، والغدر والخيانة الموت والعنصرية لا تزال تنزف منذ قتيلها الأول إلى الآن، وما تغيّر أن العالم أصبح قرية صغيرة، وبتنا نشاهد كل ما يدور حولنا على كوكبنا ونحن نأكل الفوشار ونشرب المرطبات من دون أن يرف لنا جفن. للأسف، كانت الرواية صادمة وأجمع القراء على أن من يدخلها لن يخرج منها قبل أن يعيد ترتيب ذاته وأولوياته ويصحح ربما نظرته إلى ما يدور حوله، وهذا ما تعمدت إثارته داخل إنسانيتنا وهي تتحضّر لدخول الغيبوبة كي نستيقظ من جديد. في تفاحتي الأخيرة خرج الشيطان بريئاً وعلق الإنسان مشنقته ليحاكم نفسه على ذنوبه التي أبدع في تحميل أسبابها ومسؤوليتها لله والقدر والشيطان.

تدور الرواية على هامش الحروب التي نشبت في البلقان وعلى مرّ عقود عدة. هل استوحيت الفكرة من إقامتك في أوروبا؟

خلال عملي في مجاهل اللجوء الإنساني وفي السجون ومخيمات النازحين في النمسا، سمعت آلاف القصص التي لن تفارقني ما حييت. الإبداع ثمرة تراكمات إنسانية ثقافية وعلمية نعيشها ونختبرها يوماً تلو آخر، وليست بذوراً شيطانية تولد من العدم. دفعتني تلك القصص المؤلمة إلى أن أخرج بعبرة أقصها على من أحب وعلى من أخاف عليهم من إعادة تجربة تلك المآسي التي تدعى «الحروب». أردت أن ينظر كل منّا إلى عيني عدوه ويرى نفسه فيهما، أن يبحث عن بذور الخير حتى في رحم الشيطان. خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، أما ما يجتاحنا من شرور فهو وليد أنفسنا، هذا ما اختبرته بطلة الرواية نوريستا وما قاساه إيفان قائد فرقة الإعدام الذي اختطف طفولتها واغتصبها قبل أن يغتصب الحب قلبه ويدميه.

تقولين إن في الرواية خيالاً وهمياً يدور عن صراعات أخرى بين عهود التفاحة الأولى تفاحة الخطيئة. هل الرواية دفاع عن المرأة؟

تحوّل جسد المرأة عبر العصور إلى ساحة للحروب ومقياس للنصر وللهزيمة. وكانت جريمة هذا العصر فضيحة اغتصاب 50,000 امرأة في حرب البوسنة والصرب من الطرفين، ليكمل ما نراه الآن في شرقنا من سبي وتجارة جواري واغتصاب على يد أبناء الدين الواحد. وكانت المرأة التي احتوت الأجيال في رحمها تساوت بالكلب والحمار والشيطان، وكأننا لا ندرك أن المرأة المظلومة هي من تنجب الإرهابي وتربيه، وكأننا نجهل أنها إنسان جعل الرجل قوام عليها ليحميها وينصرها ويدافع عنها. نعم، ربما كانت الرواية تحمل هذا المعنى ولكني أدافع عن المرأة منها هي أولاً قبل أن أدين الرجل، فعدو المرأة هو المرأة، وهي عندما تتحرر من ضعفها وتحرر بنات جنسها من نقدها لهن لن يقوى رجال الأرض على ظلمها.

تؤدي الحكاية دوراً مهماً لدى البطلة التي تحكي عن عالمها المؤلم وعالم الحكاية السحري، فكيف نسجت خيوط هذه الحكايات؟

نسجت البطلة الطفلة من فضلات القماش مجسمات لأفراد عائلتها الذين قتلوا أمام ناظريها في الحرب، وصنعت لها إخوة وأخوات من قماش وهي في سجنها. كانت تراقصهم حينا وتقص عليهم الحكايات أحياناً، تحتضن أمها الدمية عندما يسكنها القلق وتمسك يد والدها الدمية عندما تشعر بالخوف. في سراديب نفوسنا، لا ينفصل الخيال عن الواقع، والفارق الوحيد بين الاثنين هو كيف نخرج هذه الصور من الخيال إلى الواقع ونترجمها على الصفحات.

نقد وجوائز

سبقت رواية «التفاحة الأخيرة» «لاجئة إلى الحرية» و{الرصاصة الصديقة» باللغة الإنكليزية ورواية «كايا»، كيف ترين تطور هذه الرحلة الأدبية؟

من قرأ الكتابات حول هذه الأعمال سيجد أن ثمة خطاً إنسانياً يجمع بينها، ولو اختلفت المواضيع المطروحة والزمان والمكان، وغاصت الوقائع بين الأساطير ومرارة الحروب وقسوة الواقع. أعتقد أن لكل كاتب بصمة ما تميزه، وجميل أن نلتزم بها. ولكن علينا أن لا نهمل سعينا الدائم إلى تطوير أساليب التعبير، وهذا ما اكتسبته مع الوقت والخبرة، فالأسلوب في تطور دائم أما البصمة فما زالت كما هي.

كيف تنظرين إلى مشروعك الأدبي الروائي وتجربتك الخاصة بعد سنين الكتابة المستمرة؟ كيف تقرئين فيها تحولاتك الذاتية وانعكاسات الأزمنة والأمكنة؟

ما زلت في بداية مشواري، ولا يزال طفلي يحبو على سديم العلم والمعرفة. لا أنكر بأنه كبر قليلاً، ولكنه ما زال بحاجة إلى الكثير كي ينهض ويستحق المسميات. وما دامت للكاتب رسالة يؤمن بها فعليه أن لا يتأخر بنشرها وأن لا يحمّل مسؤولية كلمته تلك وانتشارها لغيره دون نفسه.

داخل كل مبدع يسكن ناقد. إلى أي مدى تنتقدين نفسك؟

الناقد الذي في داخلي شرير يفتقد إلى الرحمة ولا يلتمس لي الأسباب والأعذار. أكره قسوته، وأحبها أيضاً عندما يثني القراء على كتاباتي.

ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي؟

أعتقد أن وصول الكتاب إلى يد قارئ نهم أهم جائزة يحصل عليها الكاتب. تسلط الجوائز الضوء على الأعمال الفائزة بها طبعاً، ولكنها ليست دائماً المقياس لجودتها. وثمة أعمال كثيرة لم تأخذ نصيبها رغم إبداع كتابها.

مسيرة ومسار

سونيا بوماد كاتبة لبنانية مقيمة في النمسا، عضو في رابطة القلم النمساويّة ونادي الحافة النمساوي. تعمل مدرسة بيانو إلى جانب عملها في مخيمات اللجوء، وهي عضو نشيط في مجال حقوق الإنسان ومُناهضة للعنصرية.

صدرت لها «كايا»، و»لاجئة إلى الحرية»، و«التفاحة الأخيرة». تتناول الأخيرة الكره والحب، تلك العلاقة الشائكة التي صنفها فرويد على أنها نوع من التواجد والنعاس مع الأعداء، وتبحث الرواية في نفوس البشر وتدين الحرب الأهلية ومعاناة اللاجئين وفوضى المخيمات.

في داخلي ناقدة شريرة تفتقد الرحمة ولا تلتمس الأعذار

أفتقر إلى الجرأة لأكتب عن المرأة من دون ستائر أو حدود
back to top