الصوت الواحد... تفتيت لمكونات المجتمع وهبوط لنسب متطلبات الفوز

ممثل الأمة بعدد خجول من الأصوات!

نشر في 29-10-2016
آخر تحديث 29-10-2016 | 00:02
عملت الحكومات المتعاقبة على التدخل والتأثير في العملية الانتخابية منذ التحول عن النظام العشري الذي بدأت به الحياة الدستورية عام 1961، وصولاً إلى الفترة الزمنية الممتدة من 1981 – 2006.
قليلة تلك الدراسات التي أعدت لبحث تأثير مرسوم الصوت الواحد على العملية الانتخابية بعد إقراره بموجب القانون رقم 20 لسنة 2012، وأجريت بموجبه الانتخابات البرلمانية السادسة عشرة في الأول من ديسمبر 2012 وتحصينه من المحكمة الدستورية لاحقا في يونيو 2013، واليوم نحن أمام انتخابات ثالثة تجرى وفقا لنظام الصوت الواحد، وسيكون يوم 26 نوفمبر المقبل موعدا للاقتراع.

وقد عملت الحكومات المتعاقبة على التدخل والتأثير في العملية الانتخابية منذ التحول عن النظام العشري الذي بدأت به الحياة الدستورية عام 1961 (المجلس التأسيسي)، وصولا إلى الفترة الزمنية الممتدة من 1981 – 2006 والتي قسمت الدوائر فيها الى 25 دائرة بإرادة السلطة منفردة أثناء وقف العمل بالدستور أعوام 1976 - 1980.

وبعد جدل واسع داخل البرلمان وخارجه، تم إقرار نظام الدوائر الخمس في عام 2006 وأجريت أول انتخابات بموجبه في 17 مايو 2008.

ولم تنجح أي تدخلات حكومية في تحقيق شعار الاستقرار السياسي المنشود عبر بوابة الدوائر الانتخابية، فعلى الرغم من القول إن مجلس 2013 الذي تم حله لأسباب مصطنعة في 16 الجاري كان مجلس استقرار وهدوء سياسي، فإننا اليوم أصبحنا أمام مجلس غير كفوء، ولا يستطيع مواجهة "الأوضاع الإقليمية والتحديات الأمنية"، ولا يلبي "تطلعات الشعب والتعبير عن توجهاته"، بحسب منطوق مرسوم حله، هكذا بين ليلة وضحاها بعد أن كان من "أفضل المجالس"!

تحليل إحصائي

في هذا التحليل الإحصائي سنحاول بيان نسبة الأصوات التي تؤهل للفوز بالمركز العاشر (الأخير في الدائرة) باعتبارها حدا أدنى للفوز، وذلك بين نظامين للتصويت، الأول (نظام خمس دوائر وأربع أصوات)، والثاني (نظام خمس دوائر بصوت واحد)، وذلك وفقا لما يلي:

أولا: رصد أصوات ونسب الفوز في المركز العاشر في انتخابات مجلسي 2008 و2009 من جانب، واعتبار الأول سنة أساس. ورصد أصوات ونسب الفوز لذات المركز في انتخابات مجلسي 2012 و2013 واعتبار الأول سنة أساس.

ثانيا: جرت مقارنة نتائج الفائز العاشر بين مجلسي 2008 و2009 من جهة، ونتائج الفائز العاشر في انتخابات مجلسي 2012 و2013 من جهة أخرى لبيان الحد الأدنى للفوز في نظامي التصويت المشار إليهما.

وخلصت الدراسة إلى النتائج التالية:

1. ساهم مرسوم الصوت الواحد في خفض نسبة المشاركة العامة في الانتخابات إلى (39 في المئة) في مجلس 2012، بعد أن كانت (60 في المئة) في انتخابات 2008، وبسبب تحصينه بحكم المحكمة الدستورية ارتفعت النسبة إلى (52 في المئة) في انتخابات عام 2013، لكن يبقى القول بأن مؤشر المشاركة خسر 8 نقاط إذا ما أخذنا في الاعتبار نسبة المشاركة في انتخابات 2008؛ و6 نقاط مقارنة مع انتخابات 2009.

2. يتضح من قراءة الجدول المقارن لانتخابات مجلسي 2008 – 2009 والجدول المقارن بين مجلسي 2012 و2013 انخفاض نسبة الفوز بالمركز العاشر الذي يمثل الحد الأدني في كل دائرة.

عصبيات ضيقة

فإن كنا نتحدث عن (12 في المئة) كمتوسط لانتخابات 2008 و(18 في المئة) في انتخابات 2009، فإننا أمام نسب منخفضة جدا تؤهل بـ (تمثيل الأمة!) في البرلمان، وهي (2.9 في المئة) في انتخابات 2012 و(4 في المئة) في انتخبات 2013. وهي نسب تشجع على العصبيات الضيقة المضرة بكيان مجتمع صغير كالمجتمع الكويتي.

وبعد، ومع الأخذ في الاعتبار مسألة مقاطعة الانتخابات من قبل العديد من العناصر البرلمانية المؤثرة، المستقلة أو المنتمية لتيارات وكتل سياسية وتأثير ذلك على فرض جو سلبي تجاه المشاركة وانخفاض نسبة التصويت وتقلص النسب المطلوبة للفوز في المركز العاشر، إلا أن الجدير بالاهتمام هو عدم تحقق الاستقرار السياسي – شعار الحكومات المتعاقبة – رغم التبشير بالحل السحري الذي كان سيأتي به نظام الصوت الواحد. فماذا أمامنا اليوم؟ عدم استقرار سياسي، نقمة شعبية تجاه أداء السلطتين، واستمرار في (عادة) حل المجالس.

بل إن نظام الصوت الواحد عمق النعرة الطائفية والقبلية والعائلية بشكل لم يسبق له مثيل، فصارت الانتخابات الفرعية تجرى داخل العائلة الممتدة واتباع المذهب والطائفة الواحدة، وأفخاذ القبائل!

ظاهرة جديدة

وبرزت ظاهرة جديدة في مخرجات الانتخابات تمثلت في عناصر مجهولة في وسط العمل الشعبي والأهلي والسياسي والنقابي، وكان أداؤهم داخل البرلمان صفرا.

ويبدو واضحا أن سياسة حل المجالس النيابية والتغييرات الوزارية لم تأت سوى بالمزيد من عدم الاستقرار، فالمجلس تم حله 9 مرات على مر تاريخه، وتم تشكيل 10 حكومات منذ عام 2006 وبمتوسط عمر 10 شهور لكل حكومة!

وسيظل النظام الانتخابي عرضه للتدخل غير الحميد، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان في القادم من الزمن، بسبب أن الطرفين يشكلان جزءا من المشكلة، فما لم يوكل أمر تعديل الدوائر الانتخابية وتطويرها بناء على معطيات ديموغرافية وعمرانية بحتة، فلن تتحصن الدوائر من التدخلات السياسية، ولن يكون ذلك متاحا ما لم يترك لهيئة عليا للانتخابات تكون مستقلة عن السلطتين.

لم تنجح أي تدخلات حكومية في تحقيق شعار الاستقرار السياسي المنشود عبر بوابة الدوائر الانتخابية
back to top