الشاعرة المغربية صباح الدبي: صوت الأنثى الإبداعي طاغٍ في المغرب

نشر في 24-10-2016
آخر تحديث 24-10-2016 | 00:04
ترى الشاعرة المغربية صباح الدبي أن الصوت الشعري النسائي أصبح مسموعاً وحاضراً بقوة في المشهد الإبداعي المغربي، مشيرة إلى كم الإصدارات المتوالية والمتعددة التي تثبت حضور الصوت الأنثوي وترجع ذلك إلى التحوّل النوعي في الكتابة الشعرية النسائية التي أضحت قوية وفاعلة وتضاهي التجارب الشعرية كافة في العالم العربي، وهي إضافة تؤسس للمشهد الثقافي والشعري العربي عموماً.
حول الصوت الأنثوي وما يحمله البوح النسائي في الإبداع المغربي، وأعمالها ومسيرتها، التقتها {الجريدة} في هذا الحوار.
كيف ترين الكتابة وفق منظور صوتك النسائي الشاعري؟

الكتابة ضرب من الوجود المعادل لوجودي المادي، وشكل من أشكال التجلي الروحي عبر الأبجدية. هو الهواء الذي به تتنفس الطاقة الداخلية وتتقد فتسطع أنوارها عبر الصورة والكلمة، فتكوّن فرحنا وحزننا وملاذنا وخلاصنا غالباً. لذلك فاليقين بالحاجة إليها يتولّد لدى من أصيب بفتنتها منذ البدايات الأولى البسيطة والفطرية التي تترجم ما يعتمل في الداخل. لكن الحاجة إليها تصبح أكثر إلحاحاً مع نضج الوسائل والرؤية للذات في علاقتها بأناها وبالآخر وبالكون... تتحوّل إلى حياة أخرى تحيانا ونحياها.

ماذا عن المشهد الثقافي المغربي؟

المشهد الثقافي المغربي في تحوّل مستمر رغم صعوبات عدة تعترض الشأن الثقافي في المجتمعات العربية عموماً. في مجال الإبداع، استفاد هذا المشهد كثيراً مما أوصله الرواد وراهن على التميّز والخصوصية وتعدّد المرجعية والانفتاح على مختلف التجارب الشعرية العربية والعالمية، بما يحقق للقصيدة إضافة نوعية ويجعلها على موعد دائم مع التفاعل والتأثير والتأثّر. وإذا كانت المجاميع الشعرية حققت تراكماً واضحاً في السنوات الأخيرة بما في ذلك حضور المرأة، فإنها تراهن في الوقت نفسه على بلوغ سقف التميز... ولا تخرج المتابعات النقدية عن هذا الرهان الذي يليق بالحضور المغربي، وإن كان بعضها ينزلق إلى المحاباة والمجاملة، لكن الأقلام الجادة تحمل همّ المسؤولية وتقدر حاجة المشهد الثقافي إلى المقاربة الجدية والمسؤولة بما يضمن لها الحضور والجدوى.

ديوانان

في ديوانك «حين يهبّ الماء» وهو التجربة الأولى لك يتجلّى التماهي مع الآخر. ماذا عنه وهل لقي استحساناً نقدياً؟

حين نكتب نمنح حياة أخرى للغة ونحملها قطعاً من ذواتنا ومن تماهينا مع الآخر. والديوان هو نتاج لهذه الرؤية ولهذا التماهي ولقي استحساناً من طرف عدد من المهتمين بالشأن الشعري. غير أن المتابعة النقدية على العموم تظلّ رهينة بالنظرة الأحادية الذوقية القريبة من المحاباة التي تفقد النقد وظيفته الحقيقية باستثناء بضع متابعات جادة تحمل هم الإبداع وتتبع إنجازات الأجيال الجديدة.

أخبرينا عن ديوانك الثالث الذي صدر هذا العام «رحيل قرمزي».

لديوان «رحيل قرمزي» مكانة كبيرة لدي. عملت عليه لفترة طويلة وهو الثالث بعد «حين يهب الماء» و{سِدرة الضوء»، ويتضمّن مجموعة قصائد من الشعر التفعيلي تتوزع بين القصيدة القصيرة والمتوسطة والطويلة، وبعضها في شذرات شعرية.

مسابقة وروافد

ماذا عن تجربتك في مسابقة أمير الشعراء؟

مسابقة أمير الشعراء إحدى المبادرات الطيبة التي ساهمت في إحياء العلاقة بين الشعر والجمهور، وأتاحت القصيدة فرصة الحضور الإعلامي القوي، ومكّنت الشعراء من التواصل بشكل كبير مع الجمهور. غير أن للمسابقات عموماً، لا سيما التي يكون لها هذا الثقل الإعلامي، قوانينها التي تُخضِع الشعر لإكراهات لا تليق به.

ما هي الروافد والتجارب التي شكّلت وعيك الإبداعي وصقلت موهبتك الأدبية؟

الكتابة إبحار في عوالم لامتناهية، ما يدعو إلى ضرورة التزوّد بما يفضي إلينا بأسرار هذا الإبحار، والمبدع مدعو إلى النهل من منابع متنوعة تجعله منفتحاً على مختلف التجارب الإبداعية والبدء بكنوز التراث العربي التي تختزن مادة أدبية قوية من شأنها إغناء الزاد المعرفي وتوسيع الرؤية الفنية انطلاقاً من عمليات إعادة بناء المتخيل. فضلاً عما تقدمه التجارب الإبداعية العالمية من رؤى جديدة تغني الرصيد الثقافي وتسمح بالانفتاح على عوالم مغايرة وثقافات مختلقة وتسمح للتجربة الخاصة بإمكان التلاقح المثمر مع الحفاظ على الخصوصية.

كيف يمكن للشعر أن يطوّر من أدواته ليلبي الحاجة العربية بمشهدها الراهن؟

الإبداع بطبيعته قرين بشروطه وملابساته، هو شكل من أشكال التفاعل المفترض بين الذات المبدعة وشروط وجودها النفسية والوجودية والحضارية، لذلك يخضع الإبداع والشعر في شكل من أشكال تجلياته لهذه العلاقة. والتجارب التاريخية للتحولات الجذرية التي شهدتها القصيدة العربية خير دليل على هذا التفاعل، لذلك تظلّ القصيدة مرهونة بهذا التفاعل الذي يسِمها براهنيتها وتعالقها الفني والجمالي بشروط وجودها الدالية والدلالية. وينبع تطوير الأدوات من طبيعة التطوّر الذي تشهده التجارب ومن حتمية التحوّل الذي تقتضيه كل حياة جديدة، وهذا يختلف حسب اختلاف التجارب ورؤى أصحابها وعلاقاتهم بشروطهم، وفي ذلك إيذان بالتعدد والتنوع الذي يضمن للقصيدة سر البقاء والتأثير.

نبذة عن الشاعرة

الشاعرة المغربية صباح الدبي من مواليد مدينة تازة عام 1974، حصلت على دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي الحديث، وهي عضو اتحاد كتاب المغرب. تنشر نصوصها في مختلف المنابر الوطنية، وتشرف على عدد من المسابقات الشعرية

من قصيدتها «حين يهب الماء»

حين يهب الماء

أخرج من عمق الغـيب

أخرج وأنسج لحمام الـكون

خيوط الشدو الغائر في لـججك

هل يبقى الليل إذا ذبلت عـيناه

أميرا للغرباء؟

أم هل سيظل يلوك جذور السهو

ويرسم أودية النسـيان

لقافلة الجـمر

... ويفك قوانين الحكـماء؟

هل أرسل شهقته الأولى

حين امتلأت أكمام الـقلب

بسر غوايـته الأولى

أعوام مرت والأسطورة تشرب

من كأس الكشف زلال الذكـرى

وعيونا من ورق الـعنب

لم يرو لها الطير المذبوح سوى

أشداق حكاية جلجـامش

... وورودا فاضت في صخب العمر

ألهذا الهمس تصلي أصداء الكلمات

وتنشد أذكارا مثلي؟

والقلب يسائل طائره عن سر كتابته الأولى

آه لو يدرك ما الضوء الشارد

... في قافية الوقت

لو يدرك وقت هبوب الماء على وجه الشمس

... ما يبقى في هذا الولع الأغبر

ما يبقى في هذا الألم الأكبر

الكتابة إبحار في عوالم لامتناهية

المحاباة في النقد تفقده القدرة على الموضوعية

المشهد الثقافي المغربي في تحوّل مستمر رغم الصعوبات التي تعترضه
back to top