تعقيدات الوجود التركي في محيط الموصل

نشر في 15-10-2016
آخر تحديث 15-10-2016 | 00:04
 أنس محمود الشيخ مظهر مع وجود جيوش أكثر من 10 دول في العراق، استيقظت حكومة أصحاب الكهف في بغداد فجأة على كابوس وجود قوات تركية في محيط الموصل، ووخز انتهاك التراب العراقي إحساسها المرهف لتهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور, وكأن تلك القوات دخلت لتوها الأراضي العراقية وليس منذ عقود.

فوجود القوات التركية في العراق يمتد إلى عهد نظام صدام حسين وفق اتفاق ثنائي حينئذٍ بين الدولتين، لتعقُّب المقاتلين الكرد في طرفي الحدود، واستمر وجودها بعد عام 2003 حتى الآن، ومنذ هذا الوقت طالبت حكومة إقليم كردستان مراراً حكومة بغداد (الوطنية جداً) بدعوة تركيا إلى سحب قواتها لكن دون جدوى، حيث كان وجود تلك القوات حينئذٍ في كردستان بمثابة ورقة ضغط على الإقليم تستخدمها حكومة بغداد متى ما أرادت. وتشاء الأقدار السياسية أن تتطبع العلاقات بين حكومتي كردستان وتركيا، وأن تفقد حكومة بغداد تلك الورقة لينقلب السحر على الساحر بعد دخول "داعش" للعراق، ويتوغل الجيش التركي ليصل إلى محيط الموصل ويشكل عقبة حقيقية أمام أجندات حكومة الأغلبية الشيعية ضد المناطق السنية في مرحلة ما بعد "داعش".

هناك نقطتان يجب التأكيد عليهما بداية، الأولى إصرار تركيا على أن وجود جيشها في محيط الموصل جاء وفق مطالبات عراقية لها بمساعدتها في الحرب على داعش، والثانية أن ادعاءات حكومة بغداد عن أطماع تركية في الموصل يكذبها الحجم الصغير لتلك القوات، وتلغيها الموازين العسكرية والسياسية الحالية في المنطقة والعالم، والتي تختلف عن الموازين السياسية التي كانت موجودة في بدايات القرن الماضي.

ومهما كانت الأسباب التركية المعلنة, فالواقع السياسي يشير إلى وجود أسباب مركبة متشابكة يتعلق بعضها بتوجهات الحكومة العراقية، كما قلنا سابقاً، والبعض الآخر مرتبط بنظرة تركيا لأمنها الوطني.

فبعد تزايد الرفض العراقي للوجود التركي على أراضيها أخذت الحكومة التركية تفصح عن أسباب أخرى تتعلق بمخاوفها من حدوث تغييرات ديموغرافية في مدينة الموصل في مرحلة ما بعد داعش، لكن أيضاً دون الإعلان عن الجهة التي يمكن أن تقوم بهذه التغييرات، بحيث أبقت باب التكهنات مفتوحاً للجهة التي تقصدها, فقد يكون ذلك موجهاً ضد الحكومة العراقية وميليشياتها التي دأبت على تغيير ديموغرافية المناطق السنية التي تحررها من "داعش" وإحلال المكون الشيعي فيها، وكذلك يمكن تفسيرها بأنها ضد توجهات حكومة كردستان في ضم المناطق الكردستانية خارج الإقليم بعد تحريرها من داعش.

وفي الحقيقة، فإن موقف إقليم كردستان يعتبر الأكثر حساسية بين جميع المواقف في رفض أو قبول تواجد تلك القوات، فوجوده كإقليم غير مستقل يفقده الحق في رفض وجود تلك القوات رسمياً باعتبارها موجودة وفق اتفاقيات بين العراق وتركيا في حقب سابقة، وكذلك فإن علاقاته الجيدة مع تركيا لا تعطيه مبرراً لإبداء الرفض, رغم أن الحجم الصغير لتلك القوات لا يعطي ضمانات لموقفها المستقبلي إزاء أي تطور في العراق أو كردستان.

وكما قلنا فإن الوجود التركي في تلك المناطق لا يمكن فصله عن نظرة تركيا لأمنها الوطني في تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني في نقاط التماس مع "داعش"، سواء في سنجار أو مخمور أو غيرها... ما يضع حكومة إقليم كردستان في موقف محرج سياسيا، فالتقارير التي تشير إلى وجود دعم عسكري ومالي عراقي لحزب العمال في تلك المناطق تثير تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك الدعم في إمكانية الدفع باتجاه قتال كردي- كردي بعد طرد داعش، وهذا ما تتجنبه حكومة الإقليم، لأن أي قتال من هذا النوع لن يصب إلا في صالح أعداء الطموح الكردي من دول الجوار، بما فيها العراق، لذلك نراها تغض الطرف عن وجود هذا الحزب، وفي الوقت نفسه تحجم عن إبداء رفضها للتواجد التركي (للأسباب المذكورة سلفاً).

وعليه فإن حزب العمال الكردستاني مطالب بفهم المعادلة الكردية العراقية هذه، وألا يحول نفسه إلى ورقة ضغط عراقية على الإقليم، فوجود عناصر الحزب في بداية المعركة على "داعش" كان مطلباً قومياً كردياً مثلما كان وجود بيشمركة كردستان في كوباني مطلباً قومياً لبته البيشمركة وكللته بالانسحاب منها بعد تنفيذ مهمتها وزوال خطر داعش عن المدينة, ولذلك فعلى حزب العمال الآن تحمل مسؤولياته القومية والانسحاب من إقليم كردستان حفاظاً على المصالح القومية للشعب الكردي من جهة، وعدم إعطاء الذرائع لتركيا في ترسيخ تواجدها من جهة أخرى، لاسيما أنه لا يليق بحزب كردي عريق مثله أن يتحول ورقة ضغط بيد حكومة مراهقة سياسياً كالحكومة العراقية، ومبرراً جاهزاً بيد الحكومة التركية تتخذ من وجود عناصره في كردستان ذريعة لإبقاء جيوشها وتطويق أي تطلع قومي يتحرك نحوه الإقليم مسبقاً.

* (كردستان العراق – دهوك)

back to top