حلف شمال الأطلسي ينحدر نحو الأزمة

نشر في 09-10-2016
آخر تحديث 09-10-2016 | 00:00
قرع موسكو طبول الحرب يجب ألا يحتجز الغرب الأوروبي-الأطلسي في دوامة لا متناهية من عدم الاستقرار، ويدفع أعضاءه إلى التخلي عن القيم التي شكّلت أساس مرحلة السلام والاستقرار غير المسبوقة في أوروبا.
 ناشيونال إنترست ينحدر حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو أزمة، فوراء واجهة التضامن في التصدي لميول روسيا الانتقامية، يواجه هذا الائتلاف الأطلسي الاختبار الوجودي الأكثر صعوبة على الأرجح منذ نهاية الحرب الباردة، وخصوصاً مع بروز أسئلة حول نوع المنظمة الذي يدّعي هذا التحالف أنه يشكّله مقابل ما يقوم به فعلاً.

لا يُعتبر احتمال التوسّع الفعلي عبئاً يثقل كاهل الناتو، بل شريان حياته والصخرة التي بُنيت عليها أجيال من السلام والازدهار الأوروبيين-الأطلسيين الأكثر شمولية. ومن هذا المنطلق يكون تراجع الناتو الحالي، أو على الأقل الطريقة التي يقوّض بها التوسّع، نوعاً من التخلي المحتمل عن علّة تأسيس الحلف. نتيجة لذلك تساهم عرقلة توسع الناتو في تعليق واضح (هذا إن لم نقل موتاً بطيئاً) للشَرطية الأوروبية-الأطلسية، التي تشكّل سياسة ناجحة جداً تربط الإصلاحات الليبرالية بالانضمام إلى الحلف، وتتفاقم مشاكل التوسع، والتراجع، والشَرطية مع تنامي التوقعات المؤذية في بعض أجزاء الحلف.

يتخطى تهديد القوة الروسية (هذا إن لم نتحدث عن طيف مخاطرها الأشمل) ممر سوفالكي، فمن بين السيناريوهات الممكنة والكارثية على الأرجح، يُعتبر تهديد دول البلطيق مجرد احتمال واحد، على الصعيد العملي لا يملك الناتو العديد أو الموارد الكافية لتحصين كل منطقة مهدَّدة، بالإضافة إلى ذلك يجب ألا تُنظَّم أي خطة طوارئ وتُطلق من الخطوط الأمامية التي تسودها الفوضى، بل من مناطق تتمتع بخطوط إمداد ثابتة وعمق استراتيجي، فهذا السبيل الوحيد إلى الدفاع بنجاح عن الناتو والطريقة الوحيدة التي يجب أن يتوقع أعضاء الناتو المستقبليون الحصول بها على دعم هذا الحلف. لا تشكّل عضوية الناتو بديلاً عن الأمن الوطني، ومن الضروري ألا تظن أي دولة تطمح إلى الانضمام إلى الحلف أن بإمكانها الاعتماد على الجيوش الغربية بمجرد دخولها الناتو.

خارج منطقة الناتو المحصنة، على دول مثل أوكرانيا، ومولدوفا، وجورجيا ألا تجلس مكتوفة اليدين وتنتظر أن يصلح هذا الحلف الأوضاع أو تنهار، باتت القوة القاسية اليوم مصدر النفوذ السائد، بغض النظر عما إذا كانت عادلة أم لا، في حين تشكّل "قابلية الدفاع" مقياساً أساسياً سيُعتمد في نهاية المطاف في تقييم الطموحات الأوروبية-الأطلسية. نتيجة لذلك تعزز الحوكمة الفاعلة، التي تترافق مع وسائل دفاع عن الأرض عالية المصداقية (فضلاً عن خطط لتهدئة المناطق الداخلية الساخنة بفاعلية)، سعي هذه الدول للانضمام إلى الناتو، مقارنة بعمليات التملق السياسية أو حتى دعم مئة اسم كبير نافذ في واشنطن وبروكسل.

مع اقتراب الناتو من انقضاء السنة الثالثة على احتلال القوات الروسية القرم وضمها، يتجلى بوضوح أن موقف موسكو العدائية طويل الأمد، لكن قرع موسكو طبول الحرب يجب ألا يحتجز الغرب الأوروبي-الأطلسي في دوامة لا متناهية من عدم الاستقرار، ويدفع أعضاءه إلى التخلي عن القيم التي لطالما شكّلت أساس مرحلة السلام والاستقرار غير المسبوقة في أوروبا. يعيش الناتو راهناً في حالة أزمة ترتبط بالهدف والهوية وتتناقض مع روحه التأسيسية، ولن يُكتب للحلف والمشروع الأوروبي-الأطلسي النجاح ما لم يُعكس هذا الميل.

مايكل سيشاير

back to top