بين السلطة والتسلط

نشر في 08-10-2016
آخر تحديث 08-10-2016 | 00:04
السلطة تعني قدرة القيادي على اتخاذ القرار، مع استخدام تلك القدرة في إبراز المهارات الشخصية للعاملين حسب الكفاءة والفكر والثقافة، أما ‎التسلط فهو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة عبر التجبر والأنانية في اتخاذ القرار، مع إجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ هذا القرار دون نقاش أو تبادل آراء.
 مريم سالم الحمد سأحكي لكم حكاية يوم دراسي متكامل يبدأ بطابور الصباح الذي يحتاج إلى دراسة علمية وميدانية لما يتم تقديمه للمتعلمين فيه، لأن الملل يسكن الطرح والمتعلمين على حد سواء، في طابور الصباح، يبدو المعلمون على قدم وساق لتنظيم الطلاب، لينتهي الطابور كيفما قدر الله، لتبدأ رحلة توزيع الاحتياطات والمناوبات، وكل ما على المعلم عندئذ هو الموافقة، أما الرفض فيعني عدم تعاونه، وهو ما يترتب عليه تلقيه تهديدات باستخدام "بند التعاون" في تقرير الكفاءة في نهاية العام، ليوافق المعلم من منطلق "مكره أخاك لا بطل".

إلى جانب هذا لا تتوقف طلبات تنظيم وإحياء جميع المناسبات والفعاليات ليقوم المعلمون بجهودهم مستخدمين أقصى طاقاتهم، لينظر إلى ذلك النشاط في النهاية على أنه مجهود القيادات الرشيدة، تلك التي تحتاج كثير منها في الحقيقة إلى من يقودها! فهل ما تمارسه قيادة بهذا الشكل يعد سلطة أم تسلطاً؟

السلطة غير التسلطية هي القوة الحقيقية والفعلية لتنفيذ إرادة القيادة المتمثلة في القرارات والأوامر والنواهي لتنصب كلها في تنفيذ الهدف الجماعي والأنشطة الإدارية على اختلاف أنواعها ومصالحها، هي التي تحفظ الحقوق لأصحابها وتحميهم في شرعياً وقانونيا.

في مقالي هذا، لا أعني أحداً بعينه، بل أضع أمام الجميع، ولاسيما المهتمين بالعملية التعليمية، ضرورة تقدير المعلمين والابتعاد عن بخسهم حقوقهم، ومن هذا المنطلق تؤكد الدراسات النفسية والتربوية دائما على أهمية الكلمات الطيبة مع العاملين والموظفين لتوفير بيئة عمل صالحة جاذبة غير نافرة، ولفتت هذه الدراسات إلى أن على المدير إذا أراد أن يتمتع بقليل من القيادة الرشيدة التي ينبني عليها العطاء، ألا يعبر عن انتقاداته بطريقة مباشرة مباشرة وبحدة مزعجة، لأن ذلك من شأنه توفير أجواء من الحقد والكراهية والعدوانية والاضطراب النفسي، وكل ما عليه أن يكون انتقاده بناء، وإن كانت له وجهة نظر وملاحظات على بعض عامليه أن يقدمها مغلفة بالسكر، حتى تستساغ من قبلهم.

إن الهجوم الانتقادي دون تحسين مفرداته قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وعذراً فإنه لا وجود لانتقاد بناء لا يسبقه كلمة طيبة، فيا أيها القياديون فكروا لثوانٍ قليلة قبل أن تتلفظوا بعبارات تنسفون فيها مجهوداً كان بحاجة إلى تقدير منك.

‎وعلى ذلك فالسلطة تعني قدرتك على اتخاذ القرار، مع استخدام تلك القدرة في إبراز المهارات الشخصية للعاملين حسب الكفاءة والفكر والثقافة، أما ‎التسلط فهو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة عبر التجبر والأنانية في اتخاذ القرار، مع إجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ القرارات دون نقاش أو تبادل آراء، مما يسبب جروحاً معنوية مبطنة بأساليب التحطيم النفسية.

السلطة علاقة وظيفية تربط المرؤوسين بالرؤساء، وما دامت علاقة فلابد أن يتخللها التقدير والاحترام والعرفان والشكر ولا ضرر من الانتقاد البناء الذي يؤطر بطريقة لا تقلل من جهود أو تحبط عزيمة.

وكلمة لكل من يعمل في حقل التربية: إذا كنت في موضع سلطة فإن الواجب الوظيفي يحتم عليك الاهتمام بنفسية المعلمين، فأقل ما يطلب هو كلمة جميلة بحقهم ليستمر أوج عطائهم بعيداً عن "تكسير المياديف"، إن معلمينا بحاجة إلى قليل من التقدير لما يقدمونه من جهود، وأرجو منكم تثقيف أنفسكم بكيفية تحديد العلاقة بينكم وبين المعلمين لتتمكنوا من تسيير اليوم الدراسي كما هو مطلوب.

نصيحة تربوية

إلى القياديين التربويين: الثقافة عنصر ينبغي توافره فيكم لتتمكنوا من تحديد نوعية العلاقة بينكم وبين المعلمين، ولا تكن سلطتكم تقليدية بالية، لا تنم عن فهم لطبيعة الواقع التعليمي، وشكراً لسعة صدوركم.

back to top