سؤال ذاب بالشوكولاته!

نشر في 08-10-2016
آخر تحديث 08-10-2016 | 00:07
 جري سالم الجري تمتعتُ بقَضمةِ شوكولاته، فقفزت بذهني صور عيون المجاعة الدامعة، أشَهدُ أنها خِسة! أليس التمتع وصمة عار عند الروحانيين؟ ألا يعتبرها الجادون سخافة؟ وفي زمن السرعة اشتعلت الحياةُ حَرارةً وحِدّة، فضميري يعلم أنه بضغطة زر، بل بلمسة شاشة من الممكن أن أسجل بجامعة أو أنهي صفقة بورصة، أو ممكن للمدير فَصل عشرة موظفين مخضرمين بخطةِ قلم، فمتى يصفو البال لدقيقةِ مضغ الشوكولاته؟ هذا زمن ضغط وفقر الدم! ناهيك عن نكباتنا ونكساتنا السياسية والاجتماعية المتزايدة.

فمن أظلم ممن افترى على نفسه كذباً أو كذب بالحقيقة وهرب إلى خيالٍ يُسمونَهُ السعادة؟ وأنا هو هذا الذي يلوك إصبع "الكاكو" وسط هذا كله؟ نحن أحوج للمزيد من الشراسة والعنف لنجريِ جَري الوحوش في حياةٍ لا ترحم! ولكن الحقيقة أبداً أغرب من الخيال، لذا اكتشفت أن كل هذه الصورة مقلوبة!

المتعةُ وقود النفس للعمل، هي التي تندلع منها نيران الإبداعات الأدبية والتكنولوجية، وهي القوة التي يعتمد عليها الإعلام، خَميرة الكُتاب والمُخرجين، المتعةُ يسوس بها المُعلم البارع الأذهان، يسحر بها الطبيب مرضاه بدون عَقار، بل هي سحر الشِّعر، هي ضرورية لبقاء الأسرة، هي روح العلاقات المهنية والعائلية، والذي يتمتع بإيمانه أثناء عبادةٍ خير له من طقوس روتينية، والمتعة هي الوادي الذي يخرج منه العباقرة. ولكن من ينالها؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

وتعجبتُ كثيراً حينما تأملت التفاعلات الكيميائية لقَضمة الشوكولاته التي لاتزال بفمي، فلما لمست الشوكولاتَه اللسان أفرزت الغدة اللعابية سائلا 98 في المئة منه ماء، والباقي أحماض هضمية ومضادات بكتيرية ضرورية لكفاءة الهضم، التي بها يتم امتصاص معادن وفيتامينات هذه القضمة، فكلما ازداد مُكوث الشوكولاته على اللسان اشتدت إشارات التفجير لصنوف هرمونات المتعة في مجرى الدم من الغدة النخامية، ويُخمد هذا هرمونات القلق، والناتج هو صفاء الذهن، وقوة الذاكرة، وحماية الصحة النفسية، ورفع السعادة، وهو السبب ذاته الذي اشتريت لأجله الشوكولاته الطبيعية!

سلّط العلماء المجاهر المكبرة لبنية الشوكولاته المادية، فوجدوها تمتاز عن باقي الأطعمة بأنها مادة كريستالاية، فتكوين جزيئات "الكاكاو"، هو عبارة عن شريحة من المثلثات، ولكن الأعجب من هذا كله، أن لوح الشوكولاته الواحد هو طوابق من الشرائح التي تتداخل فيها المثلثات المتراكبةُ طبقاً عن طبق، فكلما ترك الإنسانُ القضمة على لسانه تخلخل اللعاب، فروّجَ المساحات الحرة بين كل طبقة لتعزز رسائل التلذذ لدماغ أكثر فأكثر، والتي بدورها تزيد الانتفاع التَغذَوي من الشوكولاته. ولكن من يصبر على شوكولاته بفهمه بدون البلع لأطول فترة ممكنة؟ تأمُّل هذه العملية هو قراءة لحكمة الغَزَلِ بين المتعة والصبر في هذه الحياة الدنيا، ولا ينال ذلك إلا ذوو الألباب.

أورد د. هاورد لي واين، في منشورات "هارفرد" الطبية، أن مقدار 17 ملعقة سكر من مُذاب فاكهة الكاكو (الشوكولاته) في اليوم الواحد هو من أقوى مضادات صيدلية الطبيعة لجميع أمراض القلب، ولكن تموت كل فوائد الشوكولاته للقلب إذا زدنا على هذا المقدار اليومي، كمثل أي دواء.

وأكدت الدراسات المخبرية أنه كلما ازدادت فترة ذوبان كريستالات الشوكولاته في الفم، شبع الإنسان أسرع، فمن اختار التأني والتؤدة في تناوله للشوكولاته استخرج منها كل فوائدها التي من ضمنها مادة الثيوبرومين التي توسع عضلات الرئة. والذين يسارعون بالبلع، سيطرد جسمهم الفوائد التي لا تَنفك إلا باللسان! وهذه المعلومات جعلتي أندم على ابتلاعي لقطعة الشوكولاته تلك بسرعة!

كذلك الحياة، ينشرح صدرهُ من اختار لنفسهِ الصفتين اللتين يحبمهما الله ورسوله، التأني والتؤدة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلاشانهُ". في ختام هذا المقال أبرر لنفسي قضمة ثانية!

back to top