تيريزا ماي المحافظة... هل تكون الضحية التالية للخائفين من الوحدة الأوروبية؟

نشر في 07-10-2016
آخر تحديث 07-10-2016 | 00:00
في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة ستُرغم الحكومة على الغوص في مستنقع المفاوضات الفعلية وستغرق فيه بسرعة، وستُضطر إلى مواجهة البلاء الذي أنزله بها حزبها، وسيجلس مَن بنوا مسيرتهم السياسية على إهانة نظرائهم الأوروبيين إلى طاولة المفاوضات.
 الغارديان تقول سيدة ناشطة في منتصف ستينياتها من ضواحي لندن: "إنها مذهلة! دواء فحسب"، ولكن ماذا تقصد بدواء؟ يجيب زوج هذه السيدة، الذي رفض على غرار زوجته ذكر اسمه في صحيفة "الغارديان": "تعني مصدر طاقة. تشكّل تيريزا ماي مصدر الطاقة الذي نحتاج إليه".

تُعتبر هذه الفئة من الناس المسؤول الأول عن نتيجة الاستفتاء: لا ناخبو حزب العمال أو الشبان بل المسنون في الضواحي والأرياف، ففي معاقل الحزب المحافظ التي تخشى المهاجرين مع أنها تخلو منهم، هذا ما يتوق إليه الناس، لكن رؤيتهم لا تقوم على تجارة حرة معولمة ولا تخضع لأي قيود على غرار ما دعا إليه ليام فوكس. على العكس تشمل هذه الرؤية إنكلترا (وويلز) الصغيرة التقليدية المحدودة التي تتمسك بالحمائية، وتأمل هذه السيدة: "يمكننا أن نعود إلى إنتاج السلع بأنفسنا وأن ندرّب شعبنا"، وقد رحبا بأن تتجه بريطانيا إلى الخروج من جنة الاتحاد الأوروبي.

تختلف وجهات النظر حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اليوم باختلاف الأشخاص، فيرى البعض أن الاتحاد الأوروبي سيستسلم، فنحن بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي يحتاج إلينا أكثر من حاجتنا إليه. ولكن في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة، ستُرغم الحكومة على الغوص في مستنقع المفاوضات الفعلية وستغرق فيه بسرعة. ستُضطر هذه الحكومة إلى مواجهة البلاء الذي أنزله بها حزبها، وسيجلس مَن بنوا مسيرتهم السياسية على إهانة نظرائهم الأوروبيين إلى طاولة المفاوضات، إذ ينتمي هؤلاء إلى تلك المجموعة التي كانت ترفض بتطرف الوحدة الأوروبية والتي دعاها جون مايجور "الأوغاد"، ولكن عندما تتخذ عملية الخروج هذه منحى أكثر صعوبة، قد تصبح رئيسة الوزراء أكثر واقعية من حزبها وتأبى الادعاء أن بريطانيا تستطيع الحصول على كل ما تبتغيه. لا شك أن هذا منطق قاسٍ، بما أنها ترفض حرية التنقل وصلاحية محكمة العدل الأوروبية، وفضلاً عن ذلك يشكّل ابتكار دور لوزير التجارة الدولية خطوة صعبة أخرى تترتب على الخروج من الاتحاد الأوروبي: لن يكون لفوكس أي دور إن بقينا في الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة التي تمنع الدول من عقد صفقات تجارية مستقلة.

تصرّ ماي على أننا لن نشهد "تعليقات متواصلة بشأن هذا الحدث"، لكن المسائل تسير بخلاف ما تشتهيه، فقد بدأت الحملة الدبلوماسية عبر "تويتر" مع إعلان دونالد تاسك أن "دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين ستعمل على حماية مصالحه"، وتغريد رئيس وزراء مالطا أن "أربع حريات لا يمكن الفصل بينها" (السلع، الخدمات، رؤوس الأموال، الأشخاص). كذلك حذّر رئيس الوزراء الإيطالي بوضوح أن من "المستحيل" السماح للمملكة المتحدة بأن تكون أفضل حالاً خارج الاتحاد الأوروبي.

تصبح كل الأوراق بيد الاتحاد الأوروبي ما إن تدخل المادة 50 حيز التطبيق، بما أن أمام بريطانيا سنتَين لا للخروج من الاتحاد الأوروبي فحسب، بل للتوصل أيضاً إلى صفقات تجارية مؤقتة، مما يُرغمها على خوض مفاوضات شاقة في هذا المجال مع 53 دولة تجمعها علاقات تجارية بالاتحاد الأوروبي، وعلى كل حكومة وأكثرية نيابية في هذه الدول أن تقبل بالصفقة، علماً أن هؤلاء النواب كانوا يتحملون إهانات نايجل فراج المشينة منذ سنوات.

ما المغريات التي قد نقدمها إلى هذه الدول؟ يقترح البعض أن إسبانيا ترغب في الحصول على مضيق جبل طارق. ويتساءل آخرون عما إذا كانت دول أوروبا الشرقية ستسعى إلى الفوز بوفرة من تأشيرات الدخول، ولكن إن رضخنا لمطالب مماثلة، فماذا نكون قد حققنا؟

ففي حين يرحب الخطاب تلو الآخر بـ"استعادتنا السيطرة" كدولة "مستقلة بالكامل ذات سيادة"، يعيدنا فيليب هاموند المسن والمنطقي وحده إلى أرض الواقع، ويحذرنا من الثمن الذي لا بد من دفعه، ولم يخالف معهد الدراسات المالية الرأي حين توقع هذا المعهد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكلفها 4% من النمو في السنوات المقبلة.

يطالب هاموند بالخروج الأكثر سلاسة كي نبقى "أفضل الجيران... وأقرب الشركاء التجاريين".

إليكم تحذيره الأهم: "لم يصوّت الناس ليصبحوا أكثر فقراً أو أقل أماناً"، فهل يعيد الناخبون النظر في أولوياتهم عندما يدركون الثمن الذي عليهم دفعه للحد من الهجرة؟ وهنا ينشأ سؤال تاريخي: في هذه المرحلة الانتقالية العصيبة التي تنتظر المملكة المتحدة، هل يطيح مَن يخشون الوحدة الأوروبية برئيس وزراء محافظ آخر؟

هل تواصل حكومة ماي رشوة المسنين وحرمان الشبان؟ وعدت رئيسة الوزراء بحكومة "صغيرة، وقوية، واستراتيجية". وللحجم أهمية كبيرة: أراد أوزبورن حكومة صغيرة جداً يقل فيها الإنفاق العام على 35% من الناتج الوطني الإجمالي، أي أقل بنحو 10% من أي دولة مماثلة أخرى، إلا أننا لم نتلقَّ أي أجوبة بعد.

ولكن على ماي أن تخرج عن صمتها وتُظهر ما إذا كانت مقاربتها "الوسطية" فاعلة، صحيح أن كثيرين يرددون بطريقة آلية وبدون أي تفكير شعارها "دولة تلائم الجميع"، ولكن حان الوقت لتخبرنا بمن سينجح ومَن سيجني الفوائد أو أن العبثية المدمرة التي تترتب على الخروج من الاتحاد الأوروبي ستقضي على كل ذلك.

* بولي توينبي

ماي تصرّ على أننا لن نشهد «تعليقات متواصلة بشأن حدث الانفصال» لكن المسائل تسير بخلاف ما تشتهيه

كل الأوراق ستصبح بيد الاتحاد الأوروبي ما إن تدخل المادة 50 حيز التطبيق
back to top