الروائي المصري أشرف العشماوي: «تذكرة وحيدة للقاهرة»

لوحة اغتراب النوبي في مصر

نشر في 06-10-2016
آخر تحديث 06-10-2016 | 00:02
يتناول الكاتب والمستشار القانوني أشرف العشماوي في روايته الجديدة «تذكرة وحيدة للقاهرة» قضية النوبة (المنطقة التي تشمل شمال السودان وجنوب مصر على طول نهر النيل) برؤى مختلفة عن تلك التي تناولها سابقوه، خصوصاً من أدباء النوبة، مؤكداً أن هذه القضية جرح لم يندمل بعد. كذلك يلفت العشماوي الذي احترف الأدب بعدما عمل في السلك القضائي فترة طويلة إلى أن قضية النوبة مؤثرة وملهمة. وهو أصدر خمس روايات وكتاباً بعنوان «سرقات مشروعة» ساهم في عودة بعض القطع الأثرية المهربة إلى مصر. حول روايته الجديدة وأعماله وكتابه ومسيرته كان هذا الحوار.
تتجلى المشهدية بشكل كبير في روايتك «تذكرة وحيدة للقاهرة»، فهل كتبت نصك بعين تهدف إلى تحويله إلى عمل فني؟

لم أهدف إلى ذلك في أية رواية، بل هي طريقتي في الكتابة. وصفني كثير من النقاد والروائيين بذات الوصف، هكذا بدأت منذ أول رواية وأظنّ أنني سأكتب بأسلوب السرد نفسه، وهو أمر يعود إلى تخيلي المشاهد وكتابتها وكأنني أراها. عموماً، أنا هاوٍ يستمتع بلعبة الكتابة، وسأظل هكذا ما حييت.

لماذا كان الانشغال بقضية النوبة وكتابة رواية عنها؟

ببساطة لأنها جرح لم يندمل بعد، ولأنها مؤثرة، وملهمة، ولا يزال ثمة ما يمكن قوله عن حياة النوبيين في القاهرة.

استحوذت النوبة على كتابات روائيين كثر، لا سيما من أبنائها أمثال حجاج أدول وأدريس علي وغيرهما. ما الجديد في «تذكرة وحيدة للقاهرة»؟

لست نوبياً، ولم أعش في النوبة مثلهم، لكنني كتبت بالدرجة الأولى عن الاغتراب الذي عاشوه في القاهرة وتعمدوا إغفاله. ربما كان موجعاً لهم أو صعباً عليهم، لكنني وجدت أنه يعمّق قضيتهم ويبيّن مدى الظلم الذي تعرضوا له على مدار السنين المئة الفائتة.

تتماس الرواية مع التاريخ، فهل لنا أن ندرجها في إطار الرواية التاريخية؟

لا أعتبرها رواية تاريخية. أتكئ على خلفية تاريخية من بعيد وأتحرك بحرية بعد ذلك. كذلك لا أعتمد على وثائق وأحداث حقيقية، بل أتحرك من خلال رحلة إنسان يرى التاريخ والأحداث بعينيه هو وبرؤيته الشخصية، وهذا أفضل بالنسبة إلي.

مرّ بطل الرواية «عجيبة سر الختم» بمشاكل وأزمات عدة لنجده يتعامل معها بخضوع تام.

طبيعة شخصيته المرسومة روائياً تفرض ذلك. النوبيون أيضاً صدقوا الوعود الحكومية والرسمية منذ 115 عاماً ولم يُنفذ منها شيء وما زالوا يحلمون بالعودة. تعكس الرواية واقعاً مريراً بصورة سردية على شكل مشاهد متتابعة تشكّل في النهاية لوحة اغتراب النوبي في مصر.

ألم تخش على تفتت ذهن القارئ مع وجود حيز زمني كبير في الرواية؟

لا على الإطلاق، وفي أكثر من خمس ندوات عن الرواية وحولها لم أصادف هذا النقد، ولا أظنّ أن الزمن كان مربكاً للقارئ فأنا لم أتلاعب به.

بعد صدور خمس روايات لك في سنوات قليلة، هل تشعر بالرضا عن إنتاجك، لا سيما دخول مجال الأدب متأخراً بسبب عملك في السلك القضائي؟

بالطبع راض جداً عن رواياتي كافة. يعتبر إرسالها إلى الناشر ضمنياً موافقة ورضا على المحتوى، أما دخولي متأخراً فهذا أمر لم تكن لي يد فيه. المهم أنني نشرت حتى ولو كنت متأخراً.

سيناريو وكتاب

ماذا عن تحويل رواية «البارمان» إلى عمل فني كما سمعنا؟

انتهينا من كتابة السيناريو، وكان ثمة شبه اتفاق على أن يؤدي الفنان عزت أبو عوف دور «البارمان» حسبما علمت من الشركة المنتجة ومنه هو شخصياً عندما اتصل بي منذ أشهر قليلة وأبدى إعجابه الشديد بالرواية وبالدور، وسألني ضاحكاً عما إذا كنت أفكر فيه أثناء الكتابة من شدة تطابق ملامحه مع بطل الرواية. أسعدني كلامه جداً كوني أحب أبو عوف وأرى أنه مناسب للدور. كذلك أتمنى أن أرى العمل قريباً، لكنني لا أتدخل في السيناريو ولا علم لي بظروف الإنتاج.

كيف تبدو علاقتك بشخصياتك، وما مدى التماس معها؟

إنها علاقة متشابكة وغريبة نوعاً ما، فأنا أتعايش مع الشخصيات تماماً، أحبها وأكرهها، أغوص في أعماقها، كذلك أشعر غالباً بأنني أتقمّص الشخصية التي أرسمها لدرجة الاتحاد معها. ولكن كثيراً ما أجد صعوبة في تقمّص بعض الشخصيات، خصوصاً التي تكون من محض الخيال ولم أرها في الواقع، فأحاول البحث عنها كي أدرسها عن قرب أو أقرأ عنها، وأبداً أضيف إليها من خيالي، وهي بالضرورة لا تعبّر عني إنما عن نفسها في تركيبتها النفسية والاجتماعية والثقافية... عموماً، لفتني أمل الشخصيات في الواقع والغوص في أعماقها. ربما كان عملي في النيابة العامة سبباً في ذلك، وربما يكون أعانني على هذه الهواية الغريبة. ولكن على كل حال، أنفصل تماماً عن الشخصية الدرامية بعد الانتهاء من طبع الرواية وصدورها، فتتحوّل إلى ذكرى جميلة، وأبدأ في البحث عن غيرها ولا أكررها أبداً عملاً بمقولة إنك لا تنزل النهر نفسه مرتين.

«سرقات مشروعة» كتاب وثائقي عن تهريب الآثار، فما الدافع إلى تقديمه؟

الكتاب عبارة عن حكايات وقصص حقيقية عن سرقات الآثار وتهريبها وقوانينها القديمة ومحاولات استعادتها من زمن محمد علي باشا حتى نهاية عصر مبارك. كان في البداية عبارة عن مجموعة مقالات وتحقيقات مطولة كنت نشرتها منذ 2007 وصدرت عن الدار اللبنانية التي أتعامل معها منذ روايتي الثانية «تويا».

كان الدافع إلى تقديم الكتاب إلقاء الضوء على منطقة لا يعلم أحد، حتى علماء الآثار عنها شيئاً، إذ فوجئت بأن أساتذة آثار ومنهم من كان يشغل مناصب قيادية للأسف الشديد لا يعرف أي شيء عن قوانين الآثار الدولية وطرائق استعادتها حتى اتفاقية اليونسكو 73، لذلك رأيت أن أضع خلاصة البحث والتجربة العملية على مدار سنوات طويلة في هيئة الآثار بين يد الجميع عرفاناً بالجميل وتقديراً لمن عملت معهم من علماء الآثار وتمكنا سوياً من استعادة آلاف القطع المهربة ووجدت منهم كل عون وود حتى استقالتي منذ سنوات، بعدما شعرت بأنني أديت دوري كاملاً ولم يعد لدي جديد أضيفه.

من منصة القضاء إلى منصة الأدب

استطاع أشرف العشماوي في فترة وجيزة أن يدخل حلبة المنافسة الأدبية مع قامات أدبية عربية في التوزيع والجوائز الرفيعة، وأن يكون له قارئ يبحث عن رواياته بشغف، رغم أنه جاء إلى عالم الرواية من خارج الوسط الأدبي. وصلت روايته الثانية «تويا» إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية لأفضل عشر روايات عربية، البوكر، عام 2013، وكان ضيف شرف لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته رقم 32.

وصفه كبار النقاد والكتاب في مصر، أمثال الدكتور صلاح فضل والروائي إبراهيم عبد المجيد، بأنه صاحب أسلوب جديد في كتابة الرواية يعتمد بشدة على الوصف الدقيق والسرد القوي السلس المحكم والحوارات الثرية، ويقترب أسلوبه الروائي بشدة من دقة المشاهد السينمائية، وربما ذلك كان أحد أهم عناصر الجذب لقرائه.

صدرت للعشماوي أعمال أدبية عدة وحققت نجاحاً لافتاً، فضلاً عن تحويل بعضها إلى شاشة السينما وهي «رحلة الضباع»، و«تويا»، و«المرشد»، و«البارمان»، و«تذكرة وحيدة للقاهرة»، بالإضافة إلى «كتاب سرقات مشروعة» عن سرقة الآثار المصرية.

أتقمّص الشخصية التي أكتبها لدرجة الاتحاد بها

لا أتلاعب بالقارئ... والزمن ليس مربكاً لي

{سرقات مشروعة} ساهم في عودة بعض الآثار المصرية المهربة
back to top