الشّاعرة التونسية أسماء الشرقي: بالنصوص الدينية والتاريخية أواجه العالم

نشر في 02-10-2016
آخر تحديث 02-10-2016 | 00:03
أسماء الشرقي
أسماء الشرقي
تؤكد الشاعرة والناقدة التونسية أسماء الشرقي أن جيل الشباب سيكتب نصوصاً صادمة في المقبل من الأيام لأنه صار يعي دوره إزاء مجتمعه. وتوضح أن على المثقف الآن أن يخرج عن صمته وحياديته، ويكتب ما يشعر به بصدق وما يؤلم الآخر. كذلك ترى أن أهم المشكلات التي تواجه الثقافة العربية هي تحديات العولمة وحرب إبادة الهوية العربية الإسلامية، مشيرة إلى أن علينا أن نتصدى لذلك بضراوة ووعي كي لا نتحوّل إلى دمى اصطناعية لا روح لنا.
حول همومها وآمالها وأعمالها ومسيرتها التقت «الجريدة» أسماء الشرقي في هذا الحوار.
أنت المبدعة والإعلامية والشاعرة المساهمة في تشكيل المشهد الثقافي التونسي، بأية هوية تحرصين على أن تقدمي نفسك؟

للشعر في حياتي وقع خاص ارتبط بطفولتي التي انصهرت وتشكلت منذ نعومة أظفاري من خلال حبي الشديد للكتاب والقصة، لا سيما أنني عشت في مدينة صغيرة لم تكن لي فيها وسائل ترفيه سوى المطالعة والطبيعة، لذا كان الشعر بالنسبة إلي عالماً أكثر منه خطاً في الحياة، والقصيدة كانت ولا تزال تناور مشاعري وتكشف عن أحلامي البسيطة كامرأة وإنسانة. فأنا قبل كل شيء أحترف الشعر عالماً وإن كنت أعالج الأرقام في دروب الواقع، ولي تجارب في النص النقدي والإنتاج والتقديم الإذاعي إلى جانب بعض المحاولات في الفن التشكيلي.

صدر لك ديوان شعر هو باكورة أعمالك «ذاكرة اللغات»، حدثينا عنه؟

صدر لي في بداية عام 2013 أول ديوان لي عن «الدار الأطلسية للنشر». في «ذاكرة اللغات»، كنت مؤمنة تماماً بما أقول، فكانت لي لغتي الخاصة وقراءتي للواقع في استدعاء الرموز والمراجع الدينية والفلسفية التي حدّدت ماهية نصوصي، ورسمت من خلالها صورةً لثورة باطن المرأة وثورة الشعب والوطن. في ديواني الأوّل، حاولت قدر المستطاع أن أكون أنا بوعي الأنثى والإنسان، وكانت رغبتي كبرى في أن أختلف عن الموجود. فالحب مثلاً كان حمّالاً لهموم وقضايا وأحلام ورهانات، ولم يكن مجرّد عاطفة ينصهر فيها طرفان. هو الولادة وهو البعث والانتظار والقلق والرّفض والتمرّد وهو الحريّة أيضاً... أجل كنت سعيدة بتجربتي الأولى التي أردتها بوّابة لما سيأتي. والمهم أنني رسمت قلقاً في قصائدي، وهو لن يموت أبداً في تجاربي الآتية.

لماذا يسيطر هاجس الغربة المكانية والنفسية على الديوان؟

لو تطلعت إلى تاريخ كتابة القصائد الواردة في ديوان «ذاكرة اللغات» لشد انتباهك أن زمن الكتابة كان يتأرجح بين تاريخي ما قبل الثورة التونسية وما بعدها، وأنا كمواطنة تونسية قبل أن أكون شاعرة عايشت ذات التمزق النفسي والوجداني الذي عاناه معظم التونسيين، غير أنني حاولت أن أصنع لإحساس الغربة ذاك عالماً مختلفاً ملؤه الأسطورة والملحمة والتاريخ وموشّحاً بمرجعية دينية هي محاولة مني للمقاربة بين هذه المراجع كافة أو تلك اللغات المختلفة كلها... وأقول أيضاً متى غاب الإحساس بالاغتراب ماتت الرّغبة الجامحة والمجنونة في الكتابة.

في تراثنا الأدبي اغتراب عبّر عنه الّوحيدي وغيره من شّعراء لأنّهم ببساطة مسكونون بهاجس الاختلاف عن الكائن العادي. أما عند المحدثين فتضاعفت درجات الاغتراب في الأشكال والمضامين. انظر قصائد البياتي مثلاً ودرويش. يكفي أن نذكر النّكسة والانكسارات، وأخيراً هذه العولمة الخانقة.

الصورة الشعرية

في شعرك دراما خاصة، هل للتثقيف البصري للشاعر علاقة بالناتج وكيف؟

سؤال مهم. الشاعر اليوم ليس لغة فحسب ولا خيالاً. بل عليه أن يثري مخزونه البصري ليشكّل كونه الشعري. في تجربتي دراما لها ارتباط بزوايا نظرتي إلى الأمور وتحليلها، انطلاقاً من التنافضات والثنائيات، واعتماداً أيضاً على ما يجري في الحياة من صدامات وقضايا نعيشها بوجدان مضطرب. مثلاً، ما تعيشه بلداننا العربيّة اليوم هوّ صدى لذلك... هو واقع درامي بالمقاييس كافة فيه هذه الصراعات ومظاهر الانقسام والتناحر، وعلى الشاعر أن يستدعي هذه المستجدات ليعيش نصه في الواقع لا في اللّغة فحسب.

بالتطرق إلى إشكالية الصورة الشعرية لدى كثير من الشعراء الشباب نجدها تستند إلى الصورة النحوية كثيراً في بناء النص. كيف ترين ذلك؟

آليات تشكيل الصّورة الشعريّة متحوّلة دائماً ولها اتجاهات، ولكنّ النصّ الشّعري الحديث أصبح يستقطب الكوني في بناء تلك الصّورة وتوسيع الفضاء الجمالي فيها. في ديواني ذاكرة اللغات استندت في بناء الصورة الشّعريّة إلى الصّورة النّحويّة والبلاغيّة مع حضور نصوص متعدّدة ترفد ذلك الاختيار، فقد استحضرت النصوص الدينية والتاريخية والحضارية والفلسفية. لم نعد نتحدّث اليوم عن إيقاع وصورة شعريّة بقدر ما نتحدث عن كون شعري، ما يثري بلا شكّ الطاقة الجماليّة للقصيدة الحديثة.

الرواية والمشهد الثقافي

تحوّل عدد من الشعراء إلى روائيين. هل راودتك هذه الفكرة؟

اطلعت على كثير من التجارب في هذا المجال. من تونس أذكر مثلاً أستاذي الشّاعر المنصف الوهايبي. لم نعد نتحدّث اليوم عن شاعر أو روائي أو قاص، بل عن مبدع شامل، وعن نصّ شامل. شخصياً، راودتني فكرة كتابة القصّة القصيرة جداً، وكتبت كثيراً من القصص، ولا أستبعد أن أكتب رواية ذات يوم. أنا الآن مسكونة بالبحث وهو أمر مهمّ في تجربتي الإبداعية.

هل ترين أن الحريات العربية ما زالت تعاني القيود؟

فعلاً، ما زالت الحريات العربية تعاني على المستويات كافة. ثمة قيود سترافقنا طويلاً وإن خفت موازينها في الفترة الأخيرة. صحيح أنّ البلدان العربية التي شهدت ثورات عرفت تحولاً عميقاً في الحريات مثل حريّة الصحافة والتّعبير، لكنّ العوائق تبقى في ما يسمى بالدّولة العميقة التي ترفض أن تتغير بسبب مصالحها. أما الأهمّ من ذلك فهو أنّ على المثقّف العربي أن يحارب لأجل توسيع دوائر الحريات السياسيّة والاجتماعيّة، وأن يكتب عن ذلك من دون خوف أو ارتباك... فالاستبداد يساهم فيه المثقفون بصمتهم وسلبيّتهم.

كيف ترين وتقيمين المشهد الثقافي والأدبي التونسي راهناً؟

لا شك في أن واقع الثقافة في تونس لا يختلف كثيراً عن نظيره في أية دولة عربية في التهميش واللاجدوى. غير أنّه خلال السنوات القليلة الأخيرة تحرّك باطن فكر المثقف وبات المشهد الثقافي والأدبي أكثر حراكاً وسعياً إلى توسيع قاعدة النص الحرّ والكلمة الهادفة، وإن كان الأمر يتطلّب جهداً كبيراً من النخبة المثقفة وإيماناً من القيمين على تنشيط الهياكل الثقافية في البلاد.

صدرت أعمال عدة في شتى الأجناس الأدبيّة، في الشعر والرواية والقصّة القصيرة، والملاحظ حقاً أنها أصبحت تغامر في الشّكل وفي ملامسة المسكوت عنه. وأعتقد أنّ جيل الشّباب سيكتب نصوصاً صادمة في قادم الأيام لأنه وعى بدوره إزاء مجتمعه... وعلى المثقف الآن أن يخرج من صمته وحياديته ويكتب ما يحسّ به بصدق وما يؤلم الآخر من فقر، وبطالة، وعنف، وإرهاب إلخ.

ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي؟

تهافت كثير من الكتاب والشعراء على المشاركة في مسابقات وطنية وعربية لنيل جائزة أفضل إصدار، وذلك لرسم صورة مورفة لآثارهم واعتماد تلك الجائزة كوسام للتباهي على صفحات الإعلام وفي المناسبات الثقافية. لكنني أرى بكل تواضع أنّ تلك الجوائز لم ولن تكون يوماً مقياساً ودليلاً قاطعاً على إبداعية الأثر المعني وتميّزه، لأنّ التاريخ أثبت أنّ النصّ إن كان متميّزاً إبداعيّاً يخلّد صاحبه من دون أن يسعى الأخير إلى عرضه أمام الجميع، فضلاً عن أن أيّ أثر شعرياً كان أو سرديّاً سيتوّج وإن بعد زمن لأنه حفر اسم صاحبه في ذاكرة قرّائه.

الأدب في حياتي

تقدم الشاعرة أسماء الشرقي نفسها قائلة: «أنا مواطنة تونسية من محافظة القيروان وسط البلاد التونسية، وهي مهد الحضارة الإسلامية ومدرسة جامعة للعلوم كافة في شمال إفريقيا والعالم العربي، حاصلة على الأستاذية في اللغة العربية وآدابها. كذلك درست أصول الحضارة العربية الإسلامية، والأدب في حياتي هو جبلة نشأت عليها وعشق أبدي للغة الضاد أكثر منه مشوار أكاديمي. اتجه اهتمامي في البداية إلى الشعر القديم ذي الهرمية الكلاسيكية التقليدية والوقفة الطللية المشهورة... ثم بدأت أقرأ لكثير من الشعراء أذكر منهم: الشّاعر التونسي أبو القاسم الشّابي، نزار قباني، بدر شاكر السياب، محمود درويش، غادة السمان، أمل دنقل وغيرهم من شعراء المهجر».

نعيش في «كون شعري» ولم نعد نتحدث عن إيقاع وصورة شعرية

واقع الثقافة في تونس يعاني التهميش واللاجدوى
back to top