التشكيلي المصري هشام عبد الله: «التجربة صفر» بداية مرحلة تشكيلية جديدة

نشر في 23-09-2016
آخر تحديث 23-09-2016 | 00:00
يدخل الفنان التشكيلي المصري الدكتور هشام عبد الله مرحلة فنية جديدة عبر معرضه الأخير «التجربة صفر» الذي يحمل إرهاصات الانطباعية، وحرص فيه على عرض عدد كبير من أعماله النحتية والتصويرية في غاليري «بيكاسو». يؤكد في حواره مع «الجريدة» ضرورة تمتع الفنان بالعفوية في العمل الفني بعيداً عن قيود الأكاديمية.
معرضك الأخير «التجربة صفر». لماذا هذا العنوان؟

ضمّ المعرض 42 لوحة تصوير، و13 عملاً نحتياً، من رخام وبرونز وخشب وحديد. رأيت أنني أدخل إلى مرحلة جديدة، فيما من الصعب إغفال نتاج السنوات الماضية وعدم إطلاقها للجمهور. فقد عشت في مدينة «بنها» البعيدة عن مركزية العاصمة القاهرة، وكما يعرف الجميع فإن البعد الإقليمي يصنع حالة من الصفاء الذهني بعيداً عن ضجيج المدينة ولكنه في الوقت ذاته يؤدي دوراً في حجب الرؤية الفنية، إذ لا يتمكن المرء من المتابعة الجيدة، لذا قررت إطلاق معرض عن هذه الفترة قبل الانتقال إلى تجربة جديدة. ويمكن القول إنه يحمل نهاية لمرحلة سابقة وإرهاصات لمرحلة جديدة.

يتضمن المعرض أعمالاً غير مكتملة، فهل ثمة رسالة للمرحلة الجديدة؟

عندما أشعر بوجود مساحة من السذاجة في العمل الفني لا ألغيها. لدى كل إنسان مساحة من السذاجة واللامبالاة والعفوية، من ثم أقوم على تأكيد هذه المساحة. كان من المهم وجود شيء عفوي في العمل. عموماً، كثيراً ما يترك بعض الفنانين العمل الفني غير مكتمل، ويكون النقص لصالحه.

لماذا جمعت بين خامات نحتية عدة في معرض واحد؟

لا بد من أن يتدرب الفنان طوال الوقت، فضلاً عن أن العمل ينادي خامته. نفذت «القارب» في معرض صالون القاهرة في دورته الـ56 في قصر الفنون بطول مترين ونصف المتر من خامة الحديد. ولكن عندما أردت تنفيذه بحجم صغير شعرت بأن أفضل خامة تتوافق مع البرونز هي الخشب. أنها تجربة مختلفة على مستويي الحس والحالة. في الأحوال كافة، لكل خامة أسرارها وما تبوح به، والتدريب المستمر يدفع بالفنان للوصول إلى شيء جديد.

تشكل اللوحات التصويرية في معرضك أطراً عدة أو مداخل فنية. ما تعليقك؟

تشكل أربعة إطر أدور فيها، من بينها علاقة المرأة بالورد وكيفية صياغتها، كذلك علاقتها بالحيوانات الأليفة (القطة) والاستعاضة عن الوحدة وغياب الرجل بها، بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية وعلاقة البشر بالقارب. قدمت خمس لوحات أخرى عن آدم وحواء، والعلاقة الثنائية التي ما زالت في داخلي. أشير هنا إلى أنني لا أرسم «اسكتشاً» تحضيرياً للأعمال لأن الموضوعات مختمرة في داخلي، من ثم أبدأ بما يُسمى «تفعيل خرائط الخيال» وأخرج الموضوعات.

لماذا تغلب على الأعمال التصويرية الألوان الهادئة؟

ليس ثمة فنان يختار «البالته» التي يعمل بها، بل الحالة هي التي تفرض اللون.

ثنائية وتصنيفات

تشغلك ثنائية الكون إلى حد كبير وتجلت بصور مختلفة في تجاربك الفنية الأخيرة. ما السبب؟

تشغلني هذه الثنائية منذ أكثر من عشر سنوات بالفطرة، فكرة السالب والموجود. يؤرقنا موضوع احتياج الآخر طوال الوقت. لا أستطيع أن أعيش من دون أنثى أو التفكير بها أياً كان مستوى التفكير أو حالة الاحتياج. في النهاية الحياة آدم وحواء. شخصياً، ترتبط مشاعري كافة بحواء.

المشاعر الحقيقية التي تدفع إلى الإبداع تذهب دائماً من آدم إلى حواء أو العكس، فالكون بمحركاته وانفعالاته يتحقق من خلالهما. لم أختر ذلك ولكن الحياة هي التي أجبرتني على التعامل مع هذه الثنائية بهذا الشكل. في هذا السياق، وجدت فنانين كثيرين عملوا على فكرة الطائر والحيوان كعنصر تشكيلي في النحت كثيراً، ولكن التماثيل الثنائية في مصر تكاد تكون غير موجودة، لذا حاولت الإمساك بخيط مهم هو «التماثيل الثنائية»، ووجدت أن آدم وحواء أعظم أمر يمكن أن نستخرج منه عملاً فنياً، فقدمت تشكيلاً متبايناً على اعتبار أن الحالة مختمرة داخلي، وحدث تنوع في التناول. وأنا سعيد بأنني أنتج أعمالاً عدة مختلفة في الصيغة والتفاصيل.

هل يمكن للفكرة أن تحدّد خامتك التي ستستخدمها أم أن الخامة هي ما يفرض الفكرة؟

من الصعب أن تفرض الخامة الفكرة، لأنها في النهاية وسيط. يمكن أن أقدم التمثال نفسه بالورق أو غيره من مادة. لدى الناس تقييم خاطئ للخامة، فيضعونها في إطار أكبر مما يستدعيه الموضوع. والخامة إن أخذت درجات في تقييم العمل الفني، يكون ذلك على أساس أنها وسيط فحسب. من ثم، لا يجب أن يجعلها الفنان حاجزاً بينه وبين العمل، فضلاً عن أن محصلته الثقافية وفلسفته ورؤيته وأفكاره هي الأساس في العمل الفني وليس الخامة. ربما تخطر في باله فكرة طارئة فيما لا يتوافر لديه سوى الجبس، فيُخرجها على هذه المادة. أشير هنا إلى أن الفنان آدم حنين اشتغل على معرض كامل من الجبس كي يوصل للناس فكرة أن الفن ليس خامة.

هل تنتمي إلى مدرسة أو اتجاه فني معين، وهل تؤمن بالتصنيفات؟

كانت التصنيفات مهمة في إحدى الفترات، لأن حركة تاريخ الفن الحديث مرت بمراحل، وكل منها حاول الناس وضع تصنيف لها، ما سهّل على دارسي الفن. ولكن اليوم، نشهد تزاوجاً وتداخلاً بين التصنيفات، ما بين التجريدية التعبيرية أو السريالية الانطباعية. لم أعد أقف عند فكرة التصنيف بقدر ما أقدم للناس حالة تنتمي إلى هذه التصنيفات كلها. في النهاية، يقدّم الفنان إحساسه ورؤيته التشكيلية وانطباعاته ودراساته ومتابعاته لما هو موجود في الحركة التشكيلية داخل مصر وخارجها، ربما لأن داخل فكرة الكتابة تجدين فكرة التجريدية التعبيرية والهندسية في أعمالي.

إبداع... وأكاديمية

على ذكر الكتابة التي تمارسها، استوحى بعض الفنانين أعمالهم من نصوص إبداعية. ماذا عنك؟

لديَّ عمل نحتي لم يُطرح بعد استوحيته من «ألف ليلة وليلة»، عبارة عن جني استخلص لنفسه أنسية يحبها، هي كل فترة تريد الهروب منه فيتركها تجول في بلدان عدة ثم يمد يده ويستعيدها. حاولت أن أصل إلى هذه الحالة من خلال آدم وحواء. لذلك أرى أن تداخل الفنون أمر مهم، ومن المفترض أن ينعكس في أعمال الأديب، فمن الضرورة أن يستمع للموسيقى ويتابع المسرح ويقرأ، كذلك الأمر بالنسبة إلى الفنان التشكيلي. في النهاية للعاملين البصري والسمعي دور مهم في شتى الفنون. بالنسبة إلي، لم أختر ممارسة كتابة القصة القصيرة أو الرواية، بل جاءت المسألة داخلي بدفع ذاتي تجاه الموضوع، وأعتقد أن الفنان التشكيلي في داخله شيء مثل فيروس أو داء مزمن تجاه أن يعرف وينهل ويثقف نفسه ويحاول أن يكون مختلفاً.

ما الجديد لديك؟

أحضر لمعرض نحت وتصوير حول «اضطراب الشخصية المتعدد». في هذه الفترة أحاول الاستفادة من علم النفس في أعمالي.

سذاجة الفنان تثري اللوحة والعمل ينادي خامته

تشغلني علاقات المرأة بالورد والقطة والوحدة
back to top