لماذا نخاف من التشبّه بأمهاتنا؟

نشر في 17-09-2016
آخر تحديث 17-09-2016 | 00:00
No Image Caption
ما كان يبهرنا في أيام الطفولة بات يخيفنا اليوم! بعدما كنا نعتبر أمنا قدوة مثالية، لماذا نخشى فجأةً أن نشبهها؟ لا يمكن أن نتخلى عن أمنا لكن قد يصبح التعامل معها صعباً أحياناً أو مدمّراً. سواء كانت حاضرة أو غائبة أو هشة أو قاسية أو غير مدرِكة لتوقعاتها المفرطة، لا شك في أنها تحدد معالم شخصيتنا وتؤثر في طريقة عيشنا.
بين الأم وابنتها، يسود شكل من العنف المرعب لكن يتجاهله الكثيرون. يؤثر ذلك العنف على طبيعة الروابط بين الطرفين ومصيرها، كما أنه يغزو العالم العاطفي لجميع النساء ويترجِم السلطة التي تفرضها كل أم على ابنتها: ينعكس هذا الوضع على علاقاتها بزوجها وأولادها ويلقي بثقله على تاريخها كله. يحمل حب الأم

بعض الجوانب السلبية حين تحاول هذه الأخيرة أن تنشئ نسخة مطابقة لها أو تستعمل أسلوب العنف والضغط مع ابنتها فتمنعها بذلك من العيش على طريقتها.

بين التقارب والتباعد

منذ الولادة تقيم المرأة رابطاً مع والدتها وقد يجعلها أحياناً سجينة مصيرٍ لا يخصّها. قد تشعر بالاكتئاب أو الانزعاج من دون سبب واضح وتحاول سدىً البحث عن طريقٍ يسمح لها بعيش حياتها وتطوير قدراتها الإبداعية ورسم تاريخها بنفسها. يقترح الخبراء على المرأة التي تعيش هذه الحالة أن تغوص في أعماق اللاوعي المرتبط بالعلاقة القائمة مع أمها وتتبنى وسائل تمنعها من التخلي عن هويتها الحقيقية. يجب أن تفهم كل امرأة مدى تعقيد الروابط التي تجمع بين الأم وأولادها.

في مرحلة معينة من الحياة، تشعر الأم وابنتها بضرورة اكتشاف طبيعة العلاقة القائمة بينهما وحقيقة التقارب والتباعد في تلك العلاقة. يطرح هذا البحث الذي يغوص في عمق شخصية المرأتين أسئلة عن أنوثتهما ويستهدف صلب هويتهما. بين الأم وابنتها ثمة جانب غامض يرتبط بالحياة الجنسية الأنثوية. تبقى هذه العلاقة حساسة ومؤلمة لكنها واعدة وضرورية. قد تتطلع الابنة إلى أمها أو تبحث عن امرأة أخرى لإيجاد المعايير التي تنتظرها، وقد تعيش علاقة موجعة مع أمها أو تشعر بفرط حبها أو لامبالاتها ويصيبها الفضول بشأن علاقاتها وسلوكياتها.

تعارف متبادل

تتّسم العلاقة الانعكاسية بين الأم وابنتها بالألم والتهديدات، وقد تشعر كل واحدة منهما بأنها تفتقر إلى الحب وتريد أن تعرف خبايا المرأة الأخرى. لكن لا يكون هذا التعارف المتبادل متماثلاً لأن الأم تبدي استعدادها لحماية ابنتها ومساعدتها على الانفصال عنها كي تكشف لها طريقها الخاص. كي تصبح الفتاة امرأة حقيقية، يجب أن تبتعد عن والدتها. يحصل هذا التباعد بطريقة ملموسة في مرحلة المراهقة. للتعرف على الهوية الشخصية، يجب أن تستعمل الابنة استراتيجيات تهدف إلى التميز عن الأم والاختلاف عنها بالملابس وتسريحة الشعر ومختلف المظاهر الخارجية. كلما كان التماهي بين الطرفين قوياً، تزداد صعوبة الانفصال. تعيش الابنة هذه المرحلة أحياناً عن طريق العنف لأنها تعجز عن تحقيق هدفها بطريقة أخرى ويكون هذا المسار مصيرياً في حياتها. قد يكون الاختلاف عن الأم عنيفاً بقدر الشغف الذي يطبع هذه العلاقة.

خوف من انتهاء الحياة

يكون ذلك العنف السبب في شعور الرفض الذي يمكن أن تبديه الابنة تجاه أمها حين تتقدم في السن، فتخشى أن تشبهها أو تصبح نسخة منها. يعكس خوفنا من أن نشبه أهالينا أو نرتكب الأخطاء نفسها غياب المسافة بين الطرفين. يتعلق هذا الخوف في المقام الأول بالشيخوخة. في مجتمعاتنا المعاصرة التي تنفر من مظاهر الشيخوخة، يصعب أن نتقبّل فكرة أن نصبح يوماً بعمر أهالينا. لكننا ندرك هذه الحقيقة الصعبة بفضل الشبه الخارجي والنقاط المشتركة معهم. نخاف من الشيخوخة بقدر ما نخشى الموت لأننا نبقى أبناء أمهاتنا طوال حياتنا حتى لو بلغنا عمراً متقدماً.

أخيراً، تعني ملاحظة الشبه مع أمهاتنا التخلي عن تميّزنا ونقاط اختلافنا والشخصية الاستثنائية التي نحاول إثباتها بكل قوة منذ مرحلة المراهقة. إذا شعرنا أحياناً بشيءٍ من الخجل أو الذنب بسبب هذا الخوف من أن نشبه أمنا، يجب أن نتجاوز هذا الشعور سريعاً لأنه لا يثبت عدم حبنا لها بل يرمز إلى فترة انتقالية مؤثرة في حياتنا. في مرحلة لاحقة، ستحمل ابنتنا هذه المشاعر المتناقضة تجاهنا وتبدأ الدوامة نفسها...

back to top