صلاح المر: التشكيل السوداني زاخر بالحنين

معرضه الأخير {آخر الطقوس المحلية}

نشر في 16-09-2016
آخر تحديث 16-09-2016 | 00:00
يعيش التشكيلي السوداني المقيم في القاهرة صلاح المر حالة بحث وتجريب دائمة، وهو ما تعكسه تجاربه الفنية الأخيرة التي تجلى أحدثها في معرضه {آخر الطقوس المحلية}، حيث يعتمد على اجترار الذكريات في نوع من الحنين إلى الماضي. حول معرضه وأعماله الفنية دار معه الحوار التالي:
جاء معرضك الأخير بعنوان {آخر الطقوس المحلية}. ما هي أبرز الطقوس التي تسعى إلى إبرازها في لوحاتك؟

يتعلّق الأمر بذكرياتي، من بينها صيد السمك، إذ ارتبط جانب كبير من عائلتي قديماً بحرفتي الزراعة والصيد، كوننا نقيم على شاطئ النيل جنوب الخرطوم. ولأن الحرف القديمة بدأت تتلاشى وتتقلص، أستخرج الرسوم من ذاكرتي.

تغلب الألوان اللافتة في لوحاتك، هل يعُزى ذلك إلى البيئة السودانية وطبيعتها الحارة؟

لا أعتقد ذلك. أنا متهم بأن ألواني عتيقة، فعندما استخدم الأحمر مثلاً لا أجعله صريحاً. الألوان لدي مخدومة، أمزجها ببعضها بعضاً لتقدم الحالة التي أريدها.

لديك رصيد كبير من الأعمال حول السباحة؟

أعيش على النيل الأزرق في السودان، من ثم تعدّ السباحة أمراً ضرورياً في عائلتي. من هنا، لا يمكن أن تسقط الذكريات المرتبطة بهذه الهواية، وقدمت لوحة في معرضي الآخير بعنوان {المستحميات}.

رغم أن أعمال الفنانين السودانيين تحمل نوعاً من البهجة فإن لوحاتك تحمل نوعاً من الحزن.

رغم أنني أحاول التعبير عن أحداث مبهجة فإنها تخرج بشكل حزين. يبدو أن الحزن يسكن داخلي فيظهر بشكل أو بآخر في العمل الفني.

إلى أي مدى يشغلك البحث والتجريب على مستوى الرؤية، إذ عكست أعمالك الأخيرة اهتمامك بهذا الجانب؟

أنا في حالة بحث دائم. يتكوّن مخزون الفرد من علاقاته مع الناس ومشاهدته الفن العالمي والفن الفطري وسماعه الموسيقى، أو حتى من حديث عابر في مكان ما. تعزز هذه الأمور بحثي وعملي بشكل واضح.

تعنون لوحاتك، ألا تضع بذلك قيوداً تحد من حرية المتلقي في قراءة العمل الفني؟

أعنون اللوحات مثلما نطلق أسماءً على أبنائنا، وفي النهاية يفيد الأمر في الفرز والتعريف بالأعمال. كذلك أنطلق في رسم اللوحة من مخزون أدبي، ليس بمعنى قصة ولكن موضوع ما. على سبيل المثال، إذا رسمت امرأة وحمامة أكون قد تحركت من مصدر رأيته وتأثرت به بشكل أدبي، من ثم أقدمه بصورة فنية. عموماً، لا علاقة للاسم بالمتلقي ولكنه يخصني أنا، حتى إذا كان يتدخل في تفسيره العمل الفني، أعتقد أنه بذلك يشكل جانباً إيجابياً.

لكل بلد خصوصية في الفن، ما رؤيتك لأبرز خصوصيات الفن السوداني؟

يتميز الفن السوداني بملامح وجوانب مشتركة لها علاقة بالبيئة السودانية، والأزياء والموسيقى والحياة. ولأن الشمس ساطعة في السودان تتجلى الألوان في فنونه. عموماً، لا نرى لوناً واضحاً إلا إذا أردنا التخلص من حالة اللون الصريح، لكن في النهاية الثمرة واحدة، فضلاً عن أن لكل فنان خصوصية بمفرده. عموماً، يعيش الفن التشكيلي السوداني انتعاشة حقيقية في الفترة الراهنة، إذ يزور فنانوه مختلف البلاد ويشاركون في الفعاليات.

تصميم الكتب والنشر

تعمل في مجال تصميم أغلفة الكتب، ما هي الشروط التي يجب توافرها في مصمم الأغلفة؟

أعمل مصمم غرافيتي، أصمم مطبوعات وأغلفة وإعلانات. أمارس ذلك في حالة منسحبة من عمل اللوحات، وأرى أنه يجب على مصمم الكتب أن يقرأ النص للإمساك بفكرة من خلالها يستطيع إنجاز الغلاف، خصوصاً الرواية والشعر، لأن الكتب العلمية والمدرسية تكون واضحة على عكس الكتب الأدبية. ويأخذ الغلاف مراحل متعددة بسبب تجريب المصمم نوع الخط والزخرفة أو الرسم، وفي النهاية يصل إلى صيغة مناسبة للغلاف.

لديك دار نشر {تيبار} لكتب الأطفال. لماذا اقتحمت هذا المجال؟

هي دار أنشأتها لسبب بسيط: لأني أرسم كتب أطفال. لا تفضل دور النشر المجازفة بنشر رسومات مختلفة، لذا أنشأت الدار مع زوجتي التشكيلية المصرية سعاد عبد الرسول بهدف نشر الرسوم غير التقليدية، بمعنى ألا نقدم رسوماً مقلدة لرسوم أخرى في الغرب، بل رسوماً نابعة من بيئتنا تشبه ثقافتنا وحياتنا الفطرية وموسيقانا وتنعكس بأسلوب يخصنا في المرسم، نقرب من خلالها الطفل من مجتمعاتنا وثقافتنا. عانينا إيجاد دار لنشر كتبنا في العالم العربي، على عكس دور النشر الغربية التي رحبت بهذه الرسومات، ونشرت 26 كتاباً في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

يواجه مجال النشر تحدياً، خصوصاً مع الطفل المرتبط بالوسائط الجديدة. كيف تتغلب على هذه الإشكالية؟

يعاني الكتاب الورقي تحدياً كبيراً اليوم، لا سيما مع انتشار الإنترنت. ولكن لا بديل عن المتعة التي يضعها فينا، إذ يخاطب حواسنا مثل اللمس والشم والبصر. مثلاً في أوروبا يشتري الأطفال الكتاب الورقي من دون الالتفات إلى الإلكتروني. ولكننا هنا لا نحفز طفلنا على الاهتمام بهذا المنتج.

هل تنتمي إلى اتجاه فني معين، وهل تؤمن بالتصنيفات؟

اختلف الفن اليوم عما كان عليه سابقاً. كان يشهد تصنيفاً مادياً وتُطلق على كل مجموعة صفات معينة، لكن راهناً اختلطت الأمور، إذ يمكن أن نرى في اللوحة الواحدة صفات لمدارس عدة. لذا أصبح تصنيف الفن {التجريد}، كما وجدت مدارس آخرى بخطاب مختلف. والفن التشكيلي في النهاية يخاطب العين. بالنسبة إلى أعمالي، يمكن تصنيفها في الاتجاه التجريدي التشخيصي.

الفن الفطري

تخرج صلاح المر في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية عام {1989} ، وعمل فور تخرجه في {السودان اليوم}، وهي مجلة شهرية تصدر في السودان باللغة الإنكليزية، وكانت تصدر عنها أيضاً جريدة يومية بعنوان {نيو هوريزون}، فكان الفنان يعمل كمصمم غرافيتي في المجلة ورسام كاريكاتير في الجريدة.

شارك صلاح المر في عدد من المعارض الفنية داخل السودان وخارجه، وعرض أعماله في بينالي الشارقة للفنون. يرى أنه يتعلم من أعمال الآخرين بغض النظر عن صغر أعمارهم أو كبرها، ويحب أعمالاً لسودانيين من بينهم حسين جمعان وإبراهيم الصدفي وكمالا إبراهيم، ومن الفنانين المصريين جورج البهجوري وحامد ندا وعبد الهادي الجزار وسعيد العدوي، ومن المعاصرين عادل السيوي وفتحي عفيفي. أما بالنسبة إلى الأوروبيين فيقول: «مغرم بأعمال بول كيلي، والفن الكلاسيكي الفطري».

ألواني عتيقة وأحيا في حالة بحث وتجريب دائمين
back to top