وقف إطلاق النار السوري... حصان طروادة آخر من ابتكار بوتين

نشر في 15-09-2016
آخر تحديث 15-09-2016 | 00:10
 ناشيونال ريفيو قبِلَ أوباما حصان طروادة آخر من بوتين، مضيفاً إياه إلى مجموعته: وقف إطلاق النار السوري.

في الظاهر، يقدّم وقف إطلاق النار هذا الأمل، ويعكس رأي بوتين المزعوم عن أن معاناة المدنيين في حلب ما عادت تُحتمل، وإن صمد وقف إطلاق النار هذا فستعمد روسيا بعد أسبوع من اليوم إلى التنسيق مع الولايات المتحدة بهدف القضاء على تنظمَي "داعش" و"القاعدة"، ولكن كما تعلمنا من الكتب القديمة وخطوط أوباما الحمراء، تبقى المظاهر خداعة.

تشكّل هذه الخطوة حلقة جديدة من لعبة التلاعب الطويلة الأمد التي يطبقها بوتين، فعندما أطلق الرئيس الروسي عملياته العسكرية في سورية السنة الماضية، توقعتُ "هجوماً كبيراً في الشمال باتجاه محافظة إدلب بغية الاستيلاء على المناطق التي يحتلها الثوار على طول الطريق السريع م5 الذي يربط حمص بمدينة حلب الشمالية". وهذا ما حدث بالفعل، لكن فهم استراتيجية قوات المحور لا يتطلب معلومات استخباراتية بالغة السرية، يكفي أن تحمل خريطة بين يديك، فلا عجب في أن قوات المحور تصب جام غضبها على محافظة إدلب، فهي تسعى إلى ترسيخ سيطرة الأسد على شرق سورية بالتخلص من الثوار السنّة، إلا أن المجموعات الثورية في إدلب نجحت في الصمود حتى اليوم، ولكن مع وقف إطلاق النار، تتوقف أيضاً هجمات الثوار ضد قوات الأسد، مما يساهم في تعزيز موقف قوات المحور.

نتوقع في الأيام المقبلة بروز أدلة جديدة تؤكد أن وقف إطلاق النار ما هو إلا حصان طروادة، فقد حذّرت الولايات المتحدة حلفاءها الثوار من "عواقب وخيمة" في حال استمروا في التعاون مع جبهة فتح الشام، لكن الثوار المعتدلين يُضطرون أحياناً إلى التعاون إلى حد ما مع هذه المجموعة عند تقارب مصالحهم، ولا شك أن تعاونهم هذا يعكس الكره الذي تكنه المجموعات المختلفة، سواء كانت سلفية متطرفة أو قومية إسلامية، لبشار الأسد الذي يشكّل مصدر الصراع الفعلي، لكن تحذير الولايات المتحدة يعني أن الثوار المعتدلين يواجهون معضلة معقدة، فإن تخلوا عن العمليات التي تجمعهم أحياناً بجبهة فتح الشام، يُرغمون على التضحية بمكاسب حققوها ضد الأسد. في المقابل إن واصلوا تعاونهم المحدود معها، فعليهم أن يتوقعوا ضربات جوية روسية عنيفة في ظل غياب الحماية الأميركية. هنا يكمن سر نجاح خطة بوتين: بعد أن يتفاعل أوباما والاتحاد الأوروبي بإيجابية مع السلام المزعوم، تستخدم روسيا قوة جوية هائلة لقصف المجموعات الثورية المعتدلة، ولتبرر هذه العمليات تدعي أنها تستهدف جبهة فتح الشام، مع أن هذه مجرد حجة مخادعة. إذاً سيكون وقف إطلاق النار هذا أحادي الجانب، وعندما تتضح الحقيقة يكون الأوان قد فات، لأن مجموعات الثوار المعتدلة ستكون قد تزعزعت، فضلاً عن أن روسيا ستسدد ضربة قوية أخرى لمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. تذكروا: يشكّل تقويض مصداقيتنا أحد الأهداف الرئيسة في استراتيجية بوتين الشاملة الرامية إلى زعزعة النفوذ الأميركي حول العالم.

من المؤكد أن كل مَن يعتبر وقف إطلاق النار هذا انتصاراً للحركة الإنسانية سيُصاب قريباً بخيبة أمل. يستخدم بوتين معاناة المدنيين كأداة قوة، فعلى غرار الصبي الصغير في حلب، يشكّل الأبرياء الذين يذهبون ضحية اعتداءات غاز الكلور، والتجويع، والبراميل المتفجرة وسيلة تستخدمها روسيا للضغط على الغرب كي يستسلم ويقبل بالأسد كحاكم دائم، وانطلاقاً من قول ماو عن أن القوة السياسية تنبع من فوهة البندقية، يستغل بوتين مذابح المدنيين في سورية ليعزز نفوذه الدبلوماسي، ويحقق في ذلك نجاحاً كبيراً، فلا يملك الرئيس الروسي أي مصلحة استراتيجية تدفعه إلى المساهمة في تحسين وضع المدنيين في سورية، ولن تصمد هذه الصفقة لأنه لا يريدها أن تصمد في النهاية.

أتمنى لو أن وقف إطلاق النار يخدم مصالح الولايات المتحدة والشعب السوري، لكنه ليس كذلك، قد يُنقذ وقف إطلاق النار هذا بعض الأرواح في الأسبوع المقبل، ولكن بتقوية الأسد في مواجهته أعداءه من مجموعات الثوار العنيدة التي لا ترحم ولا تستسلم، لن تحقق هذه الصفقة أي هدف غير توسيع رقعة المعاناة وتعميقها، فلا سبيل إلى إنهاء الحرب غير رحيل الأسد.

* توم روغان

back to top