الداعية «غولن» يفضح أعوان الشيطان
تساءل بعض أتباع الداعية فتح الله غولن عن موجات الشك التي تمر بهم وتعذب ضميرهم الديني، وطلبوا من مرشدهم أن يعطيهم علاجا ناجعا يكون سندا لهم على الطريق القويم: "عندما نكون منفردين مع أنفسنا يلقي الشيطان في قلوبنا كثيرا من الشبهات والشكوك، وتصبح إرادتنا ألعوبة في يد مشاعرنا حتى نحسّ أن صبرنا ينفد ضد المعاصي... فبماذا توصوننا؟ (أسئلة العصر المحيرة، ص271). وكانت إجابة المرشد دعوة إلى تقوية الإرادة وتشديد العزم والابتعاد عن حبائل الشيطان: "أولا يجب أن نستعيذ بالله من دسائس الشيطان وفتنه، وضد قيامه بتزيين الشرور، ونضع جباهنا على الأرض لنكسر غرورنا". ويضيف الداعية غولن: "إن القول بأن الشيطان يتسلط علينا عندما نكون وحدنا هو تعبير عن الحقيقة، فالشيطان يتعرض أكثر ما يتعرض للأشخاص العاطلين الذين لا يقومون بأي نشاط ديني ولا يحملون همّ الدعوة إلى الله، وما دام الشيطان يستفيد في الأكثر من عطلنا وفراغنا، إذاً فعلينا أن نشغل دائما أنفسنا بمشاغل الخير، ولن يستطيع الشيطان فرض نفسه ووسوسته على شخص اتخذ الدعوة ونصرة الدين المبين غاية وهدفا له، ولن تستطيع يد الشيطان أن تمتد إلى قلب مطمئن وعامر بإيمان يقيني".وأشاد "غولن" بالاستماع إلى "النصائح التي ترقق القلب"، وبخاصة الوعاظ الباكين المبكين: "فالإمام الرازي الذي أتقن الفلسفة وعلم الكلام وبرز فيهما كان عندما يعظ على المنبر يعتريه البكاء، فلا يفهم السامعون بعض ما يقوله؛ لذا نعدّ نحن جماعة سيئة الحظ لأننا حرمنا من أمثال هؤلاء الوعاظ".وتعاني "جماعة الخدمة" أو حركة غولن من أتباع فقدوا حماسهم وابتعدوا عن الدعوة، وهذه ظاهرة معروفة في كل الحركات الإسلامية، حيث يسميها فتحي يكن السقوط من قطار الدعوة، يقول الداعية غولن: "قد يبتعد عنا أحد إخواننا بسبب الخوف أو بسبب الرغبة في منصب، لمثل هذا الشخص نستطيع أن نذكر بأننا نتفهم دواعيه وأنه أراد الحيطة، ونعم ما فعل، ولكننا لا نستطيع مجاراته في هذا. وهكذا فإننا لا نسد المنافذ معه، فقد تتجدد علاقاتنا معه بعد سنوات، وقد يفهم الحقيقة فيما بعد ويرجع إلينا، فإن اعترف بأنه كان على خطأ وأننا كنا على صواب، عندئذ نقول له: أنت محق الآن أيضا.ثم يجب علينا ألا ننسى أن الشخص الذي يغتاب إنسانا آخر يفقد ثقة المستمعين له، والجماعة التي تهتز فيها الثقة بين أفرادها لن تستطيع أبدا حمل أمانة الحق الثقيلة.ثم قد يوجد أشخاص لهم علاقات مع ذلك الشخص الذي تتم غيبته كوجود قرابة أو مودة أو فكر مشترك، عند ذلك تثير هذه الغيبة حساسية لدى هؤلاء، وقد يقوم هو بالإساءة إلينا باغتيابنا، ولكن علينا ألا نقابله بالمثل، إذ يجب أن نكون بعيدين جدا عن الانتقام لكرامتنا الشخصية، أو نتورط في مسائل شخصية، يجب أن نفدي كل شيء في سبيل دعوتنا السامية". (ص180).الكثير من هذا الفتور والانحراف بين الدعاة، كما بيّن الداعية، ينجم عن الدعاية المضادة التي تتولاها الجهات المعادية، فمنذ عهد آدم، عليه السلام، حتى اليوم، يضيف غولن، اختار الكفر طريق التخريب والهدم، واختار أصحاب الإيمان طريق البناء والتعمير، واليوم يجري الشيء نفسه". (ص183). ولا أعرف على وجه الدقة رأي الرئيس إردوغان في كلام غولن هذا بعد انقلاب 15 يوليو 2016، وبعد الاتهامات التي وجهها إلى "الداعية غولن"، بالتآمر والفساد والتخريب وغيره، رغم أن الرئيس التركي لا يمكن اعتباره من الذين "اختاروا طريق التخريب والكفر والهدم"، بل لا يعدُّ معاديا للإسلاميين في تركيا خاصة، وبالذات مواعظ غولن!في المقال نفسه أو الخطبة، التي هاجم فيها تخريب الكفار للدعوة، أعلن غولن سعادته لنجاح دعوته واتساع حركته وتنامي جمهوره، يقول: "لقد بدأت الإنسانية تذوب أمام الدين كذوبان الثلج أمام أشعة الشمس. وبدأت جبهة الكفر تفقد مواقعها في الأماكن المرتفعة وتنحدر إلى أسفل، أما جبهتنا وصفّنا فهو يتسلق بسرعة إلى الأعلى. وفي ربع القرن القادم ستتغير أمور كثيرة وسيأخذ العالم الإسلامي موقعه اللائق به بين الأمم. لقد بدأ الكفر بفقد مواقعه وسيطرته، وبدأنا نحن بتنظيم صفوفنا وبأخذ المبادرة". (ص185).ونظرة غولن للأوضاع، كما قلنا مرارا عن تحليل الإسلاميين، نظرة سطحية خاطئة وفكر ساذج للغاية في القرن الحادي والعشرين، إذ الصراعات العالمية ليس محورها الكفر والإيمان ولا مرتكزها الإسلام واليهودية والمسيحية، فمعظم الصراعات الرئيسة طوال القرن العشرين، وربما لا تزال، بين البلدان المتقدمة نفسها، وهي إما مسيحية أو بوذية أو كونفوشية أو غير ذلك، ولم يعد الدين يسيّر سياسة الولايات المتحدة أو أوروبا أو روسيا أو دول العالم الثالث. والكثير من المسلمين يستميتون اليوم في سبيل الهجرة بمن فيهم الكثير من الأتراك، إلى دول "جبهة الكفر" كما يسميها الداعية "غولن" والدعاة الإسلاميون الآخرون، كما لا يزال إنتاج الغرب ومحاصيل الغرب الغذائية وأدوية الغرب ومساعدات الغرب ومخترغات الغرب وغير ذلك، هي محور وجود الشعوب الإسلامية نفسها، فكم كان عدد المسلمين اليوم لولا التطعيم ضد الأوبئة المختلفة، ولولا تقدم الأدوية والعلاج، ولولا المساعدات الغذائية في بعض الأحيان؟ فمتى يقول المسلمون للآخرين شكرا، بدلا من تكفيرهم وتفجيرهم، كما يتلاعب وعاظ التشدد وشيوخه بعقولهم؟ تأمل حياة المسلمين المعاصرة تظهر بعض الحقائق المهمة:إن ممارسة معظم العبادات الإسلامية ستكون صعبة وشاقة بدون الاستفادة من تسهيلات ومخترعات الغرب، فانظر مثلا إلى فريضة الحج، حيث يتوافد ألوف الحجاج جوا بالطائرات وبحرا بالبواخر وبرا بالسيارات، قادمين إلى مكة والمدينة، حيث يسّرت لهم وسائل التبريد والمواصلات والتطعيم والوقاية الصحية والتلفونات النقالة والإنترنت وعشرات الاختراعات الأخرى حجا مريحا، وفّر على المسلمين مشقات لا حصر لها، نقرأ عنها في كتب الأقدمين وعايش بعضها الآباء والأجداد منذ نصف قرن أو أقل!أو انظر إلى الصلاة، وبخاصة صلاة الجماعة في المساجد في دولة شديدة الحرارة صيفا كالكويت، وشديدة البرودة في دول مثل تركيا وشمال إيران وكازاخستان، فنجد أن التبريد الآلي الجبار أو التدفئة المركزية وتسخين الماء للوضوء والميكروفونات والسماعات والسيارات ومواد التنظيف قد سهلت أداء هذه الفريضة بالنسبة إلى المسلمين، وكلها من مخترغات الغرب من مسيحيين ويهود وربما بوذيين أو غيرهم.ولكن أين من يتفهم هذا الواقع ويدرسه، أو يحاول مثلا تدعيم مكانة العلم والدراسات العلمية والتفكير العلمي، أو يدرك خطورة تنامي التيارات الدينية والمتعصبة التي تعزل في الغالب شباب العالم الإسلامي، حتى من يدرس منهم العلوم كالطب والهندسة والكمبيوتر والكيمياء، عن المساهمة في تطوير مجتمعات العالم الإسلامي، في الوقت الذي تفتح أمامهم مجالات الانخراط في الأحزاب الدينية والتنظيمات الإرهابية وتشويه صورة الطالب المسلم؟وهكذا فإن انجرار رجال الكثير من مجتمعات العالم الإسلامي ونسائها خلف الحركات الدينية وخطب قياداتها وعقلياتهم بمثابة كارثة فكرية وسياسية واجتماعية حقيقية من إندونيسيا إلى المغرب، ومن المغرب إلى أوروبا وإفريقيا وأميركا وأستراليا!وما يقوم به الداعية "فتح الله غولن"، مثل غيره من دعاة التبسيط وتشويه الحقائق، ما هو في الغالب إلا بث الكراهية لأهل الديانات الأخرى، ونشر المغالطات السياسية، وتشويه العقول والتوجهات، وهكذا نرى دولا مثل مصر وليبيا والمغرب وسورية ولبنان والعراق تعج بهذه الجماعات والأفكار والعقول المنغلقة، ونرى حتى الدول الإسلامية الآسيوية عاجزة عن منافسة اليابان وكوريا، وأي نمر أو قط آسيوي!إن الداعية "غولن" ومعظم الإسلاميين من عرب وأتراك وإيرانيين وباكستانيين وآسيويين وأفارقة لا يستوقفهم تخلف العالم الإسلامي وبؤسه، ومتوسط دخل سكانه الذي هو بالحضيض تقريبا مقارنة بالبلدان المتقدمة، فحتى دول العالم الإسلامي الثرية كالدول الخليجية وتركيا وإيران وغيرها، لا تزال في صادراتها شديدة الاعتماد على العالم الخارجي وبخاصة أوروبا وبلدان آسيا غير الإسلامية والولايات المتحدة، كما أن العالم الإسلامي لا يزال شديد الاعتماد على تصدير الخامات لا المنتجات الصناعية من سيارات وإلكترونيات وكيماويات وأدوية وسفن وطائرات، فأين كلام غولن وغيره عن واقع المسلمين؟ ولا يستوقف الإسلاميين كذلك أن تركيا نفسها ستنحدر اقتصاديا بشدة إن فقدت الأسواق والاستثمارات الأوروبية والغربية التي تسند تقدمها اليوم، ولا يستوقفهم كذلك عدم وجود دولة إسلامية واحدة تضاهي دول غرب أوروبا أو شرقي آسيا لها دور ما في الصناعة أو العلم أو الزراعة الحديثة أو المخترعات أو الجامعات المتقدمة أو غير ذلك.وبدلا من أن يبحث الإسلاميون علل هذا التخلف والعجز، نرى الدعاة مثل "غولن" بأفكارهم البدائية، يحيلون القضية إلى صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين، وبين الكفار والمؤمنين، أو نراهم يعزون كل مشاكل العرب والمسلمين التي يتسبب في تفاقهما غالبا العرب والمسلمون أنفسهم، إلى "مؤامرات" و"هجمات صليبية" أو "مخططات ماسونية"، وغير ذلك مما في جعبة بعض الدعاة، من أفكار غامضة وشعارات براقة تستقطب الأميين علما وسياسة!فيمكن القول صراحة إن الإسلاميين، من الدعاة البسطاء إلى كبار مفكريهم، يفتقرون بوضوح إلى فكر سياسي عصري قائم على الدراسة والإحصاءات والتحليل السليم، ولهذا سرعان ما ينزلق كتّابهم إلى التعميم السطحي، ووضع كل الأمم والشعوب والمصالح والصراعات في حرب ضروس بين جبهتي الكفر والإيمان، والرحمن والشيطان! فلا عجب أن نرى حركة بهذا الحجم في كل الدول العربية والإسلامية، يجمع مزاعم دعاتها ومفكريها التحليل نفسه، وأن نجد حركة بحجم الجماعات الإسلامية من المحيط إلى الخليج وداخل أوروبا وأميركا، عاجزة عن أن تساهم بفكر سياسي ثاقب وتحليل أصيل، حتى فيما يتعلق بالواقع العربي والإسلامي، دع عنك الوضع العالمي! ودع عنك الفكر والثقافة والفنون والآداب التي تحدثنا عنها مرارا!