علاقة الأم وابنتها... بين التماهي والمعارضة
تكثر أشكال الحب الذي يمكن أن نحمله لأمهاتنا. لكن لا تكون هذه العلاقة بسيطة بأي شكل، فقد ترتكز على التماهي أو المعارضة أو المنافسة.
لا تكتفي بدور الابنة!
بالنسبة إلى علماء النفس، يكون البحث عن الهوية الأنثوية أصعب من البحث عن الهوية الذكورية. تُعتبر الأم مصدراً قوياً للحياة وأول حب مطلق ومبني على التماهي بنظر الأولاد. يدرك الصبي الصغير أنه مختلف عن والدته لكنّ الفتاة تلاحظ أنها تشبه والدتها وتشعر سريعاً بأنها نسخة مصغّرة منها ويولّد هذا الوضع لديها صراعاً طويلاً على مر حياتها. كي تصبح الشابة امرأة متصالحة مع نفسها وتتجنب أن تحصر حياتها بدور الابنة، يمكن أن تطبّق استراتيجيات مختلفة، منها عقدة “أوديب” الشهيرة التي تقضي بمحاولة جذب الأب. تعكس هذه المقاربة رغبة في الاختلاف عن الأم وتترافق مع تداعيات كبرى سرعان ما تلقي بثقلها على علاقتهما طوال سنوات.
حين تكون الشراكة حقيقية
في بعض العلاقات التي تجمع الأم بابنتها، يكون الرابط واضحاً وطبيعياً. تعرف الفتاة أن أمها ستبقى إلى جانبها وتدرك كل واحدة منهما حجم الحب المتبادل بينهما. تحمل الابنة بشكل عام تقديراً شديداً لأمها حتى لو لم تؤيّد القيم نفسها. تُتَرجَم هذه الشراكة الصادقة اليوم بنقاشات جدية ومثمرة عن المخدرات والجنس والحمل والعمل والسياسة علماً أن هذه المواضيع كانت من المحرّمات في الماضي. لا تخلو هذه العلاقة من المشاكل طبعاً لكن لا تتعلق الخلافات بمسائل جوهرية. يمكن أن تتشاجر الأم وابنتها طوال الوقت ومع ذلك تتحدثان على الهاتف معاً لساعات!حين يبدأ الصراع
في مرحلة المراهقة تحديداً، يصبح الصراع سيّد الموقف. تكون هذه الفترة صعبة بشكل خاص: كي تصبح الفتاة امرأة حقيقية، يجب أن تبتعد عن أمها. في هذه الحالة يسمح الصراع للمراهِقة الشابة بالتخلي عن دور الابنة الصغيرة وإيجاد مكانتها الخاصة. لكن يصعب تجاوز هذه المرحلة! في حالات أخرى، تعاني الأم من متلازمة الشباب الأبدي، فتشعر بخطر حقيقي حين تسمح لابنتها بأن تصبح راشدة لأنها ستلاحظ حينها أنها تتقدم في السن. ستفضّل حتماً أن تبقى رفيقة لابنتها وتتصرف على هذا الأساس. يجب التكيّف مع هذه العلاقة بطريقة حذرة وسليمة تزامناً مع ترك مسافة معينة بين الطرفين.حين تصبح الأم كاتمة أسرار ابنتها
تخشى الأم في بعض الحالات أن تعيش ابنتها خارج كنفها فتفرط في حمايتها منذ الطفولة. قد تأتمنها على جميع أحزانها وأفراحها وتخبرها بتوقعاتها وخيباتها، لذا يصعب على الفتاة أن تميّز بين عواطفها ومشاعر أمها لأن علاقة التماهي تستمرّ بين الطرفين. نتيجةً لذلك، لا تتردد الابنة الشابة في ائتمان والدتها على جميع أسرارها فتقدّم لها هذه الأخيرة النصائح أو توجّهها بنفسها. حين تكون الابنة صديقة أمها، ستصبح سجينة لديها من دون أن تدرك ذلك لأن رابط التماهي يكون جزءاً من بنيتها العاطفية. ستعجز حينها عن إبعاد والدتها عن حياتها حتى لو تزوجت لأنها تدرك الألم الذي ستشعر به أمها ولن ترغب في أن تكون السبب في تعذيبها.تداعيات التقارب المفرط
قد يبدو التقارب بين الأم وابنتها صحياً لكنه يدفع الابنة إلى رفض أي علاقات عميقة أخرى. في هذه الحالة، لا يحتل الشريك إلا مرتبة ثانوية في حياة الفتاة. طالما يكون التوافق سائداً بين الأم وابنتها، يبقى الوضع هادئاً. لكن حين تدرك الشابة أنها لا تعيش الحياة التي تريدها وتميل إلى تفضيل حب الشريك على علاقتها بوالدتها، قد تتدهور العلاقة وتتخذ شكلاً عنيفاً. ستتخبّط الابنة بين الحب الذي تكنّه لوالدتها والكره الذي تحمله للمرأة التي تمنعها من عيش حياة مستقلة عنها فتجازف بعيش أزمة مراهقة لامتناهية.من التماهي إلى الاستغلال
لا تتوانى الأم أحياناً عن فرض سيطرتها على ابنتها، فتقدّم لها النصائح وتصدر الأحكام عليها وتنتقدها. حتى أنها قد تغذّي شعور الضعف لديها كي تتابع الاتكال عليها. قد تشعر الشابة بالذنب لأنها لا ترقى إلى مستوى والدتها ولا تسمح لنفسها بعيش حياة عاطفية ناجحة أو إثبات قدراتها المهنية. حين تتضرر العلاقة بين الطرفين ويصبح تحامل الأم على ابنتها ساماً، يجب ألا تتردد هذه الأخيرة في اللجوء إلى العلاج النفسي كي تنفصل رمزياً عن أمها المتسلّطة.دور الزوجة والأم
ينظر الكثيرون إلى الأم لتخيّل مستقبل ابنتها لكن تبقى المرأتان مختلفتين حتى لو تشابهتا خارجياً. قد تشعر الأم بأنها لا تزال امرأة ولا تحسّ بالأمومة الحقيقية بعد الولادة مباشرةً، لكن يجب أن تعيد التوازن إلى الوضع وتتصرف كأم مع ابنتها وامرأة مع زوجها، وإلا قد تمنع ابنتها من تطوير جانبها الأنثوي وتجعلها تشعر بالذنب تجاهها، أو قد تَصُدّ ابنتها للتركيز على زوجها وعملها وحياتها الاجتماعية وترفضها بعنف!السلوك المناسب مع الفتاة المراهِقة
لا مفر من وقوع خلافات بين المراهِقة وأمها كي تتمكن الابنة من بناء هويتها الخاصة. لذا يكون الصراع بين الأجيال طبيعياً إلا إذا أرادت الأم أن تكون ابنتها نسخة منها. تكتشف الابنة طريقة اكتساب النضج وكيفية بناء حياتها بفضل تلك الاضطرابات التي تخوضها في علاقتها مع أمها. لكنّ التهرب من الخلافات للحفاظ على الهدوء والسلام, وترك المراهِقة تعيش بكل حرية وتتجاوز الحدود يشير إلى أن الأم لا تؤدي دورها الصحيح. يجب أن تفرض الأم دوماً الحدود وتطالب ابنتها ببذل الجهود والتصرف باحترام حتى لو أدى موقفها إلى اشتداد الخلافات.لا تدرك الابنة في معظم الحالات أنها تخضع لسلطة والدتها التي يمكن أن تتحكم بخياراتها العاطفية والتعليمية وقد تتوهم أنها مجرّد ابنة مثالية لأمها العزيزة!