واجهوا المحن والمصاعب بنجاح وعزم!

نشر في 14-09-2016
آخر تحديث 14-09-2016 | 00:02
No Image Caption
هل من الممكن تخطي الأسوأ؟ وهل نستطيع أن نبدّل وجهة نظرنا من الأشياء والأحداث بغية بلوغ السعادة والتحلي بفكر هادئ وصافٍ عند مواجهة تحديات الحياة، حتى الأسوأ بينها، مثل وفاة قريب نحبه، والإصابة بمرض خطير أو إعاقة دائمة، وخسارة العمل، أو الإفلاس؟ إليكم بعض السبل لتحقيق هذا الهدف.
عندما نعيش صدمةً أو حدثاً مؤلماً جداً، نفقد توازننا في الحال. ولكن من حسن حظنا أن هذه الحالة لا تدوم طويلاً، بما أن ما نعانيه يدفعنا بشكل تلقائي ولا إرادي نحو التغيير. إلا أن هذا الأخير يعني التخلي عما نعرفه وتبديل نمط حياتنا. يعجز الإنسان عن تخطي هذه المرحلة الصعبة بمفرده، لذلك يحتاج إلى المساعدة من مصدر آخر. يعثر البعض على مساعدة مماثلة في الإيمان، في حين يلجأ البعض الآخر إلى العلاج النفسي. ولكن بغض النظر عن الوسيلة، يبقى الأهم أن يعيد الإنسان بناء نفسه كي يدفعه ميلُه الداخلي إلى الحياة إلى التغلب على ميله إلى الموت.

شهادات مذهلة

فقدَ فيليب كوازون أطرافه الأربعة في حادث منزلي، إلا أنه استعاد القدرة على المشي، القيادة، الاعتناء بعائلته، واجتياز بحر المانش سباحةً. توقف الطاهي مارك فيرات عن السعي وراء نجوم ميشلان، وأنشأ مؤسسة لمحاربة المأكولات المتدنية الجودة بعد تعرضه لحادث تزلج أرغمه على إقفال مطعمه وبيع كل ممتلكاته. وفي عملية انتحارية في حيفا، خسرت يائل أرمانيه حبيبها. تروي هذه الشابة مسيرتها الصعبة لتعيد بناء نفسها ولقاءها في جنين عائلة منفذ العملية الفلسطيني. على نحو مماثل، عاشت لوران نويل مرارة الإدمان، والدعارة قبل أن تعيد الإمساك بزمام حياتها وتصبح مناضلة ناشطة ومحترمة تحارب العنف. أما فيليب رامبو، فقرر مواجهة إفلاس شركته بشجاعة وعقد العزم على مساعدة مقاولين متعثرين على النهوض مجدداً.

أجرت الصحافية مايا لوبا في كتابها Nos vies à l’épreuve (“امتحان حياتنا”، دار نشر La Martinière، 2016) مقابلات مع كل هؤلاء الرجال والنساء، المشهورين منهم والمغمورين، لأنهم نجحوا في تخطي محن كان من الممكن أن تكسرهم وتحطمهم. فما السبل التي لجأوا إليها للخروج من محنهم هذه؟ من أين استمدوا القوة؟ وما الخطوات التي اتخذوها؟ يروي لنا هؤلاء المناضلون اللحظة التي انهار فيها كل شيء من حولهم (معرفتهم بإصابتهم بالمرض، موت شخص عزيز على قلبهم، صرفهم من العمل...) ثم خسارتهم توازنهم مع ابتعاد الأصدقاء وفقدان الحياة معناها. إلا أنهم لا يتوقفون عند ذلك، بل يواصلون إخبارنا عن نهوضهم البطيء بعد الانهيار، الأيدي التي مُدت لهم، بصيص الأمل، إدراكهم حالتهم، وأخيراً اللحظة التي نجحوا فيها في الوقوف على قدمَيهم وإعادة بناء نفسهم.

مساعدة علم النفس

من المستحيل أن نتناول هذا الموضوع من دون التطرق إلى مسألة المرونة. يشير هذا المصطلح أساساً إلى قدرة المواد على مقاومة الصدمات. ونُشرت الأعمال الأولى التي تطرقت إلى المرونة في علم النفس بين عامَي 1939 و1945. في تلك الفترة، عملت الباحثتان وعالمتا نفس الألمانيتان ويرنر وسميث في هاواي مع أولاد معرضين لمخاطر نفسية ومن المتوقع أن يُصابوا باضطرابات نفسية في المستقبل. فتتبعتا حالة هؤلاء الأولاد طوال 30 سنة، وأشارتا إلى أن عدداً منهم نجح في «الخروج» من حالته هذه بفضل مزاياه الشخصية والفرص التي أتاحتها له بيئته.

بعد ذلك، عرّف جون بولبي هذا المصطلح في كتاباته عن التعلق. أما في فرنسا، فكان بوريس سيرولنيك، خبير متخصص في علم الأخلاق، أول مَن طرح مفهوم المرونة في علم النفس انطلاقاً من مراقبته الناجين من معسكرات الاعتقال النازية، فضلاً عن مجموعات متنوعة من الأشخاص شملت أطفالاً غجراً من دور الأيتام وأطفال شوارع بوليفيين. استخلص هذا العالِم أن المرونة ترتبط بعدد من العمليات التي تعترض مسارات حياتنا السلبية. لذلك وصفها بـ «فن خوض السيول الجارفة». ولا شك في أننا سنُضطر جميعنا إلى الإعراب عنها في أحد الأيام لأنها ترتبط بنجاحنا في النهوض وتخطي محن الحياة.

أسرار المرونة

لمَ يعيش البعض حدثاً ما كما لو أنه صدمة حياتهم، في حين يعتبره البعض الآخر مجرد عقبة صغيرة؟ يعتمد الجواب على مفهوم «المرونة». في الولايات المتحدة (حيث يتبنى الناس عموماً نظرة أكثر تفاؤلاً ومرحاً إلى الحياة)، اعتُمد هذا المصطلح منذ زمن وبات شائع الاستعمال، إلا أنه لم يُطرح في أوروبا إلا أخيراً، كما لو أننا نفضل ثقافة التعاسة والمواقف السلبية.

ولكن ما هي المرونة؟ يجيب عالم النفس النرويجي جان-لوك رويلاند: «المرونة عملية شفاء ذاتي ومقاومة للأمراض، وخصوصاً الأمراض العقلية». ويوضح بوريس سيرولنيك الرائد في هذا المجال: «تشتق كلمة مرونة بالفرنسية من فعل لاتيني يعني «القفز مجدداً». ولا نقصد بذلك القفز في مكاننا كما لو أن شيئاً لم يتغير، بل القفز إلى الأمام قليلاً بغية مواصلة التقدم... وتشير المرونة أيضاً إلى عدم البقاء أسرى الماضي بل التحرر والانطلاق. بالإضافة إلى ذلك، لا دخل لهذه الصفة بأي مناعة وصلابة مزعومتين أو تفوق البعض. على العكس، ترتبط هذه الصفة بالقدرة على استئناف حياتنا البشرية رغم الجراح من دون التركيز على هذه الجراح والتوقف عندها».

ابدأ بالكلام

عندما تشعر أنك فقدت توازنك عقب وفاة شخص عزيز على قلبك، خوضك إجراءات طلاق مريرة، صرفك من العمل، أو مصادفتك أي خطب جلل آخر في الحياة، يمكنك اللجوء إلى عدد من الحلول التي تساعدك في استعادة طعم الحياة وإعادة بناء نفسك تدريجياً. لكن الحل الأول يبقى دوماً البدء بالكلام الذي يحررك.

للكلام وظائف عدة، فهو الوسيلة الأسهل للتواصل مع الآخرين.

ويتمتع الكلام بقدرات شتى، فمن الممكن استخدامه للبناء، التحرر، أو حتى الهدم والتحطيم.

لذلك ابدأ أولاً باثبات ذاتك باستخدام الكلمة «أنا». وعندما تعبّر عن ضمير المتكلم هذا بصوت عالٍ، يقودك تلقائياً إليك «أنت». ولا يمكنك أن تكتشف قدرة الإنسان الغامضة على العمل هذه إلا من خلال علاقتها بالفعل.

إذاً، من المهم في المقام الأول أن تتكلم.

تستطيع، مثلاً، التحدث إلى المحيطين بك، إلى مجموعة دعم، إلى طبيبك، إلى طبيب نفسي.

وبغض النظر عمن تختار، يبقى الأهم أن تتكلم لأن هذه الخطوة الأولى تساعدك في تحرير الميل إلى الحياة الكامن داخلك.

وبعد ذلك، بإمكان كل منا أن يبحث عن الحلول في الإيمان أو التحليل النفسي.

المعالجة بالتحليل النفسي

تقوم الوسيلة الرئيسة الأخرى لاستعادة التوازن في الحياة وبناء الذات على تحليل نفسي.

يأمل كل معالج نفسي التوصل إلى الحلقات المفقودة، إعادة بناء الذكريات المنسية، تصحيح الذكريات المركبة خطأ، والتوصل إلى ما يتبقى منها. إذاً، يقوم التحليل النفسي على بناء معنى والإتاحة له بالتجلي. يقول بروست: «لا تخشى أن تبوح بكل التفاصيل لأن الحقيقة تختبئ وراءها». ويشدّد فرويد: «قل كل ما يخطر في بالك»، بما أنّ التحليل النفسي يسعى لاكتشاف ما يميز كل شخص على حدة.

ولكن هل يبدد هذا التحليل الشعور بالنقص ويسد كل الرغبات؟ لا يعني العيش بسعادة العيش من دون معاناة: فتشمل حياة كل إنسان معاناة متأصلة فيها لا يمكن معالجتها أو استئصالها. تمثل هذه المعاناة جوهر الإنسان نفسه. لكن التحليل النفسي يتيح لنا تبديل موقفنا منها. فإن نجح المريض في تحديد مصدر معاناته، لا شك في أنه سيتمكن من التعايش معها بشكل أفضل.

إذاً، لا نشفى من القلق إلا حينما نتعلم التعايش معه من دون هواجس.

عندما ينجح التحليل النفسي، يسمح للمريض باكتساب خاصية نفسية جديدة: النظر إلى داخله ورؤية السبب المجهول وراء الصعوبات التي يواجهها. وهكذا يطوّر تدريجياً قدرةً على فهم ما يعتمل في نفسه وحدساً يتيح له التعاطي مع أزمة الوجود التي يمر بها.

بالإضافة إلى ذلك، عندما يعمّق الإنسان معرفته الذاتية ويتوصل إلى تقبل ذاته، ينمّي القدرة على اكتشاف الآخر وتقدير جمال الحياة، فضلاً عن الاستفادة من كل تفاصيل الوجود، الصغيرة منها كما الكبيرة.

نتيجة لذلك، يعتبر معالجون نفسيون كثر الشفاء فائدة إضافية. فالأهم في نظرهم الغوص في الجزء اللاواعي الذي يتحكم في الإنسان.

لكن هذا الغوص لا يحدث من خلال قفزة فكرية تنقل المريض من الجهل إلى المعرفة، بل بدفع شعور مؤلم ومجهول إلى الظهور مجدداً.

في معظم الحالات، يتوصل المريض إلى استعادة توازنه بتركيزه على جراحه، بغض النظر عن الطريقة التي يتبعها لتحقيق ذلك.

وسواء كنت تشعر بالغضب، الذل، الذنب، القلق، أو الحزن، لا بد من أن تعرف أن هذه المشاعر تجتاح الإنسان.

لذلك تجني فائدة كبيرة من التعبير عنها، رؤيتها، معرفة أخطائك، وتحديد الأذى الذي تعرضت له أو سببته للآخرين.

كذلك يجني المريض فائدة إضافية إن أقدم على هذه الخطوة ضمن مجموعة يشرف عليها معالج متخصص أو رجل دين متمرس. فلا يسعنا تقبّل ماضينا، تحديد أخطائنا بصدق ومساهمتنا في انهيار حياتنا، التوصل إلى السلام الداخلي، ومسامحة الذات من دون مساعدة طرف آخر.

لذلك يلجأ البعض إلى معالج نفسي، في حين يطلب البعض الآخر مساعدة رجل دين.

فن التحوّل

عندما نحقق ما نصبو إليه، ينتابنا شعور بالفخر والفرح ونعتز بما أنجزناه. ولكن إن عاكستنا الحياة، تنقلب أحوالنا. تكون خيبة الأمل هذه قاسية جداً وتحملنا على التفكير جيداً.

تنصح كريستين هاسلر في كتابها الأخير Surmonter les épreuves dans votre vie (تخطَّ المحن في حياتك) بألا نغرق في الندم أو الغضب، بل أن نعتبر هذه التجارب محفزاً لنقوم بعملية تحوّل عميقة.

عندما نتعلم التفاعل مع خيبات الألم كما لو أننا طلاب لا ضحايا، تنفتح أمامنا أبواب كثيرة. وحين نبدّل بالكامل موقفنا العاطفي، الفكري، الجسدي، والروحي من المشاكل، نتعلّم الشجاعة، الإيمان، التخلي، والمحبة. كذلك نمهد الطريق أمام التبدلات غير المتوقعة التي تقودنا مباشرة إلى الحياة التي نرغب فيها.

تشكّل هذه الخطوات دليلاً يوجّه كل مَن يبحث عن الإلهام إلا أن الشك يكبّله، مَن يسعى وراء حياة مليئة بالمعاني إلا أنه يبقى أسير الندم، ومَن يبذل قصارى جهده لينال السعادة إلا أنه يبقى محتجزاً وراء سور خيبات الأمل.

إذاً، تستطيع بالتأكيد استعادة معنى الحياة بعد أشهر طويلة من المعاناة. ولكن تذكر أن الخطوة الأولى تبقى دوماً الكلام: الكلام الذي تتفوه به والذي تسمعه.

استعادة التوازن بالإيمان

بعد الكلام، يختار البعض الإيمان (بغض النظر عن ماهيته) لبناء ذاتهم. يقوم الإيمان، بالنسبة إلى كل إنسان مؤمن، على العيش وفق قناعاته الروحية. وترتكز هذه القناعات عادةً على رسالة أساسية تمنح الوجود معنى ومغزى.

صحيح أن الإيمان يرتكز أساساً على مجموعة من الحقائق ويتطلب بالتالي معرفة هذه الحقائق، إلا أنه يبقى في المقام الأول رابطاً يقربنا من الخالق.

كذلك، يُعتبر الإيمان عامل ثقة ومصدر فرح.

نعرب حقاً عن إيماننا عندما نقوم بأعمال تنم عن المحبة، السلام، والمصالحة. وهكذا يتحول الإيمان إلى وسيلة إنقاذ.

إذاً، عندما نشعر أننا محطمون وتائهون بعد تعرضنا لفشل عاطفي، خسارة شخص عزيز على قلبنا، أو أي مأساة أخرى، يشكّل الالتفات إلى الله وسيلة للعثور على معنى حقيقي لحياتنا، المضي قدماً، التخلي عن الأفكار السيئة، والنظر إلى المستقبل.

كذلك يتيح لنا اللجوء إلى الإيمان فهم ما حدث معنا، نسيان الأخطاء السابقة، وتجاوز الأحزان الحالية.

الحياة الجميلة

«يساعدنا علم النفس على تقبّل الواقع بكل محنه، على رؤية الحياة ورديةً خلال سعينا وراء السعادة الفورية من دون أي مشاكل أو عقبات، وعلى تبديد السواد الذي نصادفه غالباً... كيف يمكننا أن ندرك قيمة ما نملكه إن لم نفقده مطلقاً، إن لم نخف يوماً، وإن لم نحارب في سبيله البتة؟ كيف نتعلّم أن نرى الحياة جميلةً، أن نتصالح مع مشاكلنا، وأن ندرك ما تحمله لنا المحن من إيجابي ومفيد؟ كيف ننجح في تقبّل شوك الورد والصدمات التي ترسم وجودنا وهويتنا؟ أقدّم رحلة نفسية نستكشف خلالها تفاعلات الحياة الكبرى (الحب والثقة، المخاطرة والحذر، الموت والحياة...)». — مارتن ستفنز، عالمة نفس لها كتاب La vie en bleu Marabout.

{في الأدب، نصوغ محننا. أما في الحياة، فمحننا هي ما يؤثر فينا ويصوغنا}.

إيفان أودوار.

الإدراك:

• إدراك أن بعض الحالات خارجة عن إرادتك.

• إدراك أن كل الأوضاع السلبية لأنها تستهدفك أنت شخصياً.

10 مراحل أساسية:

-1 الإدراك.

-2 تقييم الوقائع.

-3 أخذ في الاعتبار ما نواجهه.

-4 فهم الوضع.

-5 التحدث عنه.

-6 الحفاظ على المرونة.

-7 العثور على معنى للحياة.

-8 الثقة بالنفس.

-9 المضي قدماً.

-10 التقبّل.

“نستطيع تقبّل امتحان وفهمه، إلا أن هذا لا يجنبنا الشعور بالمرارة، الحزن، والندم. نفكر: كم كنا أفضل حالاً لو لم نواجهه! مع مشاعر مماثلة، لا يمكننا الادعاء أن هذا الامتحان قد انتهى. ولكن متى ينتهي حقاً؟ عندما نستعيد القدرة على الفرح. قد يبدو لنا أن هذا الامتحان لم يعد علينا بأي فائدة، لا بل سلبنا الكثير، وربما سلبنا أشخاصاً عزيزين على قلبنا. ولكن بعد هذه المحنة، نشعر أن نورنا، حبنا، وقوتنا نمت. نحس في داخلنا بدفق من السلام والفرح. وفي هذه اللحظة بالتحديد يمكننا أن نقول: تخطينا هذا الامتحان”. — كريستين تشارلز.

عندما نحقق ما نصبو إليه ينتابنا شعور بالفخر والفرح ونعتز بما أنجزناه

في معظم الحالات يتوصل المريض الى استعادة توازنه عبر تركيزه على جراحه لا عبر التنكّر لها

يقول بروست: لا تخشَ أن تبوح بكل التفاصيل لأنّ الحقيقة تختبئ وراءها

يعتبر الإيمان عامل ثقة ومصدر فرح يجعلنا نعثر على معنى حقيقي لحياتنا

عندما ينجح التحليل النفسي يسمح للمريض باكتساب خاصية النظر الى داخله
back to top