الشاعرة العمانية فاطمة الشيدي: أنا ابنة الماء... و«الذكورية» وضعت المرأة في الهامش الشعري

نشر في 13-09-2016
آخر تحديث 13-09-2016 | 00:00
ترى الشاعرة والكاتبة العمانية فاطمة الشيدي أن مشكلات ثقافية عربية كثيرة تعود إلى الجهل والفقر والعنصرية بأنواعها الجنسية والدينية والطائفية والعرقية واللونية، وغيرها. وتقول في حوارها مع «الجريدة» إنه حين تتغير ثقافة المجتمع العربي وتذهب نحو الانفتاح، واحترام حرية الإنسان، وخصوصيته، وتقبل الآخر، والتعددية، واتساق الوعي الفردي مع الوعي الجمعي حينها يمكننا أن ننظر إلى الثقافة كحالة اجتماعية عامة، ثقافة حقيقية، تعكس فكر الإنسان وتطلعاته كفرد وكجماعة في ذات الآن. إلى نص الحوار.
أخبرينا عن ديوانك الشعري «على الماء أكتب» الذي يحمل تأثراً كبيراً بالحياة والبيئة في عمان.

مجموعة «على الماء أكتب» هي صدى للمكان العميق في وجداني. أنا ابنة الماء العذب والمالح معاً. ولدت وعشت بين ساقية وبحر، لذا كتبت عن المكان بانعكاس شخوصه وأحداثه وتوهجاته في الروح واللغة. هي أيضاً محاولة للتخلص من تشابكات الآني بالقادم، وارتباك فكرة الخلود النرجسية في الوجدان الإنساني، ففكرة الكتابة على الماء هي تجسيد لصورة المحو والذهاب لكل ما نكتب، وهي قد تمثل صورة نرسيس، تلك الصورة المترائية له، والمستدعية عجزه عن القبض عليها والمجسدة لوهم ثباتها في الزمن.

كثير من التأويلات يمكن أن يطرحها العنوان. أما النصوص بين دفتي الكتاب، فهي متفاوتة بين الذاتية والإنسانية، وبين الروح المتداعية مع الداخل، والوعي المتعالق مع الخارج، بكل الرفض والتمرد اللائق بالإنسان والشاعر معاً، فالشعر هو تشظي الوعي الحاد في الوجود على نصل المحاكمة أو المساءلة، وترائي الوجود في ترسبات الروح وترائياتها الضمنية والحلمية، ولا انفصام أو انفكاك بينهما.

صدرت لك أعمال أخرى عدة من بينها ديوان» مراود الحلكة»، و«دم دم دمات» نصوص، و«حفلة الموت»، وديوان «هذا الموت أكثر اخضرارا» وغيرها من أعمال... حدثينا عنها؟

الكتابة بالنسبة إلي محاورة للذات عبر الزمان والمكان والأنوات الأخرى. هي محاولة تجريب عميقة وجارحة في الشكل والمضمون. كتبت النص الشعري في أربع مجموعات، ولدي نصوص أكثر مما نشرت، وكتبت الرواية، والنص المفتوح، والمقال النقدي والفكري، وكانت كتبي «الثمانية» حصيلة هذه الحالة من المحاولة والمحاورة للجواني والبراني من الذات والأشياء.

أظنّ أن كل كتاب من هذه الكتب يعكس تجربة مغايرة، وينحو نحو الاختلاف عما سبقه، وهكذا أريد لفعل الكتابة دائماً أن يكسر الجوامد في الرؤى، والثوابت في الوعي، ويهشم انعكاس صورتي في مرايا الآخر، وصورته في مراياي العميقة. هكذا سأستمر في تفعيل فعلي الفناء والخلق خارج تأطير الحالة، فالكتابة لا تحتمل المياه الآسنة، ولا تريد الركون أو الركوس في القعر، أو الطفو فوق السطحي منها. إنها كاندفاع الماء وثورته المستمرة في تشييد الجديد بدقة ورقة وقوة معاً، أو كأزميل نحات محترف عليه أن يحفر بدقة ووعي ليحدد ملامح متجددة بين عمل وآخر... الكتابة هي الجنون المتجاوز للمتوقع، والمتعالي على سقف الحكمة، وحين أجد نفسي متشابهة معي في شكل أو مضمون أسبق سأتوقف كما أعتقد.

بالمقارنة بين الأمس واليوم، هل تغيّر الكثير في تجربتك، وكيف تجدين مراحل التكوين الشعري لديك؟

نحن نتغير حتماً بشكل أفقي وعمودي، متعدد وذاتي، كل كتابة هي نتاج وعي، وكل وعي هو حصيلة تجربة داخلية أو خارجية، وكل زمن يمرّ عليك يجرح ذاتك فلا تعود كما أنت قبله، وكل مكان يرسم حدود جغرافيته في روحك يذهب بك بعيداً، حتى لا تعود إلا وأنت مختلف عنه وعنك.

الاختلاف حالة حتمية وجبرية في ذات الإنسان، والأشياء، بل الكون كله خاضع لفعل التغيير. حين قال هيرقليطس: «لا يمكنك أن تعبر نفس النهر مرتين»، كان مصيباً إلى أبعد درجة، وهذا أمر في غاية الحيوية والأهمية، فالذي لا يتغير ينتهي، ويتكلس ويتحجر، ويغدو غير قادر على التواصل مع الكون. ومع فعل الكتابة المتجدد، في ذاته وموضوعاته وأشكاله ووسائله، أميل دائماً إلى الجديد والحديث من الوسائل والأفكار.

إذاً، نعم تجربتي تتغير وتنمو وأنا أقطع مراحل الحياة، وأضيف إلى وعيي الشعري والإنساني لبنات جديدة كل يوم. ولكن أظنني أتمتع بقدر ما من الثبات الجارح والموغل والمتأصل التكوين، وفي النظرة الكلية إلى الخير والجمال والإنسان، هذه النظرة التي تهبني التزاماً واضحاً.

الثقافة... والنقد

كيف ترين الحالة الأدبية والوضع الثقافي العماني راهناً؟

مع أن شهادتي عن الحالة الأدبية في عمان مجروحة، لأنني ضمن مشهدها الثقافي، أستطيع القول إنها حالة ثقافية متنوعة وغنية جداً، في مختلف المدارس والأجيال والأطياف والأشكال والأجناس الأدبية والفنية. كذلك تتسم بخصوصية الروح المنبعثة من تعدد المكان العماني وتراميه (السهل، والجبل، والبحر، والصحراء) من جهة، وعمق الإرث الحضاري والثقافي المتأصل في الذاكرة والوعي، والذي يسبغ تفرده اللغوي والفكري على الثقافة العمانية ويسمها بالتفرد، ويقيم جسراً حياً بين القديم والجديد، متحد الأواصر وعميق الترابط بين الأصالة والمعاصرة، وبين التراث والحداثة.

ماذا عن الحركة النقدية في عمان؟

النقد في كل مكان من عالمنا العربي متأخر أو متخلف كثيراً عن الحالة الإبداعية. تجده يخرج غالباً من رحم المؤسسة سواء كانت أكاديمية أو ثقافية، لذا يظلّ بعيداً ومؤطراً بالمناسبات والندوات والحالات الرسمية. كذلك هو على عكس الإبداع، لا يدخل في المعترك اليومي، ولا يتماس مع الهامشي، بل يظل فوقياً عاجياً يحوم حول الإبداع وينتظر تأطيره ليكتب عنه. وهو يعتقد في نفسه العلو، ليمنح المبدع شهادة الحضور أو التقييم لعمله، في حين قد لا يكون هذا رأي المبدع الحقيقي، الذي يرى فيه تطفلاً على الإبداع، ويهرب منه قدر ما يستطيع، وقد يرى نفسه أعلى منه مكانة، وأكثر جمالاً من دونه.

ما أهم المشكلات التي تواجه الثقافة العربية في رأيك؟

لدينا مشكلات كثيرة في البنية العميقة للثقافة العربية بمفهومها الكبير، وهي أكثر من أن تحصى، وهي مشكلات يغذّيها الجهل والفقر والعنصرية بأنواعها الجنسية والدينية والطائفية والعرقية واللونية وغيرها من أشكال العنصرية. حين تتغير ثقافة المجتمع العربي وتذهب نحو الانفتاح، واحترام حرية الإنسان، وخصوصيته، وتقبل الآخر، والتعددية، واتساق الوعي الفردي مع الوعي الجمعي، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والمال والاشتغال الصادق والواعي من المؤسسة الثقافية والسياسية ومن المجتمع بوصفه أفراداً قبل كل شيء، حينها فحسب يمكننا أو يجب أن نكف عن أن نتحدث عن الثقافة بوصفها جماعة تشتغل بالأدب والكتابة، بل ننظر إليها، أو ننظّر إليها كحالة اجتماعية عامة، وثقافة حقيقة، تعكس فكر الإنسان وتطلعاته كفرد وكجماعة في آن.

المرأة في الشعر الفصيح
ترفض الشاعرة فاطمة الشيدي مقولة إنه لا توجد على الساحة العربية امرأة شاعرة تضاهي الرجال وتقول: «أشمّ في هذا الكلام رائحة حكم ذكوري متحيز ومطلق، ومصادرة للآخر (المرأة)، وغير قارئ بعمق للمشهد الثقافي. أولاً، عدم شهرة الأقلام النسائية لا يعني عدم تميزها وتفردها شعراً، بل قد يعني وجود الكثير من الحواجز الذكورية، في مجتمع ذكوري بعمق، تمنعها من ذلك، وتضعها في هامش المشهد فقط لأنها أنثى، وكلنا يدرك كم هذه الأطر كثيرة وواسعة ومتشابكة في تعتيم صورة المرأة، ومنع صوتها من الوصول إلى أذن المتلقي وروحه».

تتابع: «ثانياً، ثمة كثير من الشاعرات المبدعات اللواتي كتبن الشعر من أعماقهن بكل وعي وجمال وثقافة وإنسانية، ولست بصدد الدفاع عن المرأة وشعريتها وإبداعها، بقدر ما يزعجني هذا الرأي، وهذه النظرة المتخلفة والمتأصلة في الثقافة العربية، والتي لا تزال تحيلك إلى منطقة في الحوار والفكر أنت تجاوزتها منذ زمن، وتظن أن الثقافة العربية تجاوزتها أيضاً. ولكن بين الفينة والأخرى يصدمك حضور الفكرة مجدداً، وإلحاحها على التقليل من شأن المرأة في أي مجال، بعدما فشلت في حجبها ومنعها من الحضور والتعاطي مع الإبداع، بوصفه هبة إلهية لم يفرق الخالق فيها بين رجل وامرأة، تماماً كما لم يفرق في العقل والوعي والحواس وجميع الملكات والاستعدادات النفسية والجسدية والفكرية».

النقد في كل مكان من عالمنا العربي متأخر أو متخلف كثيراً عن الحالة الإبداعية
back to top