الأديب الجزائري بشير مفتي: المشهد الأدبي الجزائري غامض «غرفة الذكريات» روايته الأخيرة

نشر في 12-09-2016
آخر تحديث 12-09-2016 | 00:03
يرى الروائي والكاتب الجزائري بشير مفتي أن المشهد الأدبي والثقافي الجزائري اليوم أصبح غامضاً ويثير التساؤلات إلى حد بعيد، فمنذ أقل من عقد كُنا نَعرف مشهدنا الأدبي جيداً، كما يقول، أي نعرف من هم كتّابه في الرواية والقصة القصيرة والشعر والنقد والمسرح، أما الآن فتناسل الكتّاب من كل حدب وصوب وغرقنا في فوضى في كل شيء. معه الحوار التالي.
أخبرنا عن روايتك الأخيرة «غرفة الذكريات»، وهل تؤرخ لتاريخ الجزائر الحديث؟

هي ببساطة حكاية رجل خسر أحلامه الأولى، ويحاول أن يستعيدها عبر رواية واحدة ووحيدة، يكتبها ثم ينهي حالته تلك. لكنه في تلك الاستعادة المريرة للذكريات يغرق في حياة ثانية وقصص مختلفة. يريد أن يبعث الحياة في أرواح من ماتوا في ذلك الزمن البعيد والقريب، وهي رواية عن فداحة الخُسران وألم من يرحلون ولا يتركون إلا عُلبة مغلقة هي ذكرياتهم التي يريد البطل أن يحكيها من جديد.

هل تنحاز إلى الرأي القائل إن مهمة الرواية رصد ما استعصى على النسيان من الحوادث والأماكن والأسماء؟

لم أعد مقتنعاً بفكرة واحدة للرواية، كما لا يقنعني اليوم أي مفهوم يُعطى لهذا الجنس الأدبي. أظنّ أن كل كاتب روائي يصنع مفهومه الخاص للرواية عبر تجربته الروائية. صحيح أن ثمة قواعد مشتركة لهذا النوع، ربما نتفق عليها أو نختلف، نقدسها أو نثور عليها. لكن الرواية تظلّ روايات وليست رواية واحدة يمكن أن تفهم على أساس صور ومعان كثيرة. لذا، المعنى الذي تعطيه صحيح لأنها تنقذ ما يمكن إنقاذه وما نرفض نسيانه، وهي بذلك ذاكرة كبيرة للحب والحياة والإنسان.

إلى أي مدى تشعر بأنك حر في مقاربة المحظورات في أعمالك؟ هل يمكن القول عن نصك «محفلاً للحريّة اللغوية والتعبيرية والفكـرية»؟

لا كاتب حراً في المطلق. يحاول معظمنا المناورة مع المحظورات الكثيرة التي تقيدنا. لست مع فكرة الانتهاك لمجرد الانتهاك إن لم تتوافر أسباب موضوعية مقنعة في النص الأدبي تبرر ذلك، فثمة أعمال أدبية تستثمر في الجنس لدرجة تشعر بأن لا مبرر آخر غير البحث عن الشهرة، ولا يعجبني ذلك صراحة.

تحولات

برأيك، ما أبرز التحولات التي طاولت الرواية الجزائرية وما تأثير الثقافة الفرانكوفونية فيها؟

تختلف التجارب عن بعضها بعضاً، ولا أعتقد بالتأثير والتأثر بين من يكتبون بالعربية ومن يكتبون بالفرنسية، كأن كل جهة تعيش في جزيرتها الخاصة وضمن مرجعيتها. شخصياً، لا أرى أي تأثير والعجيب أنه إن وجد فهو في أن يصرح ذات مرة الراحل الروائي الطاهر وطار بأنه تأثر بروايات كتبت بالعربية أكثر مما تأثر بروايات كتبت بالفرنسية.

هل يجد الروائي المنتمي إلى مشهد متعدد العرقيات والمذاهب صعوبة في أن يكتب ما يعتبره «حقيقة روائية»؟

طبعاً. في الجزائر مشاكل كثيرة تعوق الكتابة، أو تقف حجرة عثرة في طريق أي كاتب، من بينها أن مشهدنا الأدبي منقسم إلى لغتين أو ثلاث، علماً أنه لا يمكن اعتبار الأمازيغية منافساً قوياً حاضراً.

هل تؤمن بمقولة أدب الخارج وأدب الداخل، وما نظرتك إلى المقولتين؟

في الجزائر لا تنالك الشهرة حتى تنال شهرة في الخارج. اضرب لك مثالين: أحلام مستغانمي جعلتها شهرتها في المشرق نجمة كبيرة في الجزائر، ونجاح ياسمينة خضرا في فرنسا جعله نجماً كبيراً في الجزائر، لذا صار الأدباء يبحثون عن النجاح خارج الجزائر.

كيف تقرأ ملامح المشهد الروائي العربي اليوم؟ وهل ترى جديداً في الأفق؟

أصبح معقداً جداً، ولم تعد معرفة ماذا يُكتب فيه أمراً سهلاً. اليوم، من الصعب على الكاتب العربي أن يتابع إنتاجات هذا المشهد المترامي الأطراف. ربما تفيدنا الصداقات بعض الشيء، وتجعلنا نعرف واحداً أو اثنين من كل بلد عربي. وطبعاً، لا يزال الكبير في السن يحتل الواجهة، علماً أن ليس كل قديم يعني إبداعا كبيراً، وليس كل جديد يعني إبداعاً جديداً، أو أظن هذا.

حصلت على جوائز أدبية، ماذا تعني الجائزة للمبدع؟

أنا مدين بشهرتي العربية لرواية «دمية النار» فحسب التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 1992. قبل ذلك تعرف إليّ الأصدقاء الكتاب العرب من خلال مقالات بعض النقاد المعروفين أمثال محمد برادة. للحقيقة، كما يعرفني المقربون، لا أهتم بالجوائز فإن جاءت فمرحباً بها وهو أمر مشجع مادياً ومعنوياً، وإن لم أحصل عليها فلا يزعجني الأمر.

كتابة الرواية عموماً، هل تعتقد أنها قادرة على اختراق حواجز الظلم والاستبداد وتفتيت دعائمه؟

لا أحب أن أعطي لرواية دوراً أكبر من دورها، ولكن عندما تقرأ «1948» لجورج أورويل تتكشف لك حقائق عن النظام الشمولي القاتل، وتقول في نفسك إن ذلك خطر على المجتمع. كذلك عندما تقرأ «شرق المتوسط» لعبد الرحمن منيف تكره الظلم والسجن، وتعاديه إلى الأبد. ربما من هذا الباب تساعد الرواية في تثبيت قيم الاختلاف والديمقراطية وحرية الإنسان.

تعب الكتابة

يرى بشير مفتي أن الكتابة متعبة، وأن كثيرين ينظرون إلى الكُتّاب بنوع من الإعجاب الساحر وكأنهم يحسدوننا على هذه «اللعنة» التي تخفي وراءها شقاء وجودياً كبيراً. «هذا لا يعني ألا نشوة في الكتابة، بل ثمة لحظات تسعدك فيها الكتابة ولكن تشعر بأن ثمن ذلك كبير جداً».

بدأت مسيرة مفتي الإبداعية حسبما يقول «في فترة مبكرة من حياتي عندما اكتشفت أن الأدب يمكنه أن يساعدني في معرفة العالم الذي أعيشه، ذلك من خلال استغلال

ما في الذات من كنوز هائلة تجعلك تدرك عُمق الإنسان» يتابع: «كتبت القصة القصيرة أولاً ونشرت مجموعتي الأولى عام 1992 بعنوان «أمطار الليل»، ثم مجموعة قصصية ثانية «الظل والغياب» عام 1995. لم أكن راضياً عن تجربتي القصصية، وشعرت دائماً بأنني أبحث عن أمر آخر أرحب وأوسع، فجاءت الرواية كتتويج لمثل هذا البحث مع «المراسيم والجنائز» 1997 التي نالت استحساناً لدى الكتاب والنقاد، وأؤرخ من خلالها لولادة نص روائي مغاير لجيل جديد في الجزائر».

{دمية النار} بداية شهرتي وأدباء الجزائر تأتيهم الشهرة من الخارج

لا أهتم بالجوائز الأدبية وإن لم أحصل عليها فلا يزعجني الأمر
back to top