خطيئتنا ووقتية الطفرة النفطية

نشر في 03-09-2016
آخر تحديث 03-09-2016 | 00:09
 حمد الدرباس غالباً ما تكون للاقتصاديين "القوة الأكثر تحكماً" نظرة مختلفة عن تلك التي لدى ناشطي حقوق الإنسان أو تلك التي لدى المتعصبين الوطنيين، فَلَو نظرنا إلى التجربة الأوروبية المتعلقة بتدفق اللاجئين فسنلاحظ تباين المواقف ما بين دول مرحبة ودول متحفظة على استقبال هذه الإعداد الهائلة. أكثر هذه المواقف وضوحا هو الموقف الألماني الذي عبرت عنه المستشارة أنجيلا ميركل بترحيبها الجريء باللاجئين السوريين، ولكن هذا الموقف لا يعبر بالضرورة عن أولوية التعامل مع قضية إنسانية إنما يعبر عن واقع نمو ألمانيا الاقتصادي، حيث الحاجة للأيدي العاملة بأعداد تتناسب مع فرص العمل التي تخلقها سرعة هذا النمو، مع الإشارة هنا إلى انخفاض معدل الولادة وبالتالي يأتي استقبال اللاجئين لمواجهة شيخوخة الدولة.

ومن العوامل المهمة الأخرى ما عبرت عنه بعض الدراسات حول فاعلية استراتيجية "تكامل المهاجرين والمحليين" بحيث تتأثر العمالة الوطنية إيجابيا بالمهارات والخبرات التي تمتلكها العمالة المهاجرة. هذه التجربة شبيهة إلى حد كبير بتجربة الكويت مع فارق محدودية فترة الإقامة في الكويت لاعتبار مراعاة النمو السكاني، حيث ارتفاع معدلات الولادة بعكس ألمانيا، إلا أن استفادة الكويت من تطبيق هذه الاستراتيجية كانت ضعيفة للغاية.

هذا ما تعكسه الأزمة التي تمر بها الكويت، حيث تضخم الباب الأول من الميزانية وصعوبة استخلاص القطاع الخاص من اعتماده الكلي على العمالة الوافدة والاستعاضة عنها بالعمالة الوطنية من خلال توجيه المخرجات الكويتية نحو القطاع الخاص، والبدء بتعديل التركيبة السكانية كعلاج لمشكلة الضغط على الخدمات العامة التي تشكو الدولة من كلفتها.

هذا مع إضافة الغياب التام لمشاريع تنويع مصادر الدخل، فإن تراكمات التجربة تعكس مدى فداحة الخطيئة التي وقع بها المجتمع، حيث كان التعامل مع الطفرة النفطية على أساس "ديمومتها لا وقتيتها" بالرغم من ظهور إشارات مبكرة لتوجه العالم الصناعي نحو البحث عن بدائل النفط وتحديدا عام 1973 عندما هددت الدول العربية بوقف تدفق النفط، ثم إعلان البرلمان الأوروبي انطلاق الثورة الصناعية الثالثة القائمة على مصادر نظيفة للطاقة. كل هذه التفاصيل وموقفنا الحرج الآن يدفعان للسؤال عن الإدارات المسؤولة عن قِصر النظر الذي أدّى الى هذه الكارثة، ويدفع كذلك للسؤال عما إن كان هنالك أي تغيير حقيقي يعكس الاتجاه إلى مشاريع الاستدامة لا إلى المشاريع الخدمية فقط؟ ولكن وكما يبدو فإن التغيير المطلوب بعيد تماما عن توجه كل من الحكومة والبرلمان مع غياب تام لجمعيات النفع العام والنقابات ومراكز تقديم الرأي إلا ما ندر، كما أن تشابه المراحل يعكس استمرار السياسات ذاتها، ولذلك فإن المحصلة المتمثّلة بغياب الإصلاح الجذري تعكس عدم فاعلية أسلوب إدارة شؤون المجتمع وضرورة البحث في إعادة هيكلته على مستويات التشريع والرقابة والتنفيذ، وهذا يتطلب إعادة النظر في التنظيمات الشعبية المتمثّلة بالأحزاب والنقابات وجمعيات النفع العام ومراكز الدراسات، بحيث تصبح هذه الجماعات أكثر تنظيما واستقلالية، وبالتالي تزداد فاعليتها بدلا من بقائها هامشية وعاجزة عن مجاراة الاستحقاقات الوطنية، ومنها استحقاق الخطة والمشروع المفصّلين.

back to top