Order of Disappearance...العدالة النرويجية في فيلم ممتع

نشر في 03-09-2016
آخر تحديث 03-09-2016 | 00:00
من الفيلم
من الفيلم
ربما تميل إلى اعتبار ستيلان سكارسغارد، الذي يؤدي دور أب لطيف يتبع مسار انتقام عنيفاً في In Order of Disappearance، النسخة الاسكندنافية من ليام نيسون في أفلام Taken، إلا أنه ليس كذلك.
لا تُبرز هذه المقارنة بشكل كافٍ سلطة هادئة وذكاء خفياً يعكسهما أداء سكارسغارد، فضلاً عن أنها مجحفة بحق فيلم الجريمة والتشويق النرويجي الممتع جداً هذا، الذي يشكّل عملاً آسراً ومؤثراً يمكننا تصنيفه في فئة Red Snow.
أخرج In Order of Disappearance هانز بيتر مولاند فيما كتب حواره كيم فوبز أكيسون. الفيلم الذي تدور أحداثه في شتاء قارص تلوّث بياض ثلجه خطايا رجال فاسدين وفظائعهم، يتتبع تراكماً متواصلاً وبطيئاً لجثث القتلى، كما يشير عنوانه.

تُخلَّد ذكرى كل ضحية جديدة ببطاقة سوداء صغيرة تشير إلى اسمها وانتمائها الديني. واللافت أن هذه الخطوة الفكاهية السوداوية تعمّق توجه القصة المحزن بدل أن تلهي المشاهد عنه.

تبدأ عمليات القتل عندما يعلق شاب اسمه إنغفار ديكمان (آرون إسكلاند) خطأً وسط صراع بين عصابات ويُقتل، فتُعزى حالة الوفاة إلى جرعة زائدة من الهيروين. لكن والد إنغفار السويدي، نيلز (سكارسغارد)، يعي جيداً أن ولده لم يكن مدمناً.

عندما يتأكّد نيلز مصادفة من أحد أصدقاء إنغفار من صحة شكوكه، يقرّر الانتقام بالصبر، التصميم، وحس المبادرة نفسها التي أكسبته أخيراً جائزة {مواطن العام} في بلدته.

تشكّل المثابرة المفتاح الأساس، فعليه أن يتخلّص من عدد كبير من الوسطاء قبل أن يتمكّن ميلز من الاقتراب كفاية من {الكونت} (بال سفيري هاغن)، تاجر مخدرات بارز، متهور، سريع الغضب، وبالغ الخطورة يتحمّل المسؤولية الأولى عن مقتل إنغفار.

أما نيلز من جهته، فيختلف الاختلاف كله عن عدوه اللدود، سواء من ناحية الطبع أو المهنة. خلال النهار، يجلس وراء مقود كاسحة ثلوج ضخمة ويروح يفتح الطرقات في برية تغمرها الثلوج، مقدماً تشبيهاً عفوياً وبسيطاً عن قراره القضاء على الأشرار.

مع تطور الأحداث وازديادها تعقيداً لتشمل عصابة صربية (يرأسها برونو غانز المذهل) يعتقد الكونت خطأً أنها تقتل رجاله، لا يولي In Order of Disappearance اهتماماً كبيراً للانعكاسات الأخلاقية المترتبة على حملة الانتقام التي يشنّها نيلز. على العكس، يضمّ هذا العمل احتقاراً نرويجياً بارزاً للمبالغة في محاولة تحديد الصح والخطأ. لكنه لا ينغمس أيضاً في إراقة دماء لا مبرر لها. قد يشعر نيلز ببعض الرضا عند لكم أتباع الكونت الصغار مراراً في الوجه أو استخدام كاسحته لاحتجاز أحدهم على طريق جبلية معزولة، إلا أن هذا الشعور يتبدّد بالكامل قبل أن نبلغ النهاية البشعة.

مع تنامي عدد عمليات القتل التي لا تظهر على الشاشة، والتي يُشار إليها أحياناً باسوداد الشاشة فجأة، نشعر بأن الفيلم يصبّ اهتمامه كله على نظرة الشخصيات العبثية إلى الحياة البشرية. كذلك نلاحظ أن ميل هذا العمل الساخر يعود إلى حد ما إلى إدراكه الواعي لمكانته في تقليد الأفلام التجارية المستهلكة، ما يفسر لمَ يتخذ بعض المجرمين فيه ألقاباً مثل {ديرتي هاري} أو {بوليت} (من الأسماء الملائمة التي كان باستطاعة معدي الفيلم استعمالها، وإن كانت أقل بروزاً، بول كيرسي، الشرير في فيلم الانتقام Death Wish).

بالإضافة إلى ذلك، يخصّص السيناريو بضع لحظات عابرة ليغوص في التفكير الضيق والمتحيّز الذي يسود هذه المناطق الشمالية النائية.

شخصيات لافتة
تشمل الشخصيات في الفيلم قاتلاً مأجوراً يابانياً دنماركياً (ديفيد ساكوراي) يدعوه الجميع {الرجل الصيني}، فضلاً عن مجرمَين شاذَين يُرغمان على إبقاء علاقتهما الحميمة سراً. وهكذا يشكّل In Order of Disappearance برمته هجوماً ساخراً على تباهي الرجل الأبيض المتباين الجنس، إذ يتجلى ذلك بوضوح من خلال استهزاء المجرمين بعائلة نيلز {ديكمان} أو عدائية الكونت الصبيانية تجاه زوجته السابقة (بريجيت هيورت سورنسون).

لكن الشخصية الوحيدة التي تستحق فعلاً التوقف عندها هي نيلز. ولا شك في أن سكارسغارد، في عمله الأخير هذا مع مولاند الذي كان تعاون معه مرات عدة سابقاً (كما في Zero Kelvin وA Somewhat Gentle Man)، يُعطي هذا الدور حقه.

تكمّل وقاره الهادئ وعمق تفكيره، اللذان يشعّان من ملامح وجهه المجعد، مشاهد الفيلم الطبيعية البهية التي يكللها الثلج (يعود الفضل في ذلك إلى المصوّر السينمائي فيليب أوغارد) وموسيقاه الحماسية المذهلة التي تعتمد على الغيتار.

لكن هذا الجمال لا يلهي المشاهد عن هدف الفيلم الرئيس ولا يبدو عبثياً. صحيح أن رغبة نيلز متأصلة عميقاً في المأساة الشخصية التي يعيشها، إلا أن لديه عملاً عليه إنجازه. وعلى غرار الفيلم الذي يظهر فيه، يؤديه نيلز بحرفية ومهارة لا تضاهيان.

back to top