المفكر والفيلسوف د. سامي مكارم في ذكرى غيابه الرابعة

رؤيته فكر حر وحداثة قائمة على «الأفعال» لا «الانفعالات»

نشر في 01-09-2016
آخر تحديث 01-09-2016 | 00:04
في الذكرى الرابعة لغياب الدكتور سامي مكارم (22 أغسطس 2012)، أقامت مؤسسة سامي مكارم مهرجان الإبداع الرابع، رافعة شعار «سرّ الإنسان عند سامي مكارم»، هذا الإنسان الذي يطغى حضوره في مؤلفاته وفي لوحاته، وفي رؤيته للمستقبل... ولا عجب في ذلك فالدكتور سامي مكارم مفكر وفيلسوف وشاعر ورسام تشكيلي، سخّر علمه وفكره وريشته في سبيل التأسيس لمستقبل «تتشارك فيه الأجيال الجديدة مع العالم بحداثة حقيقية قائمة على الأفعال لا الانفعالات»، على حد تعبير أمين سر مؤسسة سامي مكارم حسان زين الدين، التي أخذت على عاتقها إكمال مسيرة هذا المفكر والفنان الذي طالما حلم برقي الإنسانية وتعايشها مع بعضها البعض، بعيداً عن الاصطفافات الطائفية والاجتماعية والسياسية وغيرها...
أستاذ التصوّف والأدب العربي والفكر الإسلامي في «دائرة العربية ولغات الشرق الأدنى» في الجامعة الأميركية في بيروت، رئيس «دائرة الأدب العربي ولغات الشرق الأدنى» في الجامعة الأميركية في بيروت، مدير «البرنامج العالي لدراسات الشرق الأوسط» في الجامعة الأميركية... وغيرها من المحطات تطبع مسيرة د. سامي مكارم الفكرية، حاول خلالها ردم الهوة بين الشرق والغرب وتصويب مسار العلاقة بينهما، وتصحيح صورة الإسلام التي تشوهت بعد أحداث 11 سبتمبر، فكان دوره ريادياً في تنوير عقول طلابه حول أهمية التعاطي مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، بمنطق حضاري يحترم الخصوصية والانتماء، لا سيما في عصر العولمة والثورة التكنولوجية وانتفاء الحدود بين الناس، أينما كانوا على سطح الكرة الأرضية.

ابن هذه الأرض التي صدّرت الحرف إلى العالم، نادى سامي مكارم بضرورة أن تستمر الأجيال اللبنانية في حمل مشعل الحضارة إلى الدول المجاورة والعالم.

خلال الحرب العبثية التي عصفت بلبنان، عانى من سجن الفكر اللبناني في إيديولوجيات متخلفة قائمة على نبذ الآخر، ما أدى إلى نجاح المؤامرة التي استهدفت هذا البلد، وكان على يقين بأن الفكر لو تحرر مما يحاك له لقاد البلاد إلى مسار الخلاص وأنقذها بدل تخبطها في المآسي والدماء سنوات طويلة...

غنى فكري

«تنوعت دراسات الدكتور مكارم إلى جانب ممارسته الفن التشكيلي الحروفي، وانغماسه في شعر العشق الإلهي، وعمله الدؤوب على بحث التراث التوحيدي، عقيدة وتاريخاً»، على حد تعبير الدكتور رؤوف الغصيني، ممثل مؤسسة «التراث الدرزي- لندن» في بيروت، إذ تربو مؤلفاته التي أصدرها على الثلاثين في الأدب العربي والتاريخ والفن وذلك بالعربية والإنكليزية، من بينها: «أضواء على مسلك التوحيد»، «العرفان في مسلك التوحيد»، «التقية في الإسلام» وأبحاث ودراسات ومقالات في الفكر التوحيدي والإسلامي والعرفاني، وأعمال شعرية وأدبية، وصوفية من بينها: «مرآة على جبل قاف»، «ضوءٌ في مدينة الضباب»، «قصائدُ حبِّ على شاطئ مرآة»، «ديوان أمين تقي الدين»، «ديوان الفلك»، «نسيب مكارم»، «شيراز»، «الحلاج في ما وراء المعنى والخط واللون»... فضلاً عن مخطوطات لم يمهله الموت لإنجازها من بينها: مذكراته، ديوان شعر عرفاني، وأبحاث ودراسات.

مع بزوغ الألفية الثالثة، وضع نصب عينيه هدفاً واحداً وهو تعبيد الطريق أمام الأجيال الجديدة لولوج التحولات العالمية برقي يليق بانتقال البشرية إلى ألفية جديدة.

محطات من سيرة

ولد د. سامي مكارم عام 1931 في بلدة عيتات قضاء عاليه في جبل لبنان، ترعرع في كنف والده الشيخ نسيب مكارم، الذي تميّز في رسم الخط العربي والكتابة الدقيقة على حبة الأرز.

تلقى دروسه في الليسه الفرنسية في بيروت والكلية اللبنانية في سوق الغرب، وتابع تخصصه الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت وتخرج عام 1954 حاملاً إجازة في الأدب العربي والفلسفة، من ثم سافر إلى الولايات المتحدة وحاز دكتوراه في الفلسفة والدراسات الإسلامية في جامعة ميتشيغن آن- أربر عام 1963.

لدى عودته إلى لبنان انخرط في الجسم التعليمي في الجامعة الأميركية، وراح يتدرّج في المناصب، وبقي فيها حتى تقاعده.

تشرّب سامي مكارم عشق الحرف العربي من والده، وترجم هذا العشق بالخط واللون، وإذا بلوحاته تعكس جمالية الحركة فيه، وتنبض بخصوصية نابعة من رؤيته لهذا الخط باعتباره يحمل في طياته تشكيلا يسهل رسمه، وهو الوحيد بين الخطوط العالمية الذي يتميّز بهذه الخاصية، فجاء مكمّلاً لمسيرته الفكرية وتعمقه بالصوفية.تزخر الخطوط والألوان بشفافية يمكن من خلالها تلمّس هذا الانعتاق عن كل ما يمتّ إلى المادة بصلة، والسمو بالفكر والروح إلى أعلى مراتب المثالية...

«مسافر زاده الحب والعرفان»

في دراسة لها بعنوان «مسافر زاده الحب والعرفان» اعتبرت د. سعاد الحكيم، أستاذة الأدب الصوفي في الجامعة اللبنانية، أن سامي مكارم «صاحب مشروع علمي كبير رصد فيه التشابه بين عبارات ومصطلحات وأفكار عائدة لصوفيين وعرفانيين أعلام، وبين مثيلاتها في بعض المعتقدات والتعاليم والمسارات العرفانية التوحيدية، فقدم مذهب الموحدين بمعجمية صوفية- عرفانية، من دون أن يتماهى مع التصوف. بل ظلّ التصوف بالنسبة إليه هو الشبيه والقريب. مما سمح له بالحفاظ على الالتزام بعهد السرية مع البوح على مستوى المضمون والمعنى لتقريب المعتقدات التوحيدية من عقل الآخر ومن فهمه وتأنيسه بها».

وضع نصب عينيه تعبيد الطريق أمام الأجيال الجديدة لولوج التحولات العالمية برقي
back to top