قصة فادي الذي عاش {The Terminal}
• احتجز في مطار أتاتورك أكثر من سنة
تختلف تجربة فادي منصور (28 سنة) كل الاختلاف عن شخصية توم هانكس في فيلم The Terminal، رغم أن الاثنين احتجزا في المطار.
كيف تعامل منصور مع هذه الأزمة التي وقع بها، وكيف يصف الأيام التي أمضاها عالقاً في الضياع؟
كيف تعامل منصور مع هذه الأزمة التي وقع بها، وكيف يصف الأيام التي أمضاها عالقاً في الضياع؟
في حين كان فادي منصور جالساً في أكبر مطار في تركيا يشاهد فيلم هوليوود The Terminal، أمل أن تكون حاله شبيهة بحال البطل. يؤدي توم هانكس في الفيلم دور لاجئ خيالي يُمنع من مغادرة المطار بسبب تقلبات قانون تأشيرات الدخول. لكن منصور شخصية حقيقية: شاب سوري في الثامنة والعشرين من عمره احتُجز طوال أكثر من سنة داخل مطار أتاتورك في اسطنبول.يخبر منصور، وهو يشاهد الأفلام على جهازه اللوحي لتمرير الوقت: {وجد هانكس نفسه في حالة مماثلة لحالتي، فظننت أن هذا الأمر قد يساعدني. ولكن عندما شاهدت الفيلم، أدركت أنهم يعالجون هذه المشكلة بطريقة فكاهية. إلا أن حالتي ليست مضحكة البتة. اعتاد توم هانكس تناول الهامبرغر على غراري. لكنه استطاع التجوّل في المطار، في حين علقت أنا في غرفة واحدة}.
حياة بائسة
كانت هذه حياة منصور البائسة بين فبراير عام 2015 ومارس عام 2016. مع إقفال الحدود أمام السوريين الهاربين من الحرب في بلدهم وحالة الغموض القانوني في الشرق الأوسط، غرق كثيرون في البحر الأبيض المتوسط، في حين مات كثيرون رمياً بالرصاص على الحدود بين تركيا وسورية.نجح منصور في بلوغ تركيا في نوفمبر عام 2014. ولكن بدل العثور على ملجأ آمن، اكتشف أن السوريين عاجزون عن العمل بطريقة شرعية في هذا البلد. لذلك، قرّر بعد ثلاثة أشهر شراء جواز سفر مزور، وحجز على متن رحلة متوجهة إلى ألمانيا، أو هذا ما أمله. لكن الطائرة حطت في كوالالامبور، حيث تنبهت شرطة الحدود لأوراقه المزورة. فأُعيد في الحال إلى تركيا، حيث اقتيد إلى غرفة الاعتقال بدل إطلاق سراحه.يقول منصور عن عملية اعتقاله الفورية: {ظننت أنها مسألة ساعات وسيطلقون سراحي. أخبرني البعض أنهم سيعيدونني [إلى ماليزيا]. لكني أصررت على أن هذا الأمر مستحيل لأنني سوري}.إلا أن زملاءه في الاعتقال كانوا محقين. بعد بضع ساعات، أخبره حراس الحدود الأتراك أنه سيُعاد إلى ماليزيا. يخبر: {قلت لهم إنني أريد التقدّم بطلب لجوء، فأجابوني: لدينا مليونا سوري هنا [في تركيا]، ولا نرغب في المزيد}.لكن ماليزيا رفضت استقباله. وبعد الانتظار ثلاثة أيام في كوالالامبور، عاد منصور إلى مطار أتاتورك، حيث بقي محتجزاً طوال 12 شهراً تقريباً.
المصير عينه
تعيش شخصية هانكس في The Terminal حياة ممتعة نسبياً، بما أنه يعثر على مكان خاص به ينام فيه وينجح في مصادقة عمّال المطار. لكن منصور اضطر إلى النوم في غرفة صغيرة مع 40 شخصاً آخرين يواجهون المصير عينه.يذكر: {خَلَت الغرفة من النوافذ ولم أرَ نور الشمس طوال ثمانية أشهر. لكنهم أبقوا النور مضاء طوال اليوم. لا أعلم كيف خرجت من تلك الغرفة على قدميّ}.يتابع موضحاً: {ما زلت أشعر بالتعب حتى اليوم إن مشيت 300 متر فقط. لا يمكنك تخيل الحياة في تلك الغرفة الضيقة التي تفتقر إلى النور الطبيعي}.ما زاد الطين بلة أن أحد المحتجزين الآخرين، وهو رجل متطرف، كره منصور كرهاً شديداً، حتى إنه هاجمه ثلاث مرات، على حد قوله. يخبر منصور: {نغّص علي حياتي. فلم يتوقف عن نعتي بالكافر، ولم يتردد في إخبار الآخرين بأنهم إن قتلوني، يذهبون إلى الجنة}.بعد الاعتداء الثالث وتمضية ثمانية أشهر في حالة الضياع هذه، حاول منصور السفر إلى لبنان. لكنه أوقف مجدداً في مطار بيروت وأُعيد إلى تركيا على متن الطائرة ذاتها التي أتى بها.ليمرّر الوقت، اعتاد منصور مشاهدة الأفلام على جهازه الـiPad. واستمدّ قوة كبيرة من كتاب للناشط السوري مصطفى خليفة يوثّق الحياة داخل سجون الرئيس السوري بشار الأسد. صحيح أن منصور اكتشف أن The Terminal لا يمتّ إلى حالته بصلة، إلا أنه تأثّر بالرواية الحقيقية التي يستند إليها الفيلم: قصة إيراني ظلّ محتجزاً طوال 18 سنة في مطار شارل ديغول في باريس. يخبر منصور: {شعرتُ بأن تلك الشخصية في الكتاب أقرب إليّ من توم هانكس في الفيلم}.إلى الحرية
يضحك منصور اليوم بسبب أزمته تلك لأنه حُرر أخيراً. فبعد حملة قادتها منظمة العفو الدولية، وصلت أصداء قصته إلى أستراليا التي وافقت على منحه اللجوء، فسُمح له أولاً بمغادرة مطار أتاتورك والتوجه إلى معسكر اعتقال تركي، قبل أن يُرحّل أخيراً إلى أستراليا في مطلع شهر يونيو.انتُقدت أستراليا بسبب سياسة اللاجئين الواسعة التي اعتمدتها، حتى إن الخبراء المتخصصين في مجال الصدمات دانوا {فظاعة} نظام الاعتقال في هذا البلد. كذلك أخفقت الحكومة الأسترالية في الوفاء بوعدها واستقبال 12 ألف لاجئ سوري.ولكن بالنسبة إلى هذا اللاجئ السوري، أستراليا عادلة ومنصفة. يقول: {كنت في تركيا البعيدة جداً عن أستراليا. ولكن عندما علموا بحالتي، حاولوا مساعدتي}.
قرّر بعد ثلاثة أشهر شراء جواز سفر مزوّر وحجز على متن رحلة متوجهة إلى ألمانيا