مدينة الحسكة السورية.. لماذا يتقاتل عليها قوات النظام والأكراد؟

نشر في 24-08-2016 | 14:56
آخر تحديث 24-08-2016 | 14:56
مقاتل كردي يرمي طلقات نارية تجاه نصب باسل الأسد
مقاتل كردي يرمي طلقات نارية تجاه نصب باسل الأسد
تقاسم الأكراد والنظام السوري السيطرة على مدينة الحسكة منذ العام 2012، إلا أن المعارك الأخيرة انتهت بتمكين الأكراد لتواجدهم في هذه المدينة الاستراتيجية لينحصر حضور الحكومة السورية فقط في مؤسساتها الرسمية.

وتعد المعارك التي اندلعت في 17 أغسطس ودامت طوال أسبوع الأعنف بين قوات النظام والمقاتلين الأكراد منذ بدء النزاع قبل خمس سنوات، حتى أن دمشق لجأت للمرة الأولى إلى شن غارات ضد مواقع الأكراد.

لماذا وصل التصعيد بين الطرفين إلى هذا الحد؟

كانت مدينة الحسكة مقسمة بين الأكراد الذين يسيطرون على ثلثي المدينة، وقوات النظام في الجزء المتبقي منها، إلا أنه وخلال المعارك الأخيرة تمكن المقاتلون الأكراد من التقدم وباتوا يسيطرون على 90 في المئة منها، فيما انحصر تواجد قوات النظام على المؤسسات الحكومية في وسط المدينة.

وسكان مدينة الحسكة هم 55 في المئة من العرب مقابل 45 في المئة من الأكراد، وفق تقديرات الخبير في الشؤون والجغرافيا السورية فابريس بالانش.

وانتهت المعارك الثلاثاء بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار برعاية روسية نص، وفق ما أعلن الأكراد، على «انسحاب القوات المسلحة من المدينة، وتسلم وحدات حماية الشعب الكردية مواقعها إلى قوات الأمن الداخلي (الكردية) الأسايش»، لينحصر تواجد الشرطة المدنية التابعة للنظام في منطقة المربع الأمني، حيث يقع مبنى المحافظة.

ويفوق من قبل المعارك الأخيرة عديد القوات الكردية في مدينة الحسكة عديد قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها.

وتتضمن القوات الكردية كل من وحدات حماية الشعب الكردية التي تعد بمثابة «جيش الأكراد»، وقوات الأسايش وهي بمثابة «جهاز الشرطة والمخابرات».

أما من جهة النظام، فتنتشر في الحسكة أساساً قوات الدفاع الوطني، وهي عبارة عن مقاتلين عرب موالين للحكومة السورية، فيما يقتصر تواجد القوات النظامية على بعض الحواجز والمؤسسات الحكومية.

دعم أميركي

تدعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية إذ تعتبرها القوة الأكثر فعالية في مواجهة تنظيم داعش، وتُشكّل الوحدات حالياً العمود الفقري لقوات سورية الديموقراطية التي تُحظى بدعم جوي من التحالف الدولي وتمكنت من طرد المتطرفين من مناطق عدة.

وبالإضافة إلى الدعم الجوي، أرسلت واشنطن عشرات العسكريين على الأرض لدعم الأكراد في معاركهم ضد تنظيم داعش.

وسارعت واشنطن بعد القصف الجوي السوري ضد الأكراد إلى تحذير دمشق من شن غارات تعرض سلامة مستشاريها العسكريين العاملين مع الأكراد على الأرض للخطر، حتى أنها تدخلت للمرة الأولى لحماية مستشاريها من الطائرات السورية عبر ارسال مقاتلات، من دون أن تحصل مواجهة بين الطرفين.

وعلى الجانب الثاني، تُعد روسيا أحد الداعمين الرئيسيين سياسياً وعسكرياً لدمشق، وهي تقدم الغطاء الجوي للجيش السوري منذ نهاية سبتمبر، لكنها تحتفظ في الوقت ذاته بعلاقات طيبة مع الأكراد.

ومنعاً لتدهور الأمور أكثر، رعت روسيا المفاوضات بين الطرفين التي انتهت باتفاق وقف إطلاق النار.

أما تركيا وللمرة الأولى منذ بدء النزاع السوري، تحدثت بايجابية عن عمل قام به النظام السوري وهو شن الغارات ضد المقاتلين الأكراد.

وتصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، وذراعها السياسي حزب الاتحاد الديموقراطي، مجموعات «ارهابية» وتعتبرهما جزءاً من حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً ضدها.

أهمية اقتصادية

تقع محافظة الحسكة في شمال شرق سورية، وتحدها تركيا من الجهة الشمالية والعراق من الجهة الشرقية.

ولهذه المحافظة أهمية اقتصادية كونها كانت الموّرد الأساسي للقمح في سورية، كما تشتهر بزراعة القطن، فضلاً عن الحقول النفطية التي تتركز في ريفها الجنوبي.

ويقول الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير اوغلو «من وجهة نظر الأكراد، تعد الحسكة مركزاً إدارياً لهم فضلاً عن موقعها الاستراتيجي لحماية المنطقة الكردية (حيث الإدارة الذاتية الكردية)».

ويُسيطر الأكراد على الجزء الأكبر من المحافظة، فيما تسيطر قوات النظام على عدد من القرى ذات الغالبية العربية في محيط مدينتي القامشلي والحسكة، ويتواجد تنظيم داعش في الريف الجنوبي الحدودي مع محافظة دير الزور.

ويقول مصدر مقرب من النظام «أن خسارة السلطة المركزية (في دمشق) لمحافظة استراتيجية في سورية، محاذية للمناطق ذات الغالبية الكردية في تركيا والعراق، من شأنه أن يعزز طموحات السوريين الأكراد بالحكم الذاتي إن لم يكن بالاستقلالية».

تهميش

يُشكل الأكراد حوالي 15 في المئة من سكان سورية، وقد عانوا من التهميش من السلطة المركزية على مدى عقود قبل اندلاع النزاع في العام 2011، إذ أن فئة كبيرة منهم محرومة من الجنسية السورية، كما كان يمنع عليهم تعلم لغتهم أو الكتابة بها أو أحياء تقاليدهم مثل احتفالات عيد النوروز.

ومنذ اندلاع النزاع، حاول الأكراد تحييد أنفسهم عن النظام والفصائل المعارضة المقاتلة على حد سواء.

ومع اتساع رقعة النزاع في العام 2012، انسحبت قوات النظام تدريجياً من المناطق ذات الغالبية الكردية محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات في المدن الكبرى.

وأعلن الأكراد على الأثر إقامة إدارة ذاتية موقتة في مناطق كوباني وعفرين (ريف حلب الشمالي والغربي) والجزيرة (الحسكة)، أطلقوا عليها اسم «روج آفا» (غرب كردستان)، وفي مارس الماضي، أعلنوا النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سورية.

ويُسيطر الأكراد حالياً، وفق فابريس بالانش، على 18 في المئة من الأراضي االسورية حيث يعيش ما يقارب مليونين نسمة.

ويسعى الأكراد إلى تحقيق حلم طال انتظاره بربط مقاطعاتهم الثلاث من أجل انشاء حكم ذاتي عليها على غرار كردستان العراق.

وفي سبيل ذلك، خاض الأكراد أعنف المعارك مع تنظيم داعش، كما عمدوا إلى تثبيت تواجدهم في محافظة الحسكة ومدينتي القامشلي والحسكة الرئيسيتين، ما ترجم بمواجهة قوات النظام.

back to top