الخطّاط التونسي عمر الجمني: الخطّ العربيّ «مظلوم» من أهله

نشر في 21-08-2016
آخر تحديث 21-08-2016 | 00:04
ألقى الخطاط التونسي عمر الجمني مظلومية الخط العربي على عاتق فناني الخط أنفسهم، مؤكداً أنه يعاني الظلم مقارنة بمجالات الفن التشكيلي الأخرى لأن الخطاط نفسه هو الذي يساهم في ظُلم مجال إبداعه من خلال عدم التعريف بهويته وتقديمه للمجتمع بشكل صحيح. ويطالب الجمني الخطاط بالقيام بدور تعريفي بهذا الفن التراثي.
«الجريدة» التقته على هامش مشاركته وتكريمه في ملتقى الخط العربي بالقاهرة، وأجرت معه الحوار التالي:
شاركت في ملتقى الخط العربي في دورته الثانية بالقاهرة أخيراً. ماذا عن هذه المشاركة؟

شاركت بثلاثة أعمال: صورتين لسورتين من القرآن الكريم وقصيدة شعرية لأبي القاسم الشابي. تقدمت بأسلوب مغاير لما هو معهود، فخرجت بشكل معاصر على محتوى النص التقليدي، محاولاً إبراز الآية التي سميت لأجلها السورة في إطار فني ولوني مناسب، كذلك القصيدة الشعرية بعنوان «شعري» للشابي، يحكي فيها عن شعره وقضيته معه. وأردت أن أقدم هذا العمل لنخبة من الخطاطين في مصر.

ما مسؤوليتك كخطاط في ما يتعلّق بالخط العربي؟

أن أتقدم بالنص الأدبي أو الشعري الحديث أو القرآني بأشكال معاصرة تعبّر عن المحتوى، ولا بد من أن يتمتع الخطاطون بهذا الفكر كي نطوِّر فن الخط العربي، إلى جانب ضرورة الحفاظ عليه كمادة تراثية وكلاسيكية، فبعد أن يتشبع الطالب بالمادة الكلاسيكية يصبح مسؤولاً في المرحلة التالية عن تطوير هذا الفن وتقديمه بشكل جيد.

ما رؤيتك للملتقى هذا العام؟

يضمّ الملتقى في الدورة الراهنة أعمالاً مهمة، متنوعة ومختلفة بين المعاصر والتقليدي الجميل، لذا يبدو المعرض مفتوحاً على الأساليب والأنواع كافة، من بينها الخطان العربيان «النسخ» و«الكوفي»... فضلاً عن الغزارة من ناحية كثافة العمل.

لديك كتاب في الخط بعنوان «لحن الكائنات» يجمع بين فني الخط والشعر عن أبي القاسم الشابي... فماذا عنه؟

قصائد أبي القاسم الشابي مليئة بالصور الجاهزة، فهو يقدّم مشاهده الشعرية بوضوح واضعاً القارئ في محيطه. استطعت إلى حد ما تحويل هذه الصور التي أساسها الحرف إلى مشهد بصري تشكيلي يعكس محتوى القصيدة، محافظاً على أصالة الخط من دون تشويه، وبهذا يكون للقصيد مشهده كاملاً.

تراث متجدد

ما أنواع الخطوط التي تنطلق منها في أعمالك؟

الخط المغربي بالدرجة الأولى لأنه يمثّل هويتنا وحضارتنا، أقدمه بأسلوب مبسّط تقليدي وغير معروف لدى معظم الجمهور الشرقي، ولكن في إطار حديث ومعاصر يتماشى مع ثقافة العصر من دون المساس به أو تشويهه، بوصفه تراثاً. كذلك لم يكن هذا الخط معروفاً في المشرق العربي، فحاولنا أن نقدم هذا الموروث الذي اكتسبناه وأن نطوره ونفتح له المجال في هذه المنطقة عموماً فوجد مكانه، لا سيما في السوق الخليجي، وسيواصل تقدّمه في بقية البلدان على قدر جهدنا وترجمتنا الفنية له.

لماذا يربط البعض الخط العربي بتركيا رغم الإسهامات الملحوظة في هذا المجال التي قدمها العرب؟

تركيا جانب رئيس في تطوّر هذا الفن على أساس أن الأتراك، في فترة ما، أجادوا وأتقنوا وحافظوا على الخط العربي في التراث العربي الإسلامي، وكان تأثيرهم كبيراً نظراً إلى أهمية أعمالهم، كذلك لديهم مدرسة مستمرة بين الماضي والحاضر، باعتبار أنهم تسلموا في فترة ما فن الخط العربي من العراقيين، ثم انتشر خطاطون كثر، ومن بينهم من قصد العراق أو مصر على غرار عبد العزيز الرفاعي، ثم جاء أحمد الكامل، وأثر هؤلاء الأساتذة في وسط الخطاطين.

ماذا عن الخطاطين المصريين؟

أخذوا هذه الخطوط التي تعود أساليبها إلى العثمانيين ولكن طوروها بأسلوبهم الخاص، فلمصر مدرستها العريقة، ومجموعة من الخطاطين من أمثال محمد حسني ومحمد علي مكاوي وعميد الخطاطين سيد إبراهيم.

كان لمصر تأثير قوي على مستوى الوطن العربي والإسلامي ككل عن طريق السينما والتلفزيون. في السبعينيات كنا نتابع في الأشرطة السينمائية وننظر إلى الجنريكات، وكان لكل شريط سينمائي خطه الخاص، من ثم هو تراث خطي موجود لا ننكره، ويشكّل أحد مصادر هذه الفن.

ثمة مصادر أخرى أخذناها من مصر، خصوصاً بعض الكتب التي تتناول الخط العربي، من بينها ما أنتجه الخطاط فوزي عفيفي، عرّفت بشكل عميق الخط العربي في مصر، إضافة إلى أعمال الخطاطين المصريين من بينهم محمد عبد الرازق سالم. كذلك حاول صنف آخر من الخطاطين أخذ هذه الأساليب وتطويرها، ومن بينهم: أحمد عبد القادر وعميد الخطاطين المعاصرين مسعد خضير وهو مبدع كبير، لأنه على غزارة أعماله لا نجد له لوحة تشبه الأخرى، كذلك شقيقه مصطفى خضير. عموماً، يتطلب الحديث عن الخط في مصر بحوثاً لأننا إذا أردنا أن نزيح الغبار عن الخط العربي سنجد الكثير مما نعمل عليه.

تأثير التكنولوجيا

يتخوّف كثر من تأثير التقنية الحديثة وضعف الاهتمام باللغة العربية على مستقبل فن الخط الذي ظلّ معطاءً لقرون... ما رأيك

يدوّن الخط العربي اللغة العربية بطريقة جميلة، لذا لا بد من توظيفه بشكل لافت مع اللغة التي تحتوي على الكلام. أما الأدوات التقليدية منها والمعاصرة والتكنولوجية الحديثة، فعندما نوظف الكمبيوتر في الخط العربي نجد وظيفتين: الوظيفة الأساسية هي ابتكار أنماط الخطوط سريعة الفهم عند القراءة ووضعها في سلم الكتابة، وهي أساليب مبتكرة ولها متخصصون. أما الوظيفة الأخرى فهي عندما نصمم لوحات بالخط العربي ويكون لدينا مشروع ورؤية مسبقة، ونوظّف في هذه الحالة الكمبيوتر ونطيعه للقيام بالمهمة، وهو في هذه الحالة عنصر إيجابي.

في تاريخ الدولة العثمانية لم يستعملوا الكمبيوتر في عمليات التكبير بل الهندسة، ولو توافر لديهم هذا الجهاز آنذاك لاستخدموه. إذاً، الكمبيوتر قطعة ذهبية لا بد من أن نحسن الاستفادة منه ونفهمه ليتماشى مع مطالبنا.

الخط العربي والفنون الأخرى

يقارن الجمني الخط العربي بغيره من الفنون مؤكداً أنه فن «مظلوم» من أهله، وأن الخطاط مطالب بالعمل عليه وبإبرازه ونشره. ويتابع أنه على المستوى الشعبي «نجد أعمالاً كثيرة منشورة، فيها الغث والسمين، حسب اجتهادات الخطاطين وتعاملهم مع السوق»، ولكنه يوضح في الوقت نفسه أن ثمة سوقاً فنية ثانية هي على قدر قيمة إنتاج الأعمال ورقيها ومستواها وموادها المستخدمة على الجانبين التقليدي الكلاسيكي أو المعاصر.

الجمني والخط العربي في تونس

الجمني من مواليد 1957 وحائز الجائزة التقديرية للجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري في تونس، وجوائز وتكريمات في مهرجانات وملتقيات فنية في تونس ومصر والمغرب والجزائر وقطر والعراق والإمارات...

يصنف الخط في تونس في نوعين، الخط المغربي هو جزء من تراثنا، والخط الكوفي القيرواني، بالتالي ثمة مدرستان في تونس: المدرسة التقليدية التي تمارس الخطوط التقليدية عموماً، والمدرسة المعاصرة التي وظفت الخطوط التقليدية بشكل معاصر وأدخلتها في الفنون التشكيلية.

back to top