Indignation ... هدوء باهت وقلق كبير

نشر في 17-08-2016
آخر تحديث 17-08-2016 | 00:00
ساره غادون ولوغان ليرمان في مشهد من فيلم «Indignation»
ساره غادون ولوغان ليرمان في مشهد من فيلم «Indignation»
لا تلائم روايات فيليب روث الشاشة الفضية، كما يدرك كل مَن جلس مذهولاً أثناء مشاهدة The Human Stain. شكّل Goodbye, Columbus عام 1969 مادة ناقدة مختلفة أكثر قوة. ولكن عندما تسعى للحد من المبالغة في الجدية، تزداد مصادر روث أكثر غموضاً
لا انفتاحاً. نتيجة لذلك، تحوّلت بعض الأعمال المستوحاة من كتاباته (مثل Elegy مع بن كينغسلي وبينيلوبي كروز) إلى قصص عن أسود مسنة تلاحق لبوات معقدة أصغر سناً، فضلاً عن أن معدي هذه الأفلام يُضطرون إلى بذل جهد إضافي لجعل الشخصيات تبدو بشرية.
لكن Indignation يشكّل استثناء مشجِّعاً. فقد مُثّل بإتقان، ويمتاز بلهجة جدية ذكية.

يجمَع عامُ 1951 في Indignation بين حالة من الهدوء الباهت والقلق الكبير. يستعد الشاب ماركوس مسنر، وهو ابن مثالي متفوق في دروسه يعيش مع والدته ووالده اللحام في نيوارك، لمغادرة كنف عائلته. كان أصدقاؤه وأقاربه يموتون في كوريا. إلا أن ماركوس يتلقى منحة تحمله على الانتقال لمتابعة دروسه في كلية وينزبيرغ الخيالية في أوهايو (اقتبس روث هذا الاسم من قصص شيروود أندرسون القصيرة)، التي تضم نحو 1500 طالب.

فيما كان ماركوس ذات ليلة في مكتبة الكلية، يلاحظ ساقاً تتدلى فوق كرسي على بعد بضع طاولات عن المكتب الذي كان يعمل وراءه. وكما هي الحال دوماً مع روث، تدمّر هذه الساق حياة ماركوس: إنها ساق أوليفيا هيوتون.

يعكس لقاؤهما الأول في مطعم فرنسي الأمل وقلة الثقة بالنفس. ويتحقق هذا الأمل جزئياً بعد ساعة في سيارة استعارها ماركوس من زميله في السكن. لكن ماركوس، الذي لم يقم علاقات مماثلة من قبل، يُصاب بالهلع ويتفادى أوليفيا. أما ماضيها الأليم، فيظهر لاحقاً. ونتيجة مواجهة حادة مع زملائه في السكن، يُضطر ماركوس إلى الانتقال إلى غرفة معزولة خاصة به في مساكن الطلاب، فضلاً عن أنه يتصادم بقوة مع عميد الكلية البشوش والمسيحي المتشدد.

يضم Indignation مشهداً رئيساً بين ماركوس، الذي يؤدي دوره لوغان ليرمان، والعميد كودويل، الذي يؤديه ممثل مسرح Steppenwolf المخضرم ترايسي ليتس. يشبه هذا المشهد في الفيلم مسرحيةً من فصل واحد تدوم 16 دقيقة وتؤدَّى ببراعة وإتقان عاليين. ففي صراع مدروس بدقة بين الآراء والطباع المختلفة، يدافع ماركوس عن إلحاده (مع أنه يهودي) في وجه استهزاء العميد وإهاناته المبطنة. ومع ليتس وعباراته الدقيقة إلى أبعد الحدود، تتحول هذه الشخصية النافذة إلى مثال لكل ما هو سفيه في الولايات المتحدة نحو منتصف القرن الماضي: دولة أميركية تحارب الشر في الداخل والخارج، على حد تعبير إحدى الشخصيات.

يبرع ليرمان في دور ماركوس، عاكساً بمهارة مبادئه وعناده. ولا تقلّ عنه ساره غادون في دور أوليفيا مهارة. صحيح أن شخصية ماركوس تبدو مثالية، ولكن من وجهة نظر روث تشكّل لوحة تنتظر مَن يكتب قصته عليها، وأوليفيا هي الشابة التي تقرر الكتابة عليها. على غرار كل أعمال روث، تتداخل هذه النماذج الرئيسة مع أنماط مستهلَكة ثم تعاود الخروج منها. ويحفل Indignation بتفاصيل كثيرة يمكننا مناقشتها. كان هذا الكاتب الغزير الإنتاج في الخامسة والسبعين من عمره حين نشر كتابه هذا. وقد رجع في هذه الرواية الخيالية إلى حقبة من حياته تسبق بقليل صدور مجموعة روث Goodbye, Columbus عام 1959. كذلك ينجح شاموس في الحفاظ طوال هذا الفيلم على جو حذر من الطاقة المكبوتة بعيداَ عن الملل. فتتجلى أمام المشاهد هذه الحقبة الزمنية وأزمات ماركوس من خلال سلسلة مشاهد تضم شخصين أو ثلاثة أشخاص، وخصوصاً والدَي ماركوس، زملاءه في السكن، وأوليفيا، تلك الفتاة الشقراء التي تحمل ندبة على معصمها.

علاوة على ذلك، لا يسعى جاي وادلي من خلال موسيقاه الوترية القوية إلى إضفاء جو مميز على Indignation فحسب، بل يحاول جاهداً جعله مميزاً على نحو كوني شامل. ولكن مع سن ماركوس ومع الحقبة التي كتب عنها روث ونجح شاموس في إعادة تصويرها ببراعة في عمله الإخراجي الأول، يتخطى كل ما يرتبط بالموت والعلاقات الحميمة تلقائياً حدود الشمولية. لا عجب في أن هذا الفيلم يحقق نجاحاً يفوق كل الأعمال السابقة المقتبسة من كتابات روث. تصبح كل هذه الشوفينية المتغطرسة منطقية عندما تكون الشخصيات في طور الانتقال من مرحلة الفتية والفتيات إلى مرحلة الرجال والنساء. وعلى غرار الموسيقى التي تصدح من أجهزة الراديو عام 1951، كان أمراً خطيراً على وشك أن يقع.

back to top