«المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث»

رحلة توثيقية في كنوز الفن التشكيلي اللبناني

نشر في 09-08-2016
آخر تحديث 09-08-2016 | 00:04
تعويضاً عن النقص في عدم وجود متحف للفن الحديث في لبنان، أطلقت وزارة الثقافة بالتعاون مع جامعة الألبا «المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث» الذي يضم أكثر من 800 لوحة ومنحوتة لفنانين يشكلون نسيج لبنان، ويسمح بجولة افتراضية كاملة على كنوز من المجموعات الفنية اللبنانية، ووضعها في متناول العالم لإبراز مساهمة لبنان في الحضارة، ويخوّل الاطلاع على الحركة التشكيلية اللبنانية ومساراتها عبر عشرات السنين من خلال مقتنيات وزارة الثقافة.
الهدف الرئيس من المتحف دعوة اللبنانيين إلى التجذر في أرضهم التي شهدت إبداعات تخطت حدود لبنان، ونشر ثقافة اللون والخط في مرحلة يسيطر فيها الظلام وثقافة الموت، والارتقاء بالإنسانية إلى آفاق أرحب.

يجمع المتحف مختلف التيارت الفنية الحديثة بالإضافةْ الى نصوصِ وتَّـرَاجِمْ بالعربية والفرنسية والانكليزية، وستُضاف قريباً الإسبانيةْ لإيصالِ المضمونْ الى أكبرِ عددٍ ممكنْ من الجالياتِ والشعوبْ...

يشكّلُ هذا المتحفُ الافتراضيْ، بحسب وزير الثقافة ريمون عريجي، ذاكرةَ توثيق للفن اللبنانيْ، في مراحل اختمارِهِ، ويبرُز تفاعلَ الفنانينْ اللبنانيين، مع تجاربِ الفنِ العربي الأوروبي والعالمي عموماً، وقد أفرد حيّزاً لأعمالِ فنانينَ واعدينْ، ايماناً بدورِ الطاقاتِ الشابةْ في تجديدِ المسيرة الفنيةْ، فضلا عن تخصيص زاوية للمقتياتِ الفنيةْ، الخاصة بالأفراد، الراغبينَ بعرضِ كنوزِهم من رسم ونحت، كفعلِ شراكة بين المواطن والدولة في تحسّسِ المسؤوليةْ للخير العام.

أقسام وتوثيق

يتضمن المتحف أربعة اقسام: قبل 1960، بين 960 و1970، بين 1970 و1980، بعد 1980، توثق الحركة التشكيلية اللبنانية وتسمح للدارسين في هذا المجال بالاطلاع عن كثب وبالتفاصيل على انطلاق الفن في لبنان وتطوره عبر السنين في حلقات متصلة لم تنقطع وصولا إلى اليوم.

في خطوة هي الأولى من نوعها، تعاونت وزارة الثقافة مع جامعة الألبا، كشريك في مشروع طموح للمتحف الوطني، ما يدل على أن الاحتمالات لا تزال مفتوحة، رغم الظروف الصعبة، أمام ذوي النوايا الحسنة الذين يعكسون ما يجب ان تكون عليه خدمة الدولة وخدمة المواطن.

يذكر أن جامعة الألبا، تحمل، منذ إنشائها عام 1937، شعلة فنون المسرح والفنونِ التّشكيليةِ والهندسةِ، وبعدها الفنون الزّخرفية والسينما والتّنظيم المدنيّ. وهي شاهدة على تطور الفنون في لبنان وحول العالم.

الفن التشكيلي اللبناني

بدات الحركة التشكيلية في لبنان في نهاية القرن التّاسع عشر، واقتصرت على رسم بورتريه لرجال دين وشخصيات سياسية واجتماعية، فضلا عن رسم مشاهد طبيعية، ضمن أساليب كانت سائدة آنذاك من بينها: الكلاسّيكيّة والانطباعية والواقعيّة... ومن ابرز الفنانين في تلك الفترة:

حبيب سرور (1860 – 1927) وداود القرم (1854 – 1930) وخليل الصّليبي (1870 – 1928)… كذلك برز الفنان يوسف الحويك بفن النحت، ويعتبر الرائد المؤسس له.

بعد ذلك كرّت السبحة، وسرعان ما اتسع نطاق الفن التشكيلي وشهد نتاجات ضخمة حاكت الحياة اللبنانية بعاداتها وتقاليدها، ومن بين الرسامين في تلك الفترة: مصطفى فرّوخ، قيصر الجميل، عمر الأنسي، وفي النّحت الأخوة ميشال بصبوص ويوسف بصبوص وألفرد بصبوص...

ساهمت الأكاديمية اللبنانية للفنون (الألبا) بشكل مباشر في تعزيز الحركة التشكيلية في لبنان وتطويرها، إذ خرجت مجموعة من الفنانين ووفرت لهم سبل السفر إلى الخارج للتخصص والاطلاع على الحركة التشكيلية العالمية، ولدى عودتهم إلى لبنان، في خمسينيات القرن العشرين، أقاموا معارض فنية وساهموا في تأسيس جمعيّة الفنّانين اللبنانيين للرّسم والنّحت...

في ستينيات القرن الماضي، عاشت الحركة التّشكيليّة اللبنانيّة ازدهاراً وانتشرت معارض الرسم والنحت، وبالتوازي مع هذا النشاط تأسس معهد الفنون في الجامعة اللبنانية، فضخ دماً جديداً في شريان الرسم والنّحت والزّخرفة والهندسة التّجميليّة والهندسة المعماريّة…

مع انفتاح لبنان على العالمين العربي والأجنبي تأثر الفنانون اللبنانيون بالتيارات الفنية العالمية، وبدا ذلك واضحاً في نتاجاتهم، فوسعوا آفاقهم وأدخلوا أبحاثاً تجربيبية وفلسفية إلى فنهم، ودخلوا في حوار مباشر وغير مباشر مع محيطهم، فعكست أعمالهم الواقع وتفاعلت معه.

شكلت الحرب التي عصفت بلبنان على مدى 15 سنة نقطة تحوّل في الرسم التشكيلي في لبنان وفي الفنون عامة، وسيطرت على اللوحات الألوان القاتمة والخطوط التائهة المقتلعة من جذورها، لكن رغم هذا الظلام، تركت بعض اللوحات مجالا للضوء في زاوية منها إيماناً منها بأن لبنان سيُبعث من جديد من تحت الدمار.

في مراحله كافة ورغم تأثرة بالتيارات العالمية، حافظ الرسم التشكيلي اللبناني على هويته الخاصة وابتكر مدارس خاصة تغتني بتجارب الآخرين وتتفاعل معها، لكن يبقى انتماؤها إلى الأرض، وتمتزج فيها التجارب والرؤى، وتخرج خلاصات فنية غنية وجهت المسار التشكيلي نحو آفاق رحبة غير محدودة بمكان أو زمان، ما ساهم في انطلاق الفن التشكيلي في العالم وتحقيقه حضوراً فاعلا فيه.

في خطوة هي الأولى من نوعها تعاونت وزارة الثقافة مع جامعة الألبا في مشروع طموح للمتحف الوطني

مع انفتاح لبنان على العالمين العربي والأجنبي تأثر الفنانون اللبنانيون بالتيارات الفنية العالمية
back to top