Zero Days... يعكس حجم أضرار حروب الإنترنت

نشر في 03-08-2016
آخر تحديث 03-08-2016 | 00:02
No Image Caption
يشير عنوان فيلم Zero Days، الذي يشكّل لمحة ذكية يقدّمها أليكس غيبني عن عالم حروب الإنترنت العالمية الخفي، إلى ما يُعرف بـ”الهجوم دون انتظار”، هجومٍ يستغل ثغرة أمنية في برامج أو قطع إلكترونية ولا يسمح للمدافع باتخاذ أي خطوة. لكن هذا العنوان يحمل أيضاً معنى أساسياً أقل ارتباطاً بالتكنولوجيا. فينجح فيلم غيبني الوثائقي هذا في التأكيد أن المستقبل صار بين أيدينا، وأن ما يخبئه لنا مخيف بقدر ما يبدو تجنبه مستحيلاً.
بشعور من الإلحاح الشديد الذي يتباطأ أحياناً بسبب الكم الهائل من البيانات والشهادات، يبني Zero Days رؤية افتراضية عن حرب عالمية شاملة تُخاض بعيداً عن أنظار الشعوب وقدرتها على المحاسبة. ولكن في ساحة المعركة الخفية الجديدة هذه، قد تنهار حضارات كاملة من دون سابق إنذار. فتتفكك بناها التحتية بهدوء من الداخل بسبب فيروسات كمبيوتر تعمل بسرعة مخيفة وطريقة لا يمكن تتبعها.

ينجح فيلم غيبني في الانتقال بين المواضيع وأنواع السرد بذكاء سلس ومرن. فيُعتبر Zero Days في آن واحد فيلم تشويق جيو-سياسياً مذهلاً بحق، تاريخاُ دقيقاً عن برنامج إيران النووي، خلطة من الأحرف تكشف الرموز التي تستعملها الحكومات، تغطية مفصّلة لكيفية عمل البرمجيات الخبيثة، وتجربة لا تُضاهى في الشكل السينمائي تمتحن قدرة بعض المشاهدين على تحمل خطوط الشفرات التي لا تُخترق والتي تتدفق على الشاشة.

هدف الفيلم الرئيس تقديم دراسة معمّقة عن ستاكسنت: دودة الكمبيوتر المعقدة التي يُعتقد أن وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وإسرائيل (مع أن كلا البلدين لم يقرا بتورطهما فيها) طورتها بغية استهداف أجهزة الطرد المركزي النووية في إيران. نظراُ إلى هدف ستاكسنت المحدد، ما كان العالم ليعرف بوجود هذا الفيروس، لو لم يتسرب خطأ وينتشر في الشبكات حول العالم (ظهر للمرة الأولى في روسيا البيضاء عام 2010).

لكن رفض المسؤولين الحكوميين التحدث رسمياً عن هذا الفيروس يتحوّل في هذا الفيلم إلى محور متكرر مضحك إلى حد ما، حتى إن Zero Days ينتقل في بعض أجزائه إلى التركيز على مدى استحالة إعداد فيلم وثائقي عن ستاكسنت.

إلا أن هذا الصمت المطبق لا يُضحك غيبني، الذي نسمع صوته أحياناً في الخلفية، بل يشعره باستياء عارم. لذلك يشن الفيلم هجومه القوي على ثقافة السرية التي تسمح للولايات المتحدة ودول أخرى بالعمل من دون حسيب أو رقيب، ما يدفع أعداءها إلى الرد بشن هجمات مضادة عبر الإنترنت.

يدور الحوار بسلاسة أكبر عندما تُسلَّط الكاميرا على مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” ديفيد إ. سانجر، الذي يقدّم خلاصة عن مقالاته التي تناول فيها ستاكسنت وكيفية نشرها خلال عهد أوباما.

تؤكّد هذه المعلوماتِ بتفصيل كبير مصادرُ مجهولة عدة في وكالة الأمن القومي تؤدي تصريحاتِها بحرفية كبيرة الممثلةُ جوان تاكر، التي يُعدَّل صوتها ومظهرها رقمياً بإتقان مخيف ومبتكر. فتعكس روايات هذه المصادر الناقدة (تبدو تاكر من خلال نبرتها كمن يدعو المشاهد إلى محاولة مجاراته) قدرة وكالة الأمن القومي على العمل بمهارة وسرية داخل إحدى أهم الشبكات في إيران وأكثرها تحصيناً. فقد أدى افتخار هذا البلد ببرنامجه لتخصيب اليورانيوم إلى تأليف أغان وطنية تروّج له ونسمع بعضاً منها في بعض مشاهد الفيلم الأكثر غرابة.

بالإضافة إلى ذلك، يقابل غيبني في هذا الفيلم محققَين إلكترونيين من شركة Symantec، هما ليام أومورتشو وإريك شيان. يعجز هذان الخبيران عن إخفاء إعجابهما، فيما يروحان يصفان ستاكسنت. ويؤكدان أن هذه الدودة أُعدّت على مستوى دول نظراً إلى تعقيدها المذهل، تطورها الكبير، واختلافها شبه التام عن الفيروسات الأخرى. ولكن كيف يمكن لدودة بالغة الخبث أن تشكّل مصدر جمال؟ يبلغ Zero Days ذروة إبداعه عندما يفصّل بدقة عملية انتقال شفرة معقدة عبر الكوكب، تفحصها عدداً كبيراً من الأنظمة، وامتناعها عن إطلاق كامل قوتها إلى أن تعثر على هدفها. فتعمل هذه الشفرة بسرية ودقة كما لو أنها ملاك موت إلكتروني.

تخصيب اليورانيوم

لا مجال لمقارنة فيروس يمحو قرصاً صلباً بآخر يستطيع تخريب عملية ميكانيكية مثل تخصيب اليورانيوم (أو يعطّل شبكة الكهرباء في بلد بأكمله أو يخرّب أنظمته الدفاعية). يشكّل هذا النوع الأخير من الفيروسات كابوساً يخيف مجتمعات برمتها. ويشدد الفيلم في إحدى مراحله على هذه النقطة بعرضه صورة بالون يفقع إلى جانب سحابة عيش الغراب المشتعلة. لا تُعتبر هذه المرة الأولى التي يعتمد فيها غيبني على المساعدات البصرية التوضيحية (أو على ألحان موسيقى ويل بايتس التي تنبئ بالخطر) ليكسر وتيرة الكلام الجاف إنما الواضح في أفلامه الوثائقية الشاملة دوماً.

لا يغالي Zero Days في تقييمه القاتم لرد الولايات المتحدة على برنامج إيران النووي، وخصوصاً دوري الرئيس باراك أوباما والرئيس السابق جورج بوش الابن في شن حرب إلكترونية سرية لا تنفك تزداد تعقيداً وتضاعف باستمرار خطر مواجهة رد أكثر عنفاً. ولكن من الضروري ألا ننسى أيضاً دور إسرائيل المزعوم في نشر ستاكسنت واغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين في السنوات الماضية (كما شاهدنا أخيراً في فيلم وثائقي تلفزيوني يعيد تمثيل عمليات الاغتيال هذه).

عُرض Zero Days للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي في شهر فبراير، بعد يوم واحد من نشر “نيويورك تايمز” أن الولايات المتحدة وضعت خططاً لشن هجوم كبير عبر الإنترنت على إيران يُدعى Nitro Zeus، في حال أخفقت صفقة عام 2015 النووية.

لكن مشاهد الفيلم التي يظهر فيها أوباما وهو يعلن بفخر التوصل إلى صفقة (استخف بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ورفضها) لا تهدف إلى طمأنتنا. على العكس، عندما تبلغ هذه المرحلة من Zero Days، تكون قد كوّنت فكرة واضحة عن الأسلحة التي استُخدمت للتوصل إلى هذه النتيجة وعن الغايات المريعة بكل معنى الكلمة التي قد تُستغل في تحقيقها في المستقبل.

الفيلم ينجح في الانتقال بين المواضيع وأنواع السرد بذكاء سلس ومرن
back to top