الأديبة اليمنية الدكتورة نادية الكوكباني:

الأدب في اليمن يواجه دوي العنف وصخب السياسة

نشر في 03-08-2016
آخر تحديث 03-08-2016 | 00:04
طغى صوت السياسة ودوي العنف على الصوت الأدبي والثقافي في اليمن، خلال الفترات الأخيرة، غير أن الأديبة اليمنية نادية الكوكباني لم تتأثر وواظبت على الكتابة، ومضت بكل عزيمة في مشروعها من دون التفات إلى الوراء -حسبما تقول - ولذلك يقبل المجتمع هذه العزيمة بإعجاب ولا يجد في النهاية من حل سوى الاعتراف بدورها، مضيفة أن الحريات العربية تعاني القيود وعدم فهمها إن وجدت.
حول روايتها الأخيرة «صنعائي» ومسيرتها وأعمالها والمشهد الثقافي والأدبي اليمني كان هذا الحوار:
أخبرينا عن روايتك الأخيرة» صنعائي».

«صنعائي»، هي روايتي الثالثة، أتناول فيها مرحلة مهمة في تاريخ اليمن الحديث، وهي مرحلة حصار مدينة صنعاء في نهاية الستينيات، وتداعيات المرحلة على أبطال الرواية وأثرها عليهم، وأعتبر رواية «صنعائي» نشيداً وعشقاً لمدينة صنعاء، ووفاء لأولئك الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عنها من دون مقابل أو مصلحة شخصية، إلا حب تلك المدينة التي كانت لهم أملا في الحياة وفي المستقبل، من خلال ذلك المزيج السردي لصنعاء المدينة والتاريخ والمجتمع والعمارة والفنون، عبر عشق بطلة الرواية لتلك المدينة التي لم تعش فيها، ولديها عطش لاكتشافها ومعرفة أدق تفاصيلها لترتبط حكايتها مع حكايات الجدات وأساطير المدينة وخبايا أهلها بين الجدران وأعطاف الأزقة.

ما دلالة اختيار اسم «صنعائي» وأنت من مدينة تعز؟

ولدت في مدينة تعز، ومدينتي الفعلية هي كوكبان، وعشت حياتي في صنعاء، فهي «صنعائي» والياء هنا للملكية، إنها «حقي» كما أراها وهكذا أريد تقديمها للعالم، مدينة الحياة النابضة والناضحة بالحب والتاريخ من كل أرجائها.

القارئ لروايتك يجدها أقرب إلى سرد تاريخي لمدينة صنعاء وبعض معالمها وتاريخ أماكنها لماذا؟

صحيح، والسبب هو أنها مدينة متفردة في العالم، وثمة تعطش لتاريخها ولمعرفة معالمها المهمة، تماما كما عرفنا عن مدن كثيرة من خلال الروايات، كالقاهرة وغرناطة وليننغراد وباريس في أعمال أدبية متميزة، أردت أن تكون صنعاء إضافة إلى تلك المدن، هذا كان أصعب شيء واجهته في كتابة الرواية، كيف أصف التاريخي بقالب أدبي يخترق أحداث الرواية ويصبح جزءاً من نسيجها.

هل استخدامك أصوات سردية «صبحية وحميد» لكسر الرتابة السردية بالرواية وكيف استطعتِ ذلك؟

اعتمدت بنية الرواية على السرد الذاتي للأبطال «صبحية وحميد»، تنفرد أصواتهما وتتداخل معاً في السرد، من خلال تقاطعهما في الأحداث أو تماسهما مع ذاتهما ومع ما يدور من حولهما، وحاولت، من خلال هذه البنية، أن أجعل القارئ يتماهى مع البطلين ويعتبرهما جزءا منه ومن مدينته ومن معاناته.

محاولات تجريبية

روايتك «حب ليس إلا» أقرب للتاريخ اليمني الحديث، على العكس من روايتك «عقيلات» التي تعد رواية اجتماعية تتحدث عن البيئة اليمنية بعاداتها وتقاليدها ومساوئها وقهرها لواقع المرأة فكيف ترين ذلك؟

هي محاولات مختلفة للتجريب في الموضوع وفي البنية وفي كيفية التناول والطرح وحتى في استخدام اللغة، وعن واقع المرأة أريد التأكيد أنني لم أتأثر بالنظرة السلبية لطروحات المرأة، وما أكثرها في مجتمع محافظ كالمجتمع اليمني، لكني مضيت بكل عزيمة في مشروع الكتابة ولم التفت إلى الوراء، ولذلك يقبل المجتمع هذه العزيمة بإعجاب، ولا يجد في النهاية من حل سوى الاعتراف بي وبعملي وبكياني المؤثر فيه.

كيف ترين المشهد الثقافي والأدبي اليمني حالياً؟

طغت السياسة على كل شيء للأسف الشديد، ورغم وجود إنتاج فردي للكُتًاب في مختلف المجالات الإبداعية إلا أنه لا يجد صدى على المستوى المحلي والعربي، ومع ذلك المشهد بخير لأن ثمة مقاومة حتى لو قليلة، هذا ما أراه، لكن كيف أقيّمه، فأنا استمتع بقراءة كل جديد وأتذوق نكهته اليمنية الخالصة، وأقرأ للنقاد تناولهم الأعمال بالتقييم الفعلي، لكن ذلك نادر والحركة النقدية ضعيفة في المشهد الأدبي اليمني.

هل ترين أن الحريات العربية ما زالت تعاني القيود؟

نعم للأسف الشديد، وتعاني عدم فهم لها إن وجدت، ويرى القارئ في فهمه لهذه الحريات أنها خارجة عن المألوف، لذلك يسمح لنفسه بأن يكون جلادا لا متذوقًا، ومتلصصاً لا محايدا، ومحدود الأفق لا تنويري الطرح والرؤية، متلقياً لا مساهماً في إحداث التغيير.

ما هو الأكثر تأثيرا عليك في المجال الأدبي: كتابة الرواية أم القصة القصيرة؟

كلاهما لهما التأثير نفسه، وإن كانت الرواية تأخذ معظم الوقت إلا أني مستمرة في كتابة القصة القصيرة.

نلتِ أكثر من جائزة، ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟

أؤيد وجود الجوائز الأدبية، وبالتأكيد تشكل الجائزة دليلا على المنتج الأدبي، إذا وجدت لجنة تحكيم همها الإبداع أولا وأخيرًا، لكن أصبح للجوائز في الفترة الأخيرة معايير أخرى جغرافية وسياسية، وهذا ليس معناه أن الأدب خارج الجوائز ليس إبداعياً، فثمة أعمال تفوق ما يعلن عنه في الجوائز.

اليمن من الدول التي مر بها ثورات الربيع العربي، فهل أثرت على النتاج الإبداعي.. هل نجح المبدعون في التعبير عنها في نتاجهم الأدبي؟

بالنسبة إلى اليمن، لم تنضج بعد في أذهان الأدباء فكرة الربيع العربي ليثمر في أعمالهم، ورغم وجود إرهاصات لأعمال صدرت، إلا أنه من المبكر تقييم هذا الإنتاج.

هناك من يرى أن هذه الثورات كشفت فشل النخبة المثقفة وتراجعها عن أداء دورها، ما رأيك؟

لست مع الحكم المطلق في هذا الجانب، لأنه يختلف من دولة إلى أخرى حسب وعي المجتمع وتقبله للتغيير، مثلاً في تونس النخبة المثقفة كانت الشعب التونسي الواعي لحقوقه ولأهمية التغيير في هذا الوقت، مصر خفت دور النخبة المثقفة وبرزت النخبة المدنية في المجتمع التي أثرت على من حولها، وفي اليمن للأسف فشلت النخبة المثقفة والمدنية وهذا أحد أسباب تدهور الوضع فيه.

البعض يرى أن مزاج القارئ العربي أصبح سياسياً أكثر منه أدبياً بسبب تلك الثورات، ما رأيك؟

صحيح، السبب أنه أصبح قارئاً ومشاركا في العمل السياسي في الوقت نفسه، وهي فرصة يجب ألا يفوتها ليضيف إلى رصيده المعرفي ويتفاعل بين ما يقرأه وبين ما يشاهده على أرض الواقع.

النقد سلاح ذو حدين ينظر إليه المبدع أحياناً بعين الريبة، ولا يتجاوز حد المواربة والمجاملة والانطباع العابر، ماذا عن النقد الأدبى في اليمن؟

الحركة النقدية في اليمن ضعيفة، وتكاد تكون غائبة عن المشهد الأدبي رغم غزارة الإنتاج الروائي في اليمن في الفترة الأخيرة، وبالنسبة إلي، النقد مهم للكاتب، لكن في حال غيابه يجب ألا يؤثر على إنتاجه، فثمة وسائل أخرى يمكن أن يثري بها تجربته ويطور بها أدواته، وفرتها له وسائل الاتصال الحديثة، أهمها التفاعل بين الكاتب والكاتب الآخر البعيد عنه جغرافياً، لكن الأعمال أصبحت متاحة للقراءة والنقد أيضاً عبر النت.

نص قصير

بدأت الدكتورة نادية الكوكباني مسيرة الكتابة بالنص القصصي القصير وأصدرت ثلاث مجموعات قصصية: « زفرة ياسمين»، «دحرجات»، «تقشر غيم»، وجمعتها كلها مع الكتابات النقدية حولها، وأصدرت «نصف أنف شفة واحدة» و»عادة ليست سرية».

نالت جوائز محلية وعربية في القصة القصيرة، وبعدها اتجهت إلى كتابة الرواية فأصدرت ثلاث روايات: «حب ليس إلا»، «عقيلات» و»صنعائي»، تحت الطبع الرواية الرابعة «سوق علي محسن».

ترى أنها كانت محظوظة ببيئتها الأسرية الدافئة التي تقول عنها: «كان مصدرها والدي رحمة الله عليه، وفر لي بيئة ثقافية خصبة في القراءات المختلفة ومتابعة الجديد وحرية الاختيار وتحمل المسؤولية فيما أقرأ، وأيضاً البيئة اليمنية من حولي محرضة على التفاعل معها لمن في يده مفاتيحها وكيفية استثمارها في العمل الأدبي».

الحركة النقدية غائبة تماماً عن المشهد الإبداعي

فكرة الربيع العربي لم تنضج بعد في أذهان الأدباء اليمنيين لتثمر في أعمالهم
back to top