Cafe Society... فيلم يضجّ بمشاعر الحنين

نشر في 01-08-2016
آخر تحديث 01-08-2016 | 00:03
جيسي أيزنبيرغ وبليك ليفلي
جيسي أيزنبيرغ وبليك ليفلي
لا ملاحظات كثيرة عن فيلم Cafe Society (مجتمع القهوة) لكن لم يعد وودي آلن منذ فترة ينتج أعمالاً مهمة من حيث الكتابة. بفضل الإضاءة الدافئة والمتوهجة التي ينشرها المصوّر السينمائي فيتوريو ستورارو عبر استعمال التقنية الرقمية، نشعر بأن الفيلم السابع والأربعين لهذا الكاتب والمخرج كلّف الملايين لعرض تلك الحقبة التي تبث مشاعر الحنين في نفوس المشاهدين بأسلوب آلن الخاص.
ماذا عن الحوار؟ تبدو قيمة الحوار متفاوتة في هذا العمل. لكن يبقى طاقم الممثلين مدهشاً، لا سيما جيسي أيزنبيرغ وكيرستن ستيوارت اللذين يقدمان أداءً تمثيلياً سلساً في مختلف مراحل الفيلم. بفضلهما سنتذكّر أن المزاح العادي والمشاعر المألوفة يمكن أن تنجح عبر لمسة مميزة وبسيطة وصادقة وعبر تقريب الصورة من الوجوه في الوقت المناسب.

يتألق الممثلون بملابس من فترة الثلاثينيات (تولّت سوزي بنزينغر التي اعتاد آلن على العمل معها اختيار ملابس الممثلين، واهتمّ سانتو لوكاستو بتصميم الإنتاج). قد يبدو هذا الجانب من العمل سطحياً لكن تحتل الأزياء أهمية كبرى، وتحديداً حين يتّضح لنا أنّ آلن كان يفكر بعرض مظاهر فخمة كي تهرب الشخصيات من واقعها أثناء تصوير Cafe Society (نوادي مانهاتن الليلية وحفلات هوليوود لتجاوز حالات الاكتئاب). اعترف آلن بأن المشروع فاق ميزانيته الأصلية واحتاج إلى مبلغ يتراوح بين 25 و30 مليون دولار، أي ما يفوق الميزانية التي اعتاد آلن على استعمالها في أفلامه السنوية.

ساد تناغم جميل بين ستيوارت وأيزنبيرغ في الفيلم الرومانسي Adventureland (أرض المغامرات) الذي تدور أحداثه خلال الثمانينيات، وقد أثبتا في مسيرتهما السينمائية اللاحقة نجاحهما رغم ضيق نطاق الأعمال، بفضل أداء تمثيلي من الدرجة الأولى. لكل ممثل حدوده. لكن بالنسبة إلى البعض، لا يكون التنوع المدهش هدفاً بحد ذاته أو نقطة قوة في الأداء. يتشابه أيزنبيرغ وستيوارت في تقنيتهما، فهما يتريّثان ويجيدان الإصغاء وينجحان في جعل المشهد مؤثراً وفي خرق لحظات الصراع أو المواجهة أو الكشف عن الحقائق بدرجة بسيطة من الصدق. لم يسبق أن ظهرا بهذا الشكل الفاتن بقدر ما يفعلان في هذه الكوميديا الجدية التي ابتكرها آلن وتدور أحداثها في عام 1936 داخل هوليوود ونيويورك الصاخبة والجامحة.

ترتكز القصة هذه المرة على ذكريات غابرة ومبعثرة تتمحور حول مثلث رومانسي ممتع سرعان ما يتحوّل إلى علاقة رباعية الأطراف. يغادر بوبي دورفمان (شخصية أيزنبيرغ) حي {البرونكس} كي يجمع ثروة في هوليوود، فيزور عمه (ستيف كاريل الذي يقدم دوراً مبتذلاً لكن بأداء غبر مبتذل). يقع بوبي في حب سكرتيرة عمه، فوني (ستيوارت)، فيغازلها بأداء صادق. تتحدث هذه الأخيرة عن حبيب بعيد لكنها تكذب لأنها عشيقة رب عملها. يبدو الشخص الذي يؤدي دوره كاريل متفاخراً لكن صادقاً ويتحدث دوماً عن احتمال ترك زوجته.

تغطّي هذه الأحداث خطاً سردياً واحداً في فيلم Cafe Society. أما الخط الآخر فيقع على الساحل الشرقي ويتعلق بكل ما تركه بوبي وراءه وما يجعله يعود إلى ماضيه في النهاية. يدير شقيق بوبي المنتمي إلى عصابة (كوري ستول) نادياً ليلياً ويعود بوبي لإدارته. تظهر بليك ليفلي التي تتصارع راهناً مع سمك القرش في فيلم The Shallows (المياه الضحلة) في هذا العمل بدور فرصة بوبي الثانية وزوجته الأولى. ثم تعود فوني إلى حياة بوبي ويخبرنا آلن بصوت الراوي بأن ذلك الشاب لم ينجح يوماً في نسيان حب حياته.

لا يمكن أن تكون مشاهد العصابات في فيلم Cafe Society أكثر سطحية وابتذالاً مما بدت عليه. وبالكاد تنجح المشاهد الكوميدية في إعطاء الأثر المنشود. لكن حين يؤدي الممثلون الأساسيون مشاهد المغازلة ويضفون طابعاً إنسانياً على أضعف المواد المكتوبة، يبدو الفيلم أكثر إقناعاً. إنها خلطة غريبة فعلاً. لن {نصدّق} شيئاً في هذا الفيلم بالضرورة لكن للاستمتاع بأي جزء منه، يجب أن نتناسى التساؤلات التي تراودنا عن سلوك آلن وراء الكواليس وتُهَم الاعتداء الجنسي التي تلاحقه لتقبّل فيلم Cafe Society بجميع شوائبه.

إنه الفيلم السابع والأربعون لوودي آلن خلال 50 سنة. لقد فقدتُ الأمل منذ فترة طويلة في أن يرغب آلن بطرح مواضيع عميقة. يتّكل فيلم Cafe Society على أساليب مقتبسة ويبدأ الفيلم بعبارة {لم أعرف كم كان الوقت حينها}! هل يظن آلن فعلاً أنه يبرع في بعض الحيل التي يمكنه تقاسمها مع المشاهدين؟ تبدو بعض السطور ركيكة جداً ويصعب أن نصدّق أنها وصلت إلى السيناريو النهائي!

يبدو تجسيد الحب الرومانسي في هذا الفيلم مألوفاً ويرتكز على المصادفة والتوقيت والحظ. قد تكون هذه الجوانب متوقّعة لكن يقع حدث مثير للاهتمام في النهاية، ليس على مستوى القصة بل أسلوب الطرح. يحصل تطور معقد يجمع ما بين الحلاوة والمرارة ويشبه ما نشاهده في نهاية فيلم Vicky Cristina Barcelona في مصعد المطار حين تتساءل الشابات عما أصابهنّ. يعترف آلن على ما يبدو بسلبيات التمسك بحب قديم وبث مشاعر الحنين الجاذبة. يبدو الفيلم جميلاً في الشكل (بفضل أسلوب آلن الإخراجي وليس كتاباته وبفضل أداء الممثلين) لكنه فارغ في المضمون. لا يكون {الفراغ} كافياً أحياناً!

back to top