شاعر الصحراء سالم الشهباني:

سيناء أرض الفيروز والبيئة البدوية عروس الشعر

نشر في 24-07-2016
آخر تحديث 24-07-2016 | 00:04
يعزو الشاعر الشاب سالم الشهباني نجاح مسيرته الأدبية التي تكللت حتى الآن بجائزة الدولة التشجيعية في مصر إلى بيئته البدوية، فهو يقطن في سيناء، ويكتب حسبما يقول: «عن جدتي النخلة التي ربيت في ظلها، وعن أمي اليمامة وأختي الغزالة، عن هؤلاء البدو الذين ربوني إلى جوار البئر صغيراً، عن عاداتهم وتقاليدهم عن السامر، والتحية، والكف، والمربوعة، هذه المراسم التي كان البدو يتجمعون فيها، ويرتجلون الشعر، ويحكون السير».
حول البيئة البدوية والجائزة ومسيرته وأعماله كان الحوار التالي معه.
حاز «سيرة الورد» اهتماما واسعا وإقبالا من القراء منذ فوزه بجائزة الدولة، ما تقييمك لذلك؟

بالطبع ألقت الجائزة الضوء على الديوان، وخلال الشهر الفائت زادت نسب توزيعه، كتبت فيه عن أهلي وبيئتي البدوية بكل تفاصيلها، عن غنائهم.. عن أفراحهم.. وحزنهم.. كل ما رأيته وتعلمته وشربته عن ظهر قلب صغيراً، وقد اخترت الكتابة باللغة العامية لأنها أقرب إلى بيئتي ونفسي، وصدر لي تسعة دواوين شعرية لغاية الآن، تقدمت أكثر من مرة لجائزة الدولة التشجيعية، في عام 2007 كان ديواني «السنة 13 شهر» ضمن قائمة الأعمال المرشحة للجائزة، وكان قريباً بعض الشيء من الحصول عليها، ولكن لم يحالفني الحظ، وظللت طول هذه الفترة أطوّر مشروعي الشعري، وأعمل بكل جهد لأكون جديراً بالحصول على الجائزة.

ما تأثير جذورك البدوية بسيناء، وكيف أفادتك على المستوى الإبداعي؟

البيئة البدوية غنية بكل تفاصيلها الثقافية، على سبيل المثال الشعر حاضر في كل هذه التفاصيل، في أغاني الأمهات لأطفالهن في المهد، في أغاني الأفراح، في جلسات قطع الحق في ما يعرف «بالمجالس العرفية»، في مواسم الرعي، في أغاني السامر والتحية، يعلّم الآباء أولادهم الشعر منذ الصغر، يربون فيهم الذائقة الفنية بشكل غير مباشر، أيضا كل التفاصيل الخاصة بعاداتهم وتقاليدهم التي لا يعرفها كثر، لذلك أعتبر نفسي سفيراً لهذه البيئة وصوتهم الذي به ينطقون حتى يعرفهم الآخر، منذ شرعت في كتابة قصيدة العامية حرصت على نقل بيئتي البدوية بتفاصيلها إلى القارئ الذي لا يعرف هذه البيئة، وهؤلاء البشر الذين يسكنون إلى جواره، كنت حريصاً على أن أصحح هذه الصورة التي تم تصديرها عنهم بالادعاءات الكاذبة.

بين ديوانك «سيرة الورد» والديوان السابق «الوداع»، وما هو الخط المشترك وأوجه الاختلاف بينهما؟

ديوان «سيرة الورد» هو السابق على «الوداع» وليس العكس، في الأول هذه السيرة الخاصة بالورد، وهذه الكلمة «الورد» تحمل معنيين: الورد أي الزهر، وقصدت هنا أني سوف أقدم سيرة عطرة وطيبة عن أهلي هؤلاء البدو الذين عانوا التجاهل والادعاءات الكاذبة، والورد أي من يورد البئر، هذا الأب الذي يورد البئر ليملأ المياه لأطفاله الصغار، ويربيهم تحت هذه السطوح الغاب والجدران ذات الطوب اللبن، يربيهم بكرامة وعزة نفس، قدمت من خلاله «مانفيستو» عن حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل فني، وتعبير صادق، أعتبر نفسي هذا الحادي الذي أنشد وغنى عن أوجاعهم وأفراحهم، عن حياتهم وواقعهم الذين يعيشونه.

مستقبل العامية

صدر لك تسعة دواوين، كيف تقيّم رحلتك الأدبية، وما التغيير الذي طرأ عليها؟

هي رحلة طويلة أخلصت خلالها للشعر، وأخلص لي، كان رفيقي وظلي الذي لم يفارقني، كان الجسر الذي أعبر من خلاله إلى كل من أحب، أعاتبهم، أغني معهم وأنتشي فرحاً، وأرقص في وجعهم مثل طير من شدة الألم، أظن أن ما تغير هو تطوّر قصيدتي أكثر واتضاح ملامح مشروعي الشعري أكثر.

كيف ترى مستقبل قصيدة العامية في مصر بعد فؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودي وأحمد فؤاد نجم وبيرم التونسي وغيرهم، وماذا أضاف جيل الشعراء الشباب إلى شعر العامية؟

حداد، وجاهين، وبيرم، والأبنودي، ونجم، وقاعود، وسيد حجاب، وماجد يوسف، هؤلاء هم الآباء الشرعيون لقصيدة العامية المصرية، والرواد وأول من خط، فيما يعرف بقصيدة العامية المصرية، وإن كانوا هم أبناء شرعيين أيضاً للموروث الشعبي، هم أباؤنا الذين فتحوا أمامنا الباب ومهدوا الطريق وأعطوا شرعية لقصيدة العامية المصرية، هم من حملونا فوق أكتافهم وجعلونا نرى الحياة بشكل أوضح، جعلونا نعبّر عن واقعنا من دون خوف أو محاباة، هم أبناء شرعيون للموروث الشعبي، عبروا عن واقعهم وقضاياهم بكل صدق وبأسلوب فني غاية في الإدهاش، وتركوا لنا ميراثاً كبيراً من قصيدة العامية المصرية، ونحن نعبر عن واقعنا وبأدواتنا وبمشاريعنا الخاصة التي تشبهنا وتشبه قضايانا وواقعنا.

ماذا ينقص استكمالك لمشروعك في شعر العامية؟

ينقصني التفرغ بشكل تام، وهذا أيضا إن لم يتحقق في ما بعد، لن يمنعني، سوف أمضي قدماً نحو مشروعي، لكن الضغط دون التفرغ سيكون أكبر، خصوصا أن الشاعر في بلادنا يعاني كثيراً ليجد قوت يومه، وليوفر لأهله وأطفاله معيشة كريمة.

شعراء كثر تحولوا إلى كتابة الرواية لما لها من حضور عربي، هل روادتك تلك الفكرة؟

بالطبع، لا أرى مانعاً من أن يكتب الشاعر رواية إذا كانت لديه القدرة، لأنه في النهاية كاتب، ولا يوجد هذا الفارق الحاد بين الشعر والرواية.

بماذا تفسر سيطرة الرواية على المشهد الإبداعي بهذا الشكل على حساب الشعر؟

ما صنع هذا هو وجود مسابقات عالمية وعربية ومحلية تخص هذا النوع الأدبي، ما جعل كثراً يلجأون إلى كتابته، وفي النهاية لا أرى مشكلة إذا كان لدى الكاتب قدرة على كتابة هذا النوع الأدبي، ولا أرى أنه جاء على حساب الشعر، الشعر موجود، وسيظل موجوداً وله مكانته التي لن يؤثر عليها انتشار فن آخر أو نوع أدبي آخر.

هل من تجارب نقدية رافقت رحلتك الأدبية؟

حظ الشعر من النقد قليل، وحظ قصيدة العامية المصرية أقل، ويكاد يكون معدوماً، كل ما قدم عن دواويني هي تجارب فردية لها أهميتها في إطارها، ولكن لم يقدم نقد شامل عن مشروعي الشعري يرصد أهم ملامح هذا المشروع.

هل تعتقد أن كم الجوائز المرصود للرواية أضر بالشعر عموماً، هل تراهن على الجوائز لتحقيق انتشار عربي والمساهمة في إيصال صوت الإبداع الشبابي خارج حدود الوطن؟

لا أعتقد ذلك، هو فقط صنع رواجاً لنوع أدبي ولم يكن على حساب الشعر أو غيره، الذي أضر بالشعر هي الصورة التي قدمتها بعض الأعمال الفنية، وأعطت انطباعاً ممسوخاً عن الشعراء، ما أحدث فرقة بين الشعر والمتلقي، أيضاً بعض الأقلام التي انعزلت بقصائدها عن المتلقي وتعالت عليه وعاملت المتلقي من خلف جدار خرساني سميك، فقدمت له قصائد لا تناسب معطياته من الواقع، فشعر المتلقي بعزلة بينه وبين الشاعر، القصيدة لا بد من أن تكون مثل لوح زجاجي شفاف، يستطيع المتلقي العبور إليها من دون معاناة، ويستطيع الشاعر النفاذ إلى المتلقي بكل بساطة ومن دون تعقيد.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

قريباً ستصدر الطبعة الثانية من ديواني الأخير «الوداع»، وسأنتهي من ديواني «الحواس الخمس»، على أن أدفع به إلى المطبعة لإصداره قبل نهاية هذا العام.

شاعر الصحراء

يلقّب سالم الشهباني بشاعر الصحراء، ويرى أن ما تنتجه الذات هو حصيلة معرفية تكونت من خلال احتكاك هذه الذات بالمجتمع، ويقول: «الشعر هو حصيلة هذه المعرفة التي قامت الذات بتكوينها من خلال هذا الاحتكاك، الشعر لديَّ هو «انفعال، عزلة، انكسار، لحظات شرود وإحباط، ولحظات صفاء وهدوء»، هو كل هذا».

ولد الشهباني عام 1979 لعائلة بدوية من سيناء، ودرس الحقوق بجامعة القاهرة، ثم درس في كلية التجارة بجامعة عين شمس، من أبرز دواوينه: «الوداع»، «شبر شبرين»، «سيرة الورد»، «أبجد هوز»، «السنة 13 شهر»، «الملح والبحر»، «القطة العامية»، «الدليل»، «البعيد عن العين»، و{ولد خيبان».

جيل الشعراء الجدد محبط ويحتاج إلى دافع معنوي
back to top