الأديب عمرو العادلي: نعيش زمن الخيبة والانكسار ولا تفاؤل إبداعياً

نشر في 21-07-2016
آخر تحديث 21-07-2016 | 00:07
يؤكد الروائي عمرو العادلي الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في مصر هذا العام، أن الروايات العربية التي تحصد جوائز وتستحوذ على ثقة القراء، هي روايات الخيبة والانكسار، لأنها لا تزيف الحقائق
ولا تزينها، ويتساءل من أين يأتي التفاؤل الإبداعي؟ كيف يعيش المبدع العربي كل هذه الانكسارات ثم يكتب كتابا عن العيش الآمن والحياة المستقرة، في بلادنا أغلب الكتابات المتفائلة كوميدية.

كيف استقبلت الفوز بجائزة الدولة؟ وماذا أضافت لك؟

قبل التشجيعية بخمسة أشهر فزت بجائزة لها قيمتها الأدبية في مصر، وهي جائزة ساويرس فرع كبار الكتاب عن مجموعتي القصصية «حكاية يوسف إدريس»، فكانت فرحتي بجائزة الدولة التشجيعية فيها بعض هدوء الفرحة، بعدما استحوذت الجائزة التي قبلها على الدهشة والفرحة الكبيرة، ولكن التشجيعية هي جائزة الدولة، أي أن الدولة المصرية هي التي تعطيك الجائزة وليس أي مؤسسة خاصة، من هنا تأتي أهميتها، ومن المؤكد أنها أضافت إلي بعض الثقة بالنفس وبعض الأموال، لكن إذا قصدت ماذا أضافتْ لمشروعي الإبداعي، فأجيب لا شيء، المشروع كما هو منذ بدأت أكتب.

كانت الجائزة عن روايتك «الزيارة»... حدثنا عن أجواء كتابتك لها.

«الزيارة» هي الرواية الوحيدة التي كتبتها بروح مثابرة وبخطة زمنية محددة، كنت أكتب في اليوم من خمس إلى سبع ساعات، من دون ملل أو حجج تريحني من هم الكتابة، والحمد لله جاءت النتيجة طيبة ومرضية بالنسبة إلي.

الرواية نفسية في المقام الأول، قال عنها الأستاذ صنع الله إبراهيم إنها تستكشف أعماق الوجدان الإنساني الموروث، وقال عنها الدكتور حسين حمودة إنها عمل يتميز بمستويات عدة في فن القص، وقال عنها الصديق الروائي أشرف العشماوي إنها عمل خطير لم يقرأ مثله.

الرواية مقسمة إلى ثلاثة أقسام: «البوابة، الخروج، الاختيار»، ويرتبط كل جزء فيها بالأجزاء الأخرى بشكل ما، منذ البداية اختارت الرواية ثيمة البحث عن الأب، ولكن بشكله الأسطوري الحالم، الذي يتماهى فيه الحلم مع الواقع، الحقائق مع الهواجس، فقد كتب عنها البعض أنها رواية مجرمة، والبعض الآخر أنها رواية تشبه الحياة، أول جملة فيها تُسلمها لآخر جملة من دون أن ندري.

تتمحور حول ابن يبحث عن والده، يعيش مع أمه وجدته التي تهددهما بأنها تأكل أذرعهما، ثم يفاجأ الولد بأن أباه ذاك مجرد رأس بلا جسد.

الغوص في أعماق النص مرهق أم ممتع؟

الاثنان معاً، ولكن الرواية أرهقتني ومرضتُ بعدما انتهيت من المراجعة الأخيرة، فلك أن تتخيل كيف يمكن لرأس أن يتكلم من دون جسد، وكيف سيتعامل المحيطون بالرأس، وما هي رؤيتهم وكيف ترصد هواجسهم، من دون الخيال لا يوجد أدب.

تجربة ثرية

صدرت لك أعمال أخرى من بينها: «كتالوج شندلر»، «رحلة العائلة غير المقدسة»، «حكاية يوسف إدريس»، «إغواء يوسف»... حدثنا عنها وماذا طرأ من تغير على تجربتك الأدبية؟

«أغواء يوسف» أولى رواياتي، وفيها بذور مشروعي الروائي كله، فيها الواقعية المضفرة بالخيال، وفيها شخصيات أعتز برصدها وكتابتها، ولكن حظها كان سيئاً، فقد صدرت في 16 يناير 2011، وقامت الثورة المصرية بعد تسعة أيام من صدورها، لم يشعر بها أحد لأنها لم توزع على المكتبات بعد.

أما المجموعة القصصية «حكاية يوسف إدريس» فكان حظها أوفر قليلا، إذ صدرت عن الهيئة العامة للكتاب في سلسلة كتابات جديدة، وفازت بجائزة ساويرس فرع كبار الكتاب، فيما رواية «كتالوج شندلر» (دار نهضة مصر) ترضي غروري الروائي في كتابة بعض نماذج بشرية مثيرة، شخصيات تحتل رأسي بشكل مزمن، وعندما كتبتها قال عنها الأديب الكبير خيري شلبي قبل رحيله: «للكاتب عين سينمائية لقطاتها محسوبة بدقة». تتناول الرواية عالم عمال المصاعد وكل ما له علاقة بهذه المهنة من قريب أو من بعيد، وكيف تناولت الذهنية العربية فكرة الحداثة وطبقتها في مجتمعاتها.

«رحلة العائلة غير المقدسة» (الدار المصرية اللبنانية) آخر ما نُشر لي، وأعتز بها كثيراً، لأنها اختارتْ عالم المنسيين في المجتمع المصري، عالم فقير مادياً لكنه غني بالمشاعر الإنسانية الفياضة، وهي لم تختر من دنيا المهمشين عالم المخدرات والانحرافات الجنسية، فهذا أسهل ما يمكن أن يُقال عن هذه المجتمعات الفقيرة، لأنه يؤكد الصورة الذهنية لدى القارئ أو المشاهد، ولم تغير شيئاً من قناعاته، ولم تهزّ التصورات السالفة في داخله، أما روايتي فتبحث عن كل ما هو أصيل وإنساني في المشاعر والعلاقات بين البشر في هذا المجتمع المتواضع في طموحاته ورؤيته للحياة.

صدر لك ديوان شعر بعنوان «صباح الخير يا أنا» أين أنت من الشعر؟

كانت حالة لم أجد لإخراجها على الورق سبيلا إلا بهذا الشكل البسيط، فهل يمكن أن أكتب قصة مثلا وأقول فيها «رغبة الدخول دايما مبتجيش إلا والباب مقفول»؟ عموماً أحب قراءة الشعر، بأشكاله ومدارسه، فدواوين محمد عفيفي مطر وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور تعينني في بعض الأحيان على استكمال فكرة إبداعية مُلحّة.

أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا مقبلا أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟

أغلب الروايات العربية التي تحصد جوائز وتستحوذ على ثقة القراء هي روايات الخيبة والانكسار، لأنها لا تزيف الحقائق ولا تزينها، فمن أين يأتي التفاؤل الإبداعي؟ كيف يعيش المبدع العربي كل هذه الانكسارات ثم يكتب كتاباً عن العيش الآمن والحياة المستقرة، في بلادنا أغلب الكتابات المتفائلة كوميدية، أدب ساخر أو فكاهي، لأن حالنا هو ذلك بالضبط، إن ضحكنا صار منظرنا فكاهياً، لأنه يبعد كثيراً عن الحقيقة.

جائزة الدولة التشجيعية

في إحدى مقالاته الصحافية طالب عمرو العادلي بسحب جائزة الدولة التشجيعية من الأديب الكبير نجيب محفوظ، رداً على تقييد الجائزة بسن معينة وقال: «قرار الحد الأقصى لنيل جائزة الدولة التشجيعية يحتاج لبعض النقاش الهادئ، فالجائزة تُمنح لمرة واحدة، وبداية، الاعتماد على معيار السن كشرط رئيس للحصول على الجائزة يحتاج إلى وقفة، إذ كيف يتم تحديد المتقدم بالرجوع إلى تاريخ ميلاده؟ أظن أن مثل هذه المعايير غير الأساسية لا وجود لها في الدول الناطقة بغير العربية».

يضيف: «أظن أن تحديد السن لا علاقة له من قريب أو من بعيد بأحقية الحصول على تقديرات والفوز بجوائز، ففي قائمة البوكر القصيرة وقفت منصورة عز الدين على المسرح جنباً إلى جنب مع بهاء طاهر، فهل هذا أمر معيب؟ بالعكس، أرى أنه ملمح يرسخ للتحضر والرقي، ففي هذا المشهد تتساوى الفرص بين الجميع، في الجوائز العالمية مثل «بوكر» البريطانية، فازت الكاتبة الهندية كيران ديساي بالجائزة العريقة عام 2006 عن رواية «ميراث الخسارة»، وكانت في الخامسة والثلاثين وقت إعلان الفوز، لو أن كيران ديساي مثلا في الخامسة والسبعين فهل كانوا ليمنعوها من الفوز؟»

يتابع: «أرشيف الجائزة التشجيعية مليء بمن فازوا بعدما تخطوا الأربعين، أشهر تلك الأسماء هو نفسه أشهر اسم عربي كتب الأدب في القرن العشرين، نجيب محفوظ، فقد حصل على الجائزة عام 1959، وهو من مواليد 1911، وبحسبة بسيطة يكون عمر الرجل لدى حصوله على الجائزة 48 عاماً، فهل يمكن أن تسحب اللجنة جائزة الدولة التشجيعية من صاحب نوبل لتُرضي توصيات المجلس الأعلى للثقافة؟

مفهوم العالمية

كيف تنظر إلى العالمية وما يقال عنها وما ينتج عن الجوائز العالمية المعروفة ضرورتها للكاتب، والسعي إليها؟

لا أحد يكره أن يكون عالمياً، ولكن قبل أن أسأل نفسي سؤالا مثل هذا يجب أن أسأل سؤالا آخر: ماذا سأقدم للعالمية؟ ثمة أعمال ترجمت إلى لغات عالمية ولم تقدم جديداً، بل رسخت الصورة الذهنية للقارئ الغربي حول هذا الكائن العربي البائس، مثل كتاب «تاكسي حواديت المشاوير» ورواية «أن تكون عباس العبد»، لكن إن كانت العالمية ستأتي من ناحية التأثير الإبداعي المطلوب والذي سيؤثر في ذهنية القارئ الغربي بما أريد، فهنا تكمن القيمة في أن أكون عالميا.

الجوائز الأدبية هل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟

ثمة انتقادات للجوائز الأدبية، فليست كل الأعمال التي تفوز بجائزة مستواها الأدبي ممتاز، لكن من ينتقد الجوائز ينتقدها بشكل جزئي، حتى تصيبه إحدى الجوائز فلا يسمع له صوت بعد ذلك، وأيضا المعايير واللوائح من العوامل المهمة، فلو كنت أنا محكما في جائزة، وأفضل الأعمال المتقدمة لا يزيد على مستوى جيد، فأمامي اختيار من اثنين، إما أن أمنح الجائزة لهذا العمل المتوسط القيمة وإما أن أحجب الجائزة، وفي الحالتين لن أسلم من الانتقاد.

انتقاد الجوائز يتم بشكل جزئي وإذا حصل عليها كاتب فلا نسمع له صوتاً

الأعمال العربية المترجمة لا تقدم جديداً ورسخت الصورة الذهنية للقارئ الغربي
back to top