التشكيلية ياسمينة حيدر: النحت على الزجاج يكشف صورتنا الحقيقية

نشر في 18-07-2016
آخر تحديث 18-07-2016 | 00:04
من العزف على البيانو إلى ممارسة النحت بخاماته المتعددة، يتنوع إبداع التشكيلية ياسمينة حيدر، الأستاذة في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، لتقدم منحوتات تعكس فلسفة خاصة، تثبت من خلالها جدارتها في مجال صعب المنال، اقتصر النجاح فيه سابقاً على الرجل، وتحويل فكر مجرد يسبح في عالم الخيال إلى فكر ملموس ومرئي يبقى رمزاً يخاطب عقل الآخرين ووجدانهم.
من العزف على البيانو إلى العزف على العمل النحتي، ما وجه الشبه والاختلاف بينهما؟

الفنون مرتبطة ببعضها البعض، وهي جزء من الخلق، فالطبيعة عمل مركب شاسع وبديع، وممارسة الفنون نشاط إنساني ارتبط بتاريخ وجود الإنسان سواء كُسبل للتعبير أو التواصل أو البقاء، وإن كانت مخلوقات أخرى مارست الفنون من قبلنا، ونرى ذلك جليًّا على سبيل المثال في تشكيل أعشاش الطيور وتغريدها ورقصها، أما مفردات التعبير فتختلف من فن إلى آخر، ويختلف التأثير الناتج عنها على المخلوقات، فالموسيقى خيال غير ملموس، وتواصل للانفعال اللحظي، وهي طاقة من الصوت المجرد، أما النحت فتشكيل مادي باقٍ، وطاقة مجسدة في الشكل والمادة. ثم الموسيقى والنحت موهبتان إبداعيتان متصلتان بالتعبير الفني والنشاط المجتمعي وبالحياة الدنيا والآخرة، فارتبطت الموسيقى بالتعبد وممارسة الطقوس المختلفة والترنيم والترتيل، وارتبط النحت بآيات الإعجاز والإشهاد.

اخترت النحت كوسيط للتعبير عن إبداعك، وهو أحد المجالات الصعبة خصوصاً للأنثى، فما الذي أغراك في هذا المجال؟

كل ميسرٌ لما خلق له، وقد وهبني الله ملكة النحت، فاكتشف فيّ أساتذتي الموهبة، واكتسبت معرفة ومهارة بالتعلم والبحث والتجريب، فأصبح النحت هوايتي ومهنتي التي تخولني تحويل فكر مجرد يسبح في عالم الخيال إلى فكر ملموس ومرئي يبقى رمزًا يخاطب عقل الآخرين ووجدانهم.

مشاركتك في سمبوزيوم أسوان بمنحونة «رياح» ماذا أضافت لك؟

أسوان معقل لنحت الغرانيت منذ القدم، وقد فكر الفنان الكبير آدم حنين في إحيائه عبر إنشاء السيمبوزيوم برعاية وزارة الثقافة المصرية والقيمين على السيمبوزيوم والمتحف، فتم توارث الخبرات وتعميقها على مدى 21 عاماً، وشاهدت تنفيذ «بيت الروح» للفنان آدم في الدورة العشرين أثناء مشاركتي بورشة عمل السيمبوزيوم للمرَّة الأولى، وتأمَّلت معاملته لخامة الغرانيت، وتابعت مهارات الفنيين والفنانين أثناء عملهم، فتعلمت من التقنيات والأساليب ما طوَّر فكري وأدائي في نحت الغرانيت خصوصاً، وفي الفنِّ عموماً، وفي السنة التالية شاركت في الدورة الحادية والعشرين، ونفّذت عملاً ضخماً من الغرانيت أسميته «رياح»، خرجت فيه عن تقاليد النحت في الغرانيت المرتبط بالتكتل والاستقرار، ليجسِّد أشكالاً مجرَّدة فيها تلميحات من الطبيعة وهي تنطلق من الدوَّامة.

نورانية الزجاج

هل ثمَّة حوار يدور بينك وبين منحوتاتك؟

هو حوار يعتمد على التواصل مع إلهامي ورؤيتي والتفاهم مع خاماتي، فأُخضع الخامة لتجسيد أفكاري التي عبَّرت في الأعوام السابقة عن رموز عدة من أهمها «الدوَّامات»، «الأعاصير» رمز التدمير والتغيير، «الشرانق» رمز التحوُّل والتجدد.

حدثينا عن المنحة التي حصلت عليها لتعلُّم الفنون في إيطاليا.

حصلت على منحتين للدراسة في إيطاليا، الأولى هي منحة تنافسيَّة قدمتها وزارة الخارجيَّة الإيطاليَّة للدولة المصرية، وقد فزت بها عام 2006 بهدف جمع المادة العلميَّة الخاصة بمرحلة الدكتوراه، والتحقت بأكاديميَّة «كرارا» للفنون الجميلة، أهمِّ أكاديميَّة أوروبيَّة في دراسة نحت الأحجار، فتعمَّقت بدراسة تقنيات تشكيل الأحجار الصلبة، واقتبست من تلك التقنيات ما يطوِّر التشكيل المباشر للزجاج، ونفذت منحوتات من الزجاج للمرة الأولى في مدينة كرارا الإيطالية، وتمَّ اختيار مشروعي «ورقة شجر البلوط» التي ترمز تاريخيًّا إلى القوَّة، المنفذ من الزجاج المصفَّح بعرض 235 سم، في متحف الكيانتي المفتوح بشمال إيطاليا عام 2008، ثمُّ حصلت على بعثة قصيرة من وزارة التعليم العالي المصرية عام 2014 لمتابعة أبحاثي في الأكاديميَّة الإيطاليَّة في روما. قدَّمت معرضي الشخصيَّ في مقر المكتب الثقافي للسفارة المصريَّة بروما بعنوان: Metamorfosi ، وعرضت أعمالاً مركَّبة من الأحجار والخزف والزجاج تدور حول رموز الترقُّب، والتغير عبر فترات التحوُّل التي تمرُّ بها المجتمعات.

ما أحبُّ الخامات إليك؟

الزجاج، فهو محمَّلٌ بالنور الذي ندركه عبر شفافيته وكأنَّه روح الشكل، ومحمَّلٌ بالألوان والظلال بين طيَّات جزيئاته، ويتميز بصفات وخصائص فريدة دونًا عن سائر المواد والخامات، رغم أنَّه صعب المِراس للغاية، والزجاج مادة تشكيليَّة لها جذور عميقة تمتدُّ إلى الحضارة المصريَّة التي صنعت أقدم منحوتات زجاجيَّة في العالم، وتطوَّرت بشكلٍ مذهلٍ في عهد الإسكندرية الرومانيَّة ومنها انتشرت الى أوروبا وآسيا.

ما سبب ازدهار فنِّ النحت في الفترة الأخيرة؟

النحت فنٌّ أصيل ومن الطبيعي استمراره وازدهاره، وهو يحتاج إلى توافر الإمكانات والرعاية التي ازدادت في الفترة الأخيرة، وحققت غزارة في الإنتاج.

برأيك، هل يمتلك الفنان المصرىَّ أدوات ومفردات اللغة التشكيليَّة التي تمسُّ الواقع؟

يمتلك الفنان المصري الكثير، ولكن ارتباط فنِّه بالمجتمع يكون محدودًا بفكر المجتمع ذاته، وتوجهات بعض الفنانين المنغلقة على عالمهم الخاص، مثلًا نجد التربية الفنية بالمدارس مادة هامشيَّة، ولو أدرك القيمون على الأمر مدى أهميتها في تنمية العقل التحليلي والإبداعي، والقدرة على التصرف والتربية الوجدانيَّة السليمة، لأنشأنا أجيالًا تعمل على إيجاد علاقة تكامليَّة وفعَّالة بين الفنّ والعلم من جانب، واحتياجات المجتمع على المستويين العملي والمعنوي من جانب آخر.

معارض مختلفة

هل قدمتِ منتجاً يثبت أحقيتك في مجال الفنّ التشكيلي؟

أشارك في معارض فنيَّة مختلفة، منذ 2007، في مصر وأوروبا بأعمال من وحي الطبيعة والرموز المختلفة المنفَّذة من الزجاج والرخام والغرانيت، ودُعيت لإقامة أول ملتقى لتشكيل الزجاج المجسَّم في الشرق الأوسط من خلال سمبوزيوم النحت بمكتبة الإسكندريَّة عام 2010، وعملت فيه كوميسيراً عاماً، وقدَّمت «الإعصار»، أوَّل عملٍ ميداني من النحت الزجاجي المصفح في مصر، وقد ضُمَّ إلى مقتنيات مكتبة الإسكندريَّة، ثم قدَّمت معرضي الشخصيّ الأوَّل: «منحوتات زجاجيَّة» في قصر الجزيرة للفنون بالقاهرة، ثمَّ أتيليه الفنانين والكتاب بالإسكندريَّة في نوفمبر 2010 ويناير 2011، ومعرضي الشخصي الثاني بإيطاليا Metamorfosi (2014)، كذلك شاركت في العام نفسه في ترينالي روما للفنون المرئيَّة بعنوان: «الجنة الأخيرة» Last Paradise، ثم توالت مشاركاتي، أهمها عمل في سيمبوزيوم أسوان للنحت، الذي انتقل إلى المعرض القومي للعام الحالي، فبمجرد أن تتاح فرصة أقدِّم ما يضيف قيمة متجددة لرسالة الفن.

باعتبارك أكاديميَّة هل يمكن أن يؤثر ذلك عل ما تقدمينه من منتج فنّي بمعنى التقيُّد بنظريات معينة من دون العمل بحُريَّة؟

لا أتقيَّد بأيِّ نظريَّة، فلسفيَّة كانت أو تطبيقيَّة، وقد أفادتني دراستي الأكاديميَّة وأبحاثي العلميَّة في التعمُّق بعلوم المواد، والسيطرة على تقنيات التشكيل. تخرجت في قسم النحت وانصبَّت دراستي منذ 2001 على تكنولوجيا الأحجار والمواد الخزفيَّة والزجاج، وحصلت على الماجستير في تكنولوجيا صهر الزجاج وصبّه (2005)، ثم نلت دكتوراه في الفلسفة بامتياز، في كليَّة الفنون الجميلة بجامعة الإسكندريَّة ( 2009)، وذلك لتقديم عمل بحثيٍّ رائدٍ في عنوان «التشكيل المباشر للنحت الزجاجي»، وهو خاصٍ بتطوير أساليب النحت المباشر في الزجاج، واستخدام الزجاج بمعطياته الفنيَّة المختلفة من اللون والضوء والشفافية، كمادة تشكيل أساسيَّة في أعمال النحت الميداني.

ر
حيدر في سطو
تعلَّمت الفنانة ياسمينة حيدر فن النحت على أيدي أساتذة كبار أبرزهم د. أحمد عبد الوهاب، محمد هلال، صلاح الدين القمري، طارق زبادي، جابر حجازي، عبد الرازق السيد، الغول علي أحمد، وأساتذة كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، تابعت دراستها في أكاديميَّة «كرارا» للفنون الجميلة بإيطاليا على يد البروفيسور بيير جورجو بالوكي، وحصلت على دبلوم العزف المنفرد على البيانو من إنكلترا. تعمل حالياً كأستاذ مساعد بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، وأعطت دروساً في الكونسرفتوار بالإسكندرية، قسم البيانو، تشارك ببعض المعارض الدولية، ولها أنشطة تطوعية في تنظيم مشاريع التبادل الثقافي في إطار برنامج الأورومتوسطي للشباب.

«الدوامات» و«الأعاصير» رمز التدمير والتغيير و«الشرانق» رمز التحول والتجدد

مادة التربية الفنية في مصر تعاني الإهمال والتهميش
back to top