معارك هيكل بين الصحافة والسياسة (3 من 10) هيكل والأخوان أمين... صراع حيتان
مصطفى وعلي أمين أودعا وصيتهما عند هيكل قبل السفر إلى أميركا
لا يكتمل تحليل علاقة محمد حسنين هيكل بالرئيس الأسبق أنور السادات، إلا من خلال استطلاع أحد أكثر جوانب الصدام بينهما إثارة واشتباكاً، فالصراع الذي تفجر عقب انتصارات أكتوبر 1973، استخدم فيه الكثير من الأسلحة، لكن السادات لم يجد وسيلة لضرب هيكل أفضل من الاستعانة بأصدقاء الأربعينيات وأعداء السبعينيات، علي ومصطفى أمين، وهما اللذان جمعتهما بهيكل علاقة ود سرعان ما تحولت إلى عداء محكم، استخدمه السادات في توجيه أكثر ضرباته إيلاماً لهيكل عبر الانقضاض على ميراثه في مؤسسة الأهرام.
لا يكتمل تحليل علاقة محمد حسنين هيكل بالرئيس الأسبق أنور السادات، إلا من خلال استطلاع أحد أكثر جوانب الصدام بينهما إثارة واشتباكاً، فالصراع الذي تفجر عقب انتصارات أكتوبر 1973، استخدم فيه الكثير من الأسلحة، لكن السادات لم يجد وسيلة لضرب هيكل أفضل من الاستعانة بأصدقاء الأربعينيات وأعداء السبعينيات، علي ومصطفى أمين، وهما اللذان جمعتهما بهيكل علاقة ود سرعان ما تحولت إلى عداء محكم، استخدمه السادات في توجيه أكثر ضرباته إيلاماً لهيكل عبر الانقضاض على ميراثه في مؤسسة الأهرام.
الرئيس أنور السادات ومعه التوأمان: مصطفى وعلي أمين، يجمع بينهم أنهم جميعاً بدأت علاقتهم مع محمد حسنين هيكل بالقرب الشديد والود الظاهر، وانتهت بعداوة شديدة وخصومة جارحة، "صراع حيتان هائجة في البحر حولته بجراحها إلى بقعة حمراء من الدماء" حسب تعبير هيكل نفسه، ولكن البدايات كانت مختلفة.قبل نهاية سنة 1953 كان "مصطفى أمين" وتوأمه "علي أمين" في طريقهما إلى الولايات المتحدة الأميركية على طائرة واحدة، وتراءى لهما أن يكتبا وصيتهما، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكون محمد حسنين هيكل هو الصديق الذي أؤتمن على الوصية، وفيها أنه ضمن عشرة أسماء يؤلف منها مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الذي ستؤول إليه ملكية المؤسسة يتصرف فيها المجلس حسب السياسة التي يقررها، وعاد التوأم من أميركا، وواصلا نشاطهما الصحافي الناجح، وانطلق من قواعد إطلاق النجوم في أخبار اليوم نجم جديد في سماء صاحبة الجلالة، ولم يلبث أن صار هو قطب النجوم، وجرت مياه كثيرة في نهر علاقته مع التوأم أمين، وعند منتصف الستينيات خرج علي أمين مندوباً متجولاً بالخارج من مؤسسة "الأهرام"، ودخل مصطفى أمين السجن مداناً في قضية تجسس لصالح المخابرات المركزية الأميركية.
أنور السادات الذي بدأت علاقته مع هيكل مبكراً جداً مع اقتراب الصحافي المنطلق إلى القمة من صناع القرار بعد ثورة يوليو 1952 ، ثم استقرت علاقتهما تحت جناح عبدالناصر، وكان السادات يحسده في بعض الأوقات على قربه الشديد من الرئيس، وقرب رحيل عبدالناصر كانا من أقرب معاونيه إليه، وبعد الرحيل وجدا نفسيهما متحالفين حد الالتصاق في مواجهة مع جماعة من المتنفذين عند قمة السلطة لم يكونا على وفاق معها، وانتصرا معاً على هذه الجماعة في مايو 1971، وانفرد السادات بالحكم، وظل على قربه من هيكل حتى حرب أكتوبر سنة 1973، وبعدها مباشرة دبت الخلافات بينهما، واختلفت المراكز، وتعدلت التوجهات، وصار مطلوباً من هيكل أن يعبر عن سياسات لم يعد مقتنعاً بصحتها، فافترقا عند اللحظة نفسها مع عودة علي أمين من الخارج، وخروج مصطفى أمين من السجن، وهي اللحظة نفسها التي واكبت قرار السادات بإخراج هيكل من مؤسسة "الأهرام".أراد السادات أن يكون خروج هيكل من "الأهرام" جارحاً وموجعاً، وخطط لذلك من وراء ظهر هيكل، وكان الخلاف قد استحكم منذ زيارة كيسنجر للقاهرة يوم 7 نوفمبر سنة 1973، ومحادثاته مع الرئيس السادات، وكان التوتر يزداد في العلاقة في ما بينهما مع كل يوم، أراد السادات من هيكل أن "يلتزم" بالخط السياسي الذي يرسم ملامحه الجديدة مع كيسنجر، وأن يكون "داعية" هذا الخط الجديد لدولة السادات بعدما اكتسب شرعية النصر في حرب أكتوبر سنة 1973.وكان هيكل يريد أن يظل على اطلاع واسع بكل ما يجري، وأن يحتفظ في الوقت نفسه بمسافة تنأى به عن المسؤولية عما يجري، وقد رأى وقتها أن أوراق التفاوض تخرج من اليد المصرية واحدة بعد أخرى بلا ثمن، وبدون مقابل، فكانت اللقاءات بينهما عاصفة، وكانت الخلافات قد وصلت ذروتها ووصل هيكل إلى ضرورة أن يبتعد عن الاشتراك في ما يجري، وأن يكتب ما يمليه عليه ضميره تاركاً النتائج لما تجيء به الأيام.ولكن السادات كان قد سئم طريقة هيكل، فقرر أن يبعده بطريقته، وكان السيناريو الأول، وربما الذي يفضله السادات، أن يعرض على هيكل العمل معه مستشاراً للأمن القومي،" كيسنجر بتاعي" كما كان يقول له، أو العمل نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وفهم هيكل أن السادات يفكر في إبعاده عن "الأهرام" مركز ثقله، وإنجاز حياته الأهم، فرفض العروض المطروحة أمامه وكان قراره إما "الأهرام" أو لا شيء إطلاقاً.***المرة الأولى التي فكر السادات فيها أن يترك هيكل "الأهرام" كانت قبيل حرب أكتوبر سنة 1973 مباشرة، دعاه إلى استراحة "برج العرب" في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر، وفي اللقاء أخبره السادات بالموعد التقريبي للمعركة، وطلب منه صراحة أن يتفرغ للمشاركة في الإعداد للعملية السياسية والإعلامية التي تمهد وتصاحب بدء العمليات العسكرية، وأن يترك عمله في "الأهرام" وأبدى هيكل استعداده لعمل ما يطلب منه مع بقائه في عمله الصحافي.وفي أواخر شهر ديسمبر كانت مسيرة العلاقة بين السادات وهيكل قد وصلت إلى طريق مسدود، مقالات هيكل في نظر السادات تحدث "بلبلة" في الرأي العام، وهو في نظره يكتب كسياسي يريد أن يفرض وجهة نظره على من يحكم، وليس كصحافي مهمته -حسب رأي السادات - أن يروج لما يقرره الحاكم.وعند هذه النقطة عاد علي أمين من الخارج بعد تسع سنوات تنقل خلالها بين مدن أميركا وعواصم أوروبا وبعض العواصم العربية، وخلال هذا المناخ قرر السادات أن يفرج عن مصطفى أمين بعد تسع سنوات قضاها في السجن مداناً بالتخابر مع المخابرات الأميركية، وفور عودته من الخارج زار علي أمين هيكل بمكتبه بـ"الأهرام" ، وبدا سعيداً وفخوراً بما شاهده في المبنى الجديد الذي لم يكن قد رأه من قبل، وظل عدة أيام يتردد على "الأهرام" تأتي به سيارة هيكل كل صباح، ويبقى فيه حتى يغادره في نهاية اليوم، وتغدى علي أمين أكثر من مرة مع مفكري وكُتّاب "الأهرام" في حضور هيكل، وبدعوة منه، وكأنه في "مهمة استطلاع" راح علي أمين يسأل عن كل ما يراه، ويحرص على أن يتعرف على كل من يراه.وفي تلك الأثناء جرى لقاء بين السادات وهيكل يوم 21 يناير سنة 1974 وبدأ السادات يمهد لإخبار هيكل بقراره الإفراج عن مصطفى أمين بالقول إنه قرر الإفراج عن بعض قادة الطيران الذين حوكموا بعد سنة 1967 وبينهم الفريق "صدقي محمود" قائد الطيران السابق، بناء على طلب حسني مبارك قائد سلاح الطيران أثناء حرب أكتوبر، وتحدث السادات عن متاعبه مع غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وقتها، وذكر أن طلباتها لا تنتهي: "إنها تريد مني أن أفرج عن كل المسجونين عندي من جواسيس إسرائيل"، ثم استطرد السادات يقول لهيكل: طبعاً "هنري"(كيسنجر) استغل الفرصة بالمرة، وطلب مني هو الآخر أن أفرج عن عدد من الأشخاص حُكم عليهم في قضايا تجسس لصالح المخابرات المركزية، على أي حال لن أوجع دماغي، وسوف أعطيهم لهم وأخلص منهم.وفاجأ السادات هيكل على غير توقع منه بسؤاله: أيه رأيك أفرج عن مصطفى أمين؟، هم يطلبونه، وأنا أريد أن أجامل الأميركان فيه.وحسب رواية هيكل فقد اقترح على السادات أن يجعل فاصلاً أسبوعاً أو أكثر بين الإفراج عن من طلبتهم مائير وطلبهم كيسنجر، حتى لا يساء تفسير الربط بينه وبينهم، ونظر السادات إلى هيكل بنصف ابتسامة ونصف عين، وهو يقول له بطريقته الشهيرة:أنت عامل لي بتفهم في السياسة مع أنك لو كنت تفهم في السياسة لوافقتني على الإفراج عن مصطفى أمين ضمن هذه الصفقة حتى لا يستطيع أن يفتح فمه في يوم من الأيام، وإذا فتحه نقدر نضربه بالحذاء.وأخبر هيكل السادات أنه كان ينوي أن ينقل إليه، رغبة علي أمين في أن يأخذ توأمه من باب السجن إلى باب الطائرة إلى أي مكان في العالم.وكان رد السادات: عال، يأخذه، ويغوروا.ورغم ذلك كانت هناك أمور كثيرة تجري من خلف هيكل، ولا يعلم عنها إلا النذر اليسير، ولكنه عرف أن علي أمين يلتقي في سهرات ليلية مع محمود أبو وافية صهر الرئيس السادات وبعض من أفراد أسرته النافذين وكانت تلك "المسالك الخلفية" ترتب تفاصيل "اللعبة الكبرى".***صدر قرار الرئيس السادات بالإفراج الصحي عن مصطفى أمين يوم 27 يناير سنة 1974، وبدأت وفود التهنئة تتدافع إلى بيته، وذهب هيكل يهنئه ، واستقبله مصطفى أمين بأحضان أحسها هيكل "ميكانيكية"، ولم يقابل هناك علي أمين الذي بدا أنه منهمك بأمرٍ ما شغله عن التواجد إلى جانب توأمه في لحظة مهمة وسعيدة.أربعة أيام فقط بعد الإفراج عن مصطفى أمين، وأصدر السادات قراره يوم 31 يناير سنة 1974 بإقالة محمد حسنين هيكل من رئاسة " الأهرام" وتعيينه مستشاراً له، وتعيين الدكتور عبدالقادر حاتم رئيساً لمجلس إدارة الأهرام، وغادر هيكل "الأهرام" بعد ظهر يوم أول فبراير بعد أن جرت عملية تسليم وتسلم مع خلفه، وأصدر تصريحه الشهير:"استعملت حقي في إبداء رأيي على صفحات جريدة "الأهرام"، واستعمل الرئيس السادات سلطته في إبعادي عنه، وهكذا فإن كلاً منا قد مارس ما لديه".رفض هيكل بتصميم أن يستجيب لتدخلات كثيرين أرادوا أن تمر "العاصفة" بدون خسائر كبيرة على الطرفين، وحين اتصل به وزير شؤون رئاسة الجمهورية يبلغه أنه أعد له جناحاً من خمس غرف في "قصر عابدين" ليمارس منه دوره كمستشار للرئيس، قال له: لن أذهب إلى "عابدين"، واعتبرها السادات تحدياً له، وقرر أن يكون الرد في "الأهرام". مساء نفس اليوم أصدر السادات قراراً بتعيين علي أمين مديراً لتحرير الأهرام، وقد قوبل القرار بصدمة واسعة في الأوساط الصحافية، فضلاً عن صدمة داخلية تحولت إلى ما يشبه الرفض لوجود علي أمين في موقعه الجديد، وأراد السادات أن يظهر تأييده لعلي أمين فأصدر في يوم 8 فبراير قراراً جديداً بتعيينه رئيساً للتحرير.ولم يكن هناك في ذلك الوقت من يتصور أن عجلة الأحداث ستدور بسرعة، وأنه في أسبوع واحد سيخرج مصطفى أمين من السجن، ويخرج هيكل من الأهرام، ويدخل علي أمين رئيساً لتحريرها، وسرعان ما انفجر الصدام بينه وبين قيادات "الأهرام" وأغلبية العاملين فيها، فاضطر السادات في شهر مايو ( قبل مرور أربعة أشهر) إلى نقل علي أمين من "الأهرام" وأعاده إلى دار "أخبار اليوم" رئيساً لمجلس إدارتها، ومعه مصطفى أمين رئيساً للتحرير.وبدأ تاريخ جديد في مصر، تغيرت بعده السياسات وتعدلت المواقف وأصبحت مصر في الركاب الأميركي وكانت لحظة رجوع التوأم أمين إلى الصحافة المصرية هي إشارة انطلاق أبشع وأشنع حملات التشهير بجمال عبدالناصر وعهده، كل إنجازاته تحولت إلى مصائب، وكل قراراته تحولت إلى نكبات، حتى طالت الحملة المسعورة السد العالي وطالب البعض في حمأة ذلك السعار أن يهدم السد العالي.***حملات تشهير انطلقت فور إطلاق سراح مصطفى أمين، ضد نظام جمال عبدالناصر ركزت على قضايا كثيرة وبدأت باتهام عبدالناصر بالجنون وقتل الدكتور أنور المفتي الذي اكتشف جنونه، واعتبرت "القطاع العام" نكبة، و"التصنيع" أم النكبات، وحولت العلاقة مع الاتحاد السوفييتي إلى "استعمار"، ووصفت مساندة حركات التحرر الوطني بـ"السفه"، وصورت عهد عبدالناصر أبشع من عصر النازي، وكان لهيكل من كل ذلك نصيب من مدافع مصطفى أمين الثقيلة، وركز هو وأنصاره الجدد والقدامى على تحويل قصة تجسس مصطفى أمين إلى قضية حريات، في محاولة لإظهار مصطفى أمين بريئاً بلا خطيئة، مظلوماً، مترفعاً فوق السجن، هازئاً من السجان، ومتهمين هيكل بكل نقيصة، وقدموه في صورة شيطانٍ ليس كمثله شيطان.تشكلت "فرق هجوم" متخصصة في الكتابة عن هيكل، قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمرة، وكان لكل منهم حساباته وأهدافه من وراء المشاركة في حملات الهجوم الشرسة ضد هيكل لمصلحة مصطفى أمين، منهم الكاتب الصحافي موسى صبري الذي كان من أكثر الصحافيين المقربين من السادات وعمل على تلطيخ صورة هيكل بأي طريقة وتبرئة مصطفى أمين من كل تهمة بما فيها تهمة التجسس، الثابتة في حقه.***ونصب مصطفى أمين وأبواقه محكمة على أوراق الصحف لمحمد حسنين هيكل، وكانت التهم التي وجهت إلى هيكل تزيد على عشر تهم كان من أهمها وأكثرها ترويجاً: أنه تواطأ على مصطفى وعلي أمين، وأنه هو الذي لفق التهمة لمصطفى أمين، وقام بنفي علي أمين، ومثل هذا الاتهام يعطي لهيكل وزناً فوق أوزان كل مؤسسات السلطة المصرية، سواء منها السلطة التنفيذية أو القضائية، وتجعل منه مهيمناً على سلطة المخابرات العامة التي راقبت وتابعت وصورت وسجلت وقبضت على المتهم متلبساً بجريمته وفي وجود الطرف الذي يتخابر معه، وهو دبلوماسي له حقوق وحصانات فضلاً عن كونه تابعاً لدولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية، وتجعل هيكل مسيطراً لا على الصحافة وحدها بل وعلى سلطات التحقيق التي اتهمت مصطفى أمين بأربع تهم عقوبة واحدة منها تصل إلى الإعدام وهي تهمة إفشاء أسرار عسكرية في وقت الحرب وهي التهمة التي برأته المحكمة منها واكتفت بعقوبة الأشغال المؤبدة على التهم الثلاث الأخرى.وإذا كان دلال هيكل على السلطة وقتها يصل إلى تلفيق التهم لبريء فهل كان هذا الدلال من القوة التي تدفع السلطة وقتها إلى التصادم مع الإدارة الأميركية بالقبض على أحد دبلوماسييها ثم تلزمها بالاعتذار عما فعله وتقوم الإدارة بسحبه من مصر عقب الإفراج عنه مباشرة وتقديم اعتذار من السفير باسم حكومته لوزير الخارجية المصري؟الخبر الأسوأ لكل من تبنى براءة مصطفى أمين من تهمة "التجسس" جاء في كتاب صدر في الولايات المتحدة تحت عنوان "ميراث من الدماء.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأميركية"، مؤلف الكتاب هو "تيم وينر" المراسل الخارجي لأهم الصحف الأميركية، وهي صحيفة "نيويورك تايمز"، يكشف الكتاب لأول مرة النقاب عن عمليات أجرتها وكالة المخابرات الأميركية في الشرق الأوسط والعالم العربي منها ما يتصل بمحاولات اغتيال متواصلة لجمال عبدالناصر، وكان مما كشفه الكتاب هو ما ذكره عن علاقة مصطفى أمين بالمخابرات الأميركية، وجاء فيه:"وحدث أن قام ضابط مستهتر يتبع المخابرات بكشف علاقة المخابرات مع محرر صحافي بارز لإحدى صحف القاهرة يدعى مصطفى أمين، كان أمين مقرباً من عبد الناصر وكانت الـ"سي آي أيه" تدفع له الأموال مقابل الحصول على معلومات وعلى نشر تقارير إخبارية مؤيدة للسياسات الأميركية، وكان مدير محطة المخابرات في السفارة في القاهرة يكذب على السفير بخصوص علاقة الوكالة بـ"مصطفى أمين"، ولكن أكاذيب مدير المحطة انكشفت، واتضح أن مصطفى أمين كان على قائمة من تدفع لهم المخابرات الأميركية مبالغ مالية، وأن مدير المحطة واسمه "بروس أوديل" كان يتقابل بصفة منتظمة مع مصطفى أمين، وتم التأكيد لي أنه لم يتم تبادل أي أموال معه في مصر، ولكن حدث أن هناك صورة التقطت لإحدى الصفقات وتم القبض على مصطفى أمين وتصدرت القضية عناوين الصحف حول العالم وبها صورة بارزة لـ"أوديل" الذي كان يعمل تحت غطاء دبلوماسي.***وقائع علاقة هيكل مع أنور السادات، وكذلك تفاصيل قصته مع "الأخوين أمين" تصلح لإنتاج أفلام درامية، قد لا يصدق الجمهور المشاهد كثيراً من حقائقها، تلك العلاقات التي بدأت هادئة وطبيعية وجيدة وأكثر من طيبة، وانتهت صاخبة وعاصفة وجارحة كأننا أمام شرائط سينمائية تحكي قصة "صراع حيتان هائجة في البحر حولته بجراحها إلى بقعة حمراء من الدماء".مصطفى أمين وتهم أمن الدولةكانت نيابة أمن الدولة العليا قد وجهت إلى مصطفى أمين أربع تهم:التهمة الأولى: أنه تخابر مع بعض أشخاص يعملون لمصلحة دولة أجنبية، بقصد الإضرار بالمركز الحربي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي للدولة، وذلك بأن اتفق مع أشخاص يعملون لمصلحة دولة أجنبية على أن يمدهم بأخبار ومعلومات عن القوات المسلحة العربية والأوضاع السياسية والدبلوماسية والاقتصادية للدولة بالداخل والخارج والاتجاهات السياسية للبلاد وعلاقاتها بمختلف الدول، وقد أمدهم بمعلومات وأخبار أمكنه الحصول عليها ونسب بعضها كذباً للسيد رئيس الجمهورية.والتهمة الثانية: أنه سلم لشخص يعمل لمصلحة دولة أجنبية أسراراً خاصة بالدفاع عن البلاد، بأن سلم مندوب الدولة الأجنبية، سالفة الذكر، معلومات حربية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية معتبرة من أسرار الدفاع عن البلاد، ويجب ألا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك، ومعلومات متعلقة بالشؤون العسكرية بالقوات المسلحة العربية لم يصدر إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة بنشرها أو إذاعتها، وقد وقعت الجريمة في زمن حرب.والتهمة الثالثة: أنه قام بعملية من عمليات النقد الأجنبي بأن أجرى مقاصة منطوية على تحويل نقد أجنبي للخارج، إذ دفع مبلغ 20 ألف جنيه بالنقد المصري لأجنبي ليقبض مقابلها بالنقد الأجنبي بالخارج، وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة عن غير طريق المصارف المرخص لها.والتهمة الرابعة: أنه اشترك بطريقة الاتفاق والمساعدة مع أجنبي غير مقيم بالجمهورية العربية المتحدة في التعامل بالنقد المصري الموضح في التهمة سالفة الذكر، وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً.وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا في 10 فبراير سنة 1966 حكمها في القضية رقم 10 لسنة 1965 الذي قضى بمعاقبة السيد مصطفى أمين يوسف بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكانت قد انتهت المحكمة في حكمها إلى إدانة المتهم في التهم الثلاث: الأولى والثالثة والرابعة، وبرأته من التهمة الثانية، وقضت بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة، واستندت المحكمة في حكمها بالإدانة ـ بصفة أساسية ـ على ثمانية تسجيلات صوتية مسجلة على أحد عشر شريطاُ، تتضمن بعض أحاديث جرت بينه وبين أحد الملحقين بالسفارة الأميركية، كما استندت على إقرار مكتوب بخط يده حرر في ستين صفحة، واعترافاته في محاضر التحقيق.