ترانيم أعرابي: أعرابي في المطعم

نشر في 17-11-2015
آخر تحديث 17-11-2015 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم نحن ـ الأعراب ـ  ندرك أن من حق الجميع أن يفرحوا! من حق الفقراء أن يحتفلوا بمناسباتهم في المطاعم والأماكن المفتوحة؛ ومن حق الأعراب ألا يتبعوا «إتيكيتاً» يُبغضونه ما داموا لا يخالفون الآداب العامة.

الأعراب لم يعد لهم وجود في واقعنا الحالي، ربما وُجِد من كان عربياً محافظاً متمسكاً بموروثه وتقاليده، أما الأعراب فقد فقدناهم منذ أن انتشر الإنترنت وغزا الفيسبوك وتويتر عقول أبنائهم، وحلّت البيوت الأسمنتية محل الخيام في الصحاري والقفار.

هل ترك بعضنا الأمر على حاله ورضي بالمساواة، فلا أعراب ولا أهل حاضرة؟ كنت موقناً بهذا الأمر حتى ساقتني سيارتي في سالف الأيام إلى مطعم فاخر قبالة البحر، ومن طبعي أنني أحب البساطة على التكلف، لكن ابن عمٍّ لي أصرّ أن نفطر هناك.

هذه المطاعم اليوم صارت فخمة كالقصور، تدخلها فيرحب بك حارس القصر عند المدخل، ثم يأخذك إلى الطاولة التي ستجلس عليها شخص يبتسم لك بمقدار ما تكون ثيابك غالية ومظهرك أنيقاً خادعاً، يحسب أن كل صاحب ثوب من حرير يملك آلاف الدنانير ويغفل عن أن الكثير من أهل هذا الزمان يلبسون ما لا يملكون ثمنه، ويركبون ما لا يقدرون على شرائه.

تجلس على المائدة فتشعر بالسعادة لأنك ستأكل! لكن ما إن تلتفت من حولك فتجد سهام عيون المتطفلين تغزو مضاربك، تتقي شر سهامهم بابتسامة، علهم يدركون أنك بشرٌ مثلهم لا تهتم بالمظاهر كاهتمامهم بها!

أستحلفك بالله أيها القارئ العزيز إن كنت أعرابياً مثلي ودخلت قصور أهل المظاهر فلا تطأ قدماك المكان إلا متسلحاً بكتب فنون الإتيكيت ومعجم أكلات الشرق والغرب ودفاتر أنواع المناديل؛ لا تُفاجَأ فليس السامع كالمعايِن!

حينما قادنا الرجل المبتسم ابتسامة المُجبرِ لنجلس أحسست أن العالم ضاق بي حتى صار كخرم الإبرة، قطراتٌ من عرق الخجل والحياء تقاطرت من جبيني كيف لا، وأنا أمام جيش عرمرم من الملاعق والسكاكين، وملاعق ذات أسنان! كل هذا لن أُشغلك به لأنك ستجده في الكُتب التي أوصيتك بها.

الطامة يا أبناء قومي من الأعراب لم تأتِ بعد، المصيبة هي حينما أُحضِر الفطور وكان شهياً، بيضاً وجبناً وزيتوناً وفولاً وفلافل، وكل ما تشتهيه نفسك من ملذات الإفطار، لكن لن تأكل يا عزيزي، أتعرف لماذا؟ لأن هناك قوانين عليك الالتزام بها، فأهل هذا القصر المنيف الذي تأكل فيه بأموالك يشمئزون من أكل البيض بالخبز فهو يؤكل بالشوكة والسكين، والفول بالملعقة، والزيتون والجبن بالشوكة، وإن تاقت نفسك إلى الخبز فإما أن تأكله بعدما تستقبل معدتك الأكل أو تنقل ما تريد أكله بواسطة الملعقة والشوكة، والويل لك إن أقدمت على الأكل بالخبز من الطبق مباشرةً، فلا ترتكب حماقة كهذه وتكون حديث أهل المكان ويؤرّخ هذا العام بسنة الأعرابي.

السؤال الذي أعياني ولم أجد له جواباً: هل من يتصنعون الأكل في هذا القصر المنيف يفعلون الشيء ذاته في بيوتهم؟ أم إنهم إذا خلوا بصحون الطعام لحسوها؟!

هذا الصنف من الناس ممن تضايقهم تصرفات الأعراب في الأماكن التي يرتادونها هم أنفسهم ممن ينادون بالحرية واحترام ثقافات الآخرين ونشر العدالة الاجتماعية، بالطبع، لا نقول ولا نعمّم أن جميع مرتادي هذه المطاعم يحملون هذه النظرة لكنهم عددٌ لا يستهان به، وهؤلاء أنفسهم هم الذين شاهدتهم في مطعم آخر غير فاخر كثيراً يعيبون على عائلة هندية احتفلت بعيد ميلاد ابنتها ويسخرون من طريقة احتفالها؛ والغريب أن المحتفلين أرسلوا إليهم جزءاً من الكيكة! لأنهم أعراب مثلنا لا يتصنعون ولا يختبئون خلف المظاهر.

نحن، الأعراب، ندرك أن من حق الجميع أن يفرحوا! من حق الفقراء أن يحتفلوا بمناسباتهم في المطاعم والأماكن المفتوحة؛ ومن حق الأعراب ألا يتبعوا "إتيكيتاً" يُبغضونه ما داموا لا يخالفون الآداب العامة، ومن حق أهل المظاهر أن يأكلوا الزيتون بالملاعق والبيض بالشوكة والسكين مادام هذا يسعدهم ويريحهم، لأن السرور مكفول للجميع. المظاهر ليست سوى قناعٍ يستتر خلفه الخاوي من الثقافة الخالي من العلم فلا تكونوا مثلهم.

شوارد:

طلب مني بعض الأصدقاء أن يكون هذا المقال عن ضحايا باريس، فقلت لهم الأولى بزاويتي ضحايا براميل بشار وضحايا الروهنجا والضحايا المدنيون فقط في الضاحية الجنوبية!

back to top