ترانيم أعرابي: عندما تتصدر الغربان!

نشر في 15-12-2015
آخر تحديث 15-12-2015 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم العرب في جاهليتهم كانوا إذا سمعوا نعاب الغراب نال منهم التشاؤم، خصوصا أنهم كانوا يعتقدون أن الغراب إذا نعب مرة واحدة فالشرّ سينال ممن يسمع ذلك، وقد جاء الإسلام فهدم هذا المعتقد، وكان حبر هذه الأمة وسيد علمائها عبدالله بن عباس رضي الله عنه، يقول إذا سمع صوت الغراب "اللهمّ لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك".

ولذا لن أتشاءم من صوت الغراب، ولكن بكل تأكيد سيزعجني نعابه، فلم أقابل في حياتي إنسانا تطرب أذنه للغراب بل شاهدت أطفالا صغارا يختبئون في أحضان أمهاتهم إذا علا صوت الطائر الأسود. في عالم "تويتر" ما يسمى اليوم بعالم الطائر الأزرق نجد الكثير من الغربان التي لا تملك شيئا من العلم أو الفكر أو حتى النقل الجميل، ومع ذلك تجد الآلاف من الناس تتبعهم وتبحث عنهم وتخطب ودهم! لو دققنا في مشاهير "تويتر" في عالمنا العربي لوجدنا بعضهم لا يستحق أن يتابعه أحد- ولا أقول ذلك لأحسد أحدا- إنما أصرح به لأن "تويتر" أعطاني فرصة للالتقاء بالعديد من الأقلام الأدبية الجميلة والعقول المفكرة والنفوس المتفائلة المتوثبة التي لا يتبعها سوى المئات وربما العشرات!

غربان "تويتر" ترسل رسائل سوداء قاتمة كلون ريشها، فهي من تصدر الطائفية والكراهية بين الطوائف، وهي أيضا المسؤولة عن توسيع المسافات بين الناس وجعلهم أكثر بعدا عن ذي قبل، وهؤلاء يتميزون بأنهم يستغلون حماقة الجهّال، ويرقصون على جراحات الآخرين، ومن يتابعهم في "تويتر" فقد يكون أحد ثلاثة: إما أنه محب لما يكتبون فيعيد إرسال النعيق الذي يصدره هـذا الغراب أو أنه كاره لصوت الغراب فيرد عليه بصراخ يوازي بالسوء نعيب غرابنا والصنف الأخير هو من فئة المتطفلين الذين ابتلينا بهم في عالمنا اليوم!

صنف آخر من غربان "تويتر" المتصدرة هو الغراب الأبيض! شكله جميل وقد يسرّ بعض الناظرين، لكنه صاحب صوت مزعج كصاحبه الأسود تماما متخصص في السخرية من الآخرين، يبث في المجتمع ثقافة الاستهزاء والتقليل من قيمة الآخر، ويقتات على جراح الناس، ولا يكاد يميز بين شيخ جليل أو عالم فاضل أو كبير في السن، هذا الغراب ينتهك الستر ويسخر من الشكل ولا يتوقف عند الحدود العامة التي رسمها له المجتمع، وأتباع هذا الغراب يضحكون على النكات التي يطلقها ما لم يمس رموزهم، فإذا مست خطوطهم الحمراء انقلبوا عليه وشتموه وحاولوا الانتقاص منه.

 كل هذا لن ينفعهم لأنهم لم يأخذوا بنصيحة عمر بن عبدالعزيز حين قال "إذا رأيتني ضللت الطريق فخذ بمجامع ثيابي ثم هزني هزا عنيفا، وقل يا عمر اتق الله فإنك ستموت"، لأنهم وافقوا على أن يسخر هذا الغراب من الثور الأبيض، ولم يستوعبوا أن الثيران في عين الغراب لون واحد!

الصنف الثالث من الغربان التي يتبعها المغردون هو الغراب ذو اللونين الأبيض والأسود، سوء هذا الغراب أنه لا يجيد شيئا، فلا صوته جميل ولا شكله، ويحاول أن يكون كروانا فلا يقدر، ويحاول أخرى أن يكون صقرا فيفشل، لا يمتلك مبدأ ولا يحمل فكرا يميزه، كل شهرته مرتبطة بمصادفة جينية أو بمصادفة علمية! يرفع من قيمته من هو أقل منه حتى يستحوذ الغرور على نفسه فيمشي مشية يتيه فيها، لا أجد وصفا أبلغ من وصف سيد العربية في العصر الحديث وإمام البيان الرافعي حين قال "يكبر بعض الأدباء من صغر المحيطين بهم".

شوارد:

إن المغرد الذي يتبع الغربان لن ينال سوى شيئين: فساد ذائقته، وتدني فكره، ولذلك كل مغرد يمتلك القدرة على متابعة من يحب وأيقونة عدم المتابعة والمتابعة وضعت من أجل ذلك، ومقولة "تويتر" الشهيرة "الأنفلو لا يفسد للود قضية" هي حقيقة لكن مع الغربان تنقلب إلى "الأنفلو للغراب ضرورة وفضيلة".

back to top