لا أكفّ عن رؤية الكوابيس !
قد تنذر الأحلام أو الكوابيس بحدث مرتقب أو تعبّر عن أوهام بسيطة، لكنها تنقل رسالة دوماً. إنها طريقة بارزة للتعبير عن اللاوعي، ووحده الحالم يستطيع اكتشاف معنى الحلم الحقيقي.
يستبق هذه الألغاز الليلية التي يندمج فيها الواقع مع الخيال بعض الأحداث اللاحقة، وهي تهدف إلى تحضيرنا لها من خلال الكشف عن الأفخاخ والسلوكيات الشائبة. لكن لا يجب أن نفسر الرسالة التي يحملها الكابوس حرفياً قبل فكّ شيفرته. إذا حلمنا مثلاً أننا سنموت، فلا يعني ذلك أن الكابوس سيتحول إلى حقيقة بعد فترة قصيرة!
مرحلة {حركة العين السريعة}هذه المرحلة هي واحدة من مراحل النوم الثلاث. خلال هذه الفترة، نقترب من حالة اليقظة الكاملة، فيخفق القلب بوتيرة أسرع وترتفع حرارة الجسم. كذلك، تقترب هذه المرحلة من مستوى النوم العميق لكننا نحافظ خلالها على يقظتنا ويضعف النشاط الكهربائي. أثناء هذه المرحلة أيضاً، تنشط المناطق الدماغية التي توجّه الأوامر بالتحرك، فترسل أمراً إلى النخاع الشوكي كي يتحرك الجسم. لكن يتصدى له أمر مضاد عن طريق ناقل الغليسين الذي يشلّ الأعصاب الحركية. تتجدد الصور المسجلة خلال النهار عبر الخلايا العصبية التي تنقلها إلى الدماغ ثم تظهر في الحلم عبر الفص الصدغي الذي ينشط خلال مرحلة {حركة العين السريعة} تزامناً مع تعطيل المجالات البصرية الرئيسة.يساهم الحلم في إعادة برمجة الجهاز العصبي المركزي. أثناء الحلم، يصبح الدماغ أكثر إبداعاً لأنه يبتكر الأحداث التي تشكّل تفاصيل الحلم، ما يسمح بصيانة الجهاز العصبي بشكل دائم. كذلك، يُعتبر الحلم عاملاً أساسياً لاستيعاب المعارف المكتسبة.تجدر الإشارة إلى أن الكوابيس تخف على مر السنين ولكنها تبقى شائعة جداً لدى الأطفال. بين عمر الثالثة والسادسة، تراود الكوابيس بين 10 و50% من الأطفال. لكن تتراجع حدتها ووتيرتها في سن الرشد وتختفي بشكل شبه كامل بعد عمر الستين. ومن الملاحظ أنها أكثر شيوعاً لدى المرأة.من فرويد إلى كارل يونغخصص بعض علماء النفس من أمثال فرويد ويونغ حياتهم كلها لدراسة الأحلام والكوابيس. من خلال {تفسير الأحلام}، اجتمع الطبيب النفسي السويسري كارل يونغ مع فرويد. اكتشف يونغ {الطريق الملكي} نحو اللاوعي، ما سمح له بتطبيق مقاربة جديدة مع عدد من المصابين بانفصام الشخصية. لكن لم يكن الإجماع كاملاً بشأن النتائج والاستنتاجات. سرعان ما طور يونغ، بعد انفصاله عن فرويد، طريقة مختلفة لتفسير الأحلام: هي لا تنكر أفكار مؤسس التحليل النفسي ولكنها تحاول تجاوز ما تعتبره التركيز الحصري على نظرية الرغبة الجنسية.بالنسبة إلى يونغ، لا يمكن تفسير الحلم في معظم الحالات إلا من خلال خصائصه، وبالتالي لا يمكن حصره بفرضيات مسبقة قد لا تكون مرتبطة به أصلاً. وفق هذا المنطق، لا يمكن فهم الحلم الذي ينتجه أعمق جزء من اللاوعي حين يريد الكشف عن نفسه إلا من خلال تحديد الناحية الروحية المرتبطة به.وحده الحالم يستطيع تفسير تلك المشاهد الليلية. مع ذلك، حدَّد فرويد ويونغ بعض الرموز والأحلام {النموذجية} التي يتشاركها البشر. تشير الأروقة والمتاهات الطويلة إلى مواجهة ظروف معقدة أو العجز عن اتخاذ قرار. وتُعتبر الأغراض الطويلة والحادة، مثل الطائرة والشمسية والسكين، رموزاً جنسية ذكوريةتزداد الأدلة على أن رؤية الكوابيس الليلية ترتبط باللاوعي الذي يحاول أن يثبت وجود مشكلة أو صدام نرفض معالجته. تشمل أبرز النماذج الكلاسيكية التي تسبب الكوابيس: صراعات داخلية، ومصاعب شخصية، والضغط النفسي طبعاً. في معظم الأحيان، تؤدي مواجهة المسائل الحساسة إلى اختفاء الكابوس.لكن يمكن أن يظهر الكابوس أيضاً بسبب عامل أعمق أو مكبوت في الوعي الباطني. يعود بعض الكوابيس إلى مرحلة الطفولة، أو إلى ظروف عائلية محددة، أو حدث صادم في مرحلة الشباب، أو نقص في الحب، أو إهمال، أو اعتداءات حادة ودراماتيكية... هذه العوامل كلها قد تؤثر على الكوابيس التي تراود الفرد في سن الرشد.على صعيد آخر، ينجم {كابوس ما بعد الصدمة} عن حادث أو اعتداء قوي. يعكس هذا الكابوس بدقة شديدة الوضع القائم على أرض الواقع. الكابوس هو عملية طبيعية مدوّنة في الجينات ويشارك في مداواة الجروح النفسية، ما يسمح بتجاوز التجارب الصادمة التي نعيشها في الحياة الواقعية. من الملاحظ أيضاً أن الكوابيس شائعة لدى المصابين ببعض المشاكل النفسية مثل الاكتئاب واضطرابات القلق. لكنّ أكثر من 50% من الأشخاص الذين تراودهم الكوابيس لا يكونون مصابين بأي مرض نفسي معروف.فهم الكوابيس للتخلص منهايجب ألا نخلط بين الكوابيس وبين حالات الرعب الليلي. إلى جانب النوم السليم، يمكن اللجوء إلى بعض التقنيات الفاعلة لتخفيف حدة الكوابيس أو حتى التخلص منها نهائياً: • الاستعداد قبل النوم لأخذ الحلم في الاتجاه المنشود.• محاولة تذكّر الكوابيس.• إعادة كتابة السيناريو للتمكن من تغيير النهاية.• اللجوء إلى بعض التقنيات مثل التنويم المغناطيسي والبرمجة اللغوية العصبية والسوفرولوجيا.• لتجنب الكوابيس قدر الإمكان، حاول تحديد المسببات الأولية وتجنب التعرض لها قبل موعد النوم (أفلام رعب، خلافات، عوامل الضغط النفسي...). إذا استمرت الكوابيس وبدأت تفسد حياتك، لا تتردد في استشارة محلل نفسي لأنه سيساعدك على فهم حقيقة الكابوس تمهيداً للتخلص منه. التحدث عن الكوابيس هو أفضل ما يمكن فعله لأن التعبير عن مشاعر القلق الكامنة وسرد تفاصيل الأحلام يسمحان بتحليل الكابوس ومحاربته.باختصار، يعبّر الكابوس أحد أعمق مخاوفنا واضطراباتنا الداخلية ويكشف عن رسالة يوجهها لنا اللاوعي. يزعزع حياتنا وقد يرعبنا لكنه قد يسمح لنا بالتعرف إلى حقيقتنا أيضاً، شرط أن نأخذ الوقت الكافي للإصغاء إليه ولفهم رسائله.بعض التفسيرات الشائعة• يرمز الوحش إلى الخطر الذي نشعر به تجاه القوى الغرائزية الخاصة بنا (العنف، الجنس...).• قد يرتبط العري بشعور بالخجل والقلق من نظرة الآخرين والخوف من الاختلاف عنهم أو الضعف تجاههم.• الموت: يمكن الشعور بالهدوء والراحة عند توديع أشخاص متوفين. لكنّ الحلم بموتنا قد يشير إلى تجدد شخصي.• يرمز انهيار المنزل إلى وضعنا الداخلي وصعوبة النهوض أو الصمود.متى يصبح الكابوس اضطراباً حقيقياً؟• يكون الاضطراب خفيفاً إذا ظهرت الكوابيس أقل من مرة في الأسبوع.• يصبح الاضطراب معتدلاً إذا تكررت الكوابيس أكثر من مرة في الأسبوع.• يُعتبر الاضطراب حاداً إذا تكررت الكوابيس كل ليلة.