النحات عصام درويش: التماثيل التشخيصية تجربة تثير التحدي

نشر في 13-09-2015
آخر تحديث 13-09-2015 | 00:01
بوعي شديد، يقدم النحات المصري الدكتور عصام درويش أعماله النحتية وتماثيله المختلفة لرموزنا الإبداعية في ما يسمى التماثيل التشخيصية، وهو مجال يعُد التحدي الأكبر فيه أمام النحات هو الاستمرار والإصرار على تحقيق الذات، ثم يسعى منذ بداية مشواره مع النحت إلى تقديم تجربة فنية جادة بعيدة عن الاستسهال من دون النظر إلى الكم.
كيف تعمل على استنطاق الحجر عبر منحوتات مجسمة؟

للحجر لغته وتفاصيله الخاصة، وعلى الفنان أن يحترمها، ويكون تعامله معها مبنياً على الحوار المشترك المتبادل لا على الصدام للوصول إلى أفضل النتائج في الشكل والتعبير سواء كان في الأعمال الواقعية التشخيصية أو المجردة. على سبيل المثال، أحد أعمالي «رأس الغرانيت»، والمنفذ بخامة الغرانيت الأحمر بارتفاع 3 مترات تقريباً، هو عبارة عن رأس فتاة، وقد تخيلت أن للغرانيت ملامح، فكيف تكون الهيئة والتفاصيل؟ أصبحت العين عين الحجر والفم فم الحجر والأنف أنف الحجر وليست بالحجر. مع الأخير تصنع تفاصيل المادة لا تفاصيل الواقع المصدر التي تفقد دورها ووظيفتها في الحقيقة، فالعين لا ترى والفم لا يتكلم والأنف لا يتنفس. في الحجر، يجب أن ترى النحت في صورته النقية الخالصة من دون شوائب، تتفاعل مع الضوء بشكل واضح صريح في هيئات قوية لها حضور .

هل ترى أن إبداع منحوتة ما مرهون بموضوعها أم بالمادة المستعملة؟

ترتبط تجربة الفنان التشكيلي دائماً باللغة البصرية {لغة الشكل} لا اللغة الأدبية، فالموضوع عادة ما يكون وسيلة وليس غاية يدعم الفنان به مفرداته التشكيلية لبناء تجربته وتوضيح رؤيته. أما المادة فهي الوسيط الذي يحقق الفنان من خلاله وجود العمل وبقاءه، فالبقاء قيمة أساسية يسعى الفنان دائماً إلى تحقيقه في أعماله.

كيف تصف طبيعة الحوار التي تدور بينك وبين منحوتتك أثناء العمل؟

تستطيعين القول إن الفنان يلمس جميع مناطق الحوار وأساليبه أثناء مراحل الإبداع بينه وبين العمل. يكون الحوار أحياناً هادئاً بطيئاً، ثم حماسياً سريعاً، رقيقاً، عنيفاً. يحدث أحياناً صدام ثم يعود الحوار رقيقاً متوافقاً، يظل هذا الجدال المرهق أحياناً مستمراً إلى أن تستقر الرؤية ويولد العمل، عملية شاقة صعبة، خصوصاً في مجال النحت.

ما هي أقرب الخامات إليك، ولماذا؟

اشتغلت على معظم الخامات الحقيقية كالأحجار والأخشاب والمعادن، أميل أكثر إلى البرونز والغرانيت، فاحترم قوة الغرانيت، وأعشق صوت ورنين البرونز وحريته في التشكيل من دون قيد، وهما خامتان حقيقيتان تحققان البقاء والوجود للعمل النحتي، وهي سمة أساسية تميز النحت عن باقي مجالات الفنون الأخرى السمعية والبصرية ألا وهي البقاء.

لكل مبدع رهانه الخاص، فعلى ماذا كان رهانك؟

تقديم تجربة خاصة جادة بعيدة عن الاستسهال، وإن استلزم ذلك جهداً أكبر في البحث والتجريب والتنفيذ الصعب، قد يؤثر ذلك على الحجم الكمي للتجربة، لكن يكسبها المصداقية والعمق، والوصول إلى قيمة جديدة في الأعمال الواقعية التي تعتمد على الجسم الإنساني، خصوصاً في التماثيل التشخيصية يعد أمراً صعباً، وتحقيق الاستمرار والنجاح فيه أمر أكثر صعوبة في مرحلة حساسة ازدادت فيها كمية النقد والتهكم على الأعمال الميدانية خاصة التشخيصية منها، وقد راهنت بما قدمت من تجارب في هذا المجال على تحقيق التميز وإثبات الذات رغم صعوبته بين المحترفين وحساسيته في علاقته بالجمهور.

أي المدارس الفنية تراها الأكثر تأثيراً فيك، وهل تؤمن بهذه التصنيفات؟

أميل إلى الاتجاه الواقعي، وانتقل بينه وبين التجريد، لكن الحالة الفنية واحدة. مفتون بالطبيعة وأتأملها في شغف، والخالق عز وجل هو النحات الأعظم نتعلم منه من خلالها، وأراها كذلك تنتقل بين الواقع والتجريد.

هل استطعت إيجاد التوازن التقني المطلوب ما بين موضوعاتك والمواد المستعملة في تنفيذها؟

الموضوع ليس له علاقة باختيار المادة، لكن طبيعة الشكل وهيئته، فهو سيد اللغة البصرية، وتحقيق هذا التوازن يعد من الأبجديات الأولى للنحات، ومن يفشل في إيجاد هذه العلاقة مبكرا أنصحه بتغيير المجال.

ما هي الأعمال التي تراها صنعت بصمة في حياتك الفنية؟

تمثيل مصر في سيمبوزيوم النحت الدولي بدبي وسط 40 دولة، وحصولي على الجائزة الثانية بعد فرنسا، تمثال صالح سليم بالنادي الأهلي، وقد تم اختياري من بين 15 فناناً مصرياً كباراً في بداية حياتي العملية تقريباً، تمثال شجرة الزيتون باليونان من الرخام الأبيض، تمثال رأس الغرانيت بالمتحف المفتوح بأسوان، وكل عمل جديد اجتهد ليكون إضافة جديدة تبنى على ما سبق.

 من خلال رؤيتك للمدارس الفنية المختلفة على مستوى الوطن العربي، هل تستطيع القول إنه قد حان الوقت لابتكار مدرسة أو قيّم تشكيلية عربية أصيلة؟

اللغة البصرية لغة عالمية من الصعب تصنيفها، خصوصاً في عصرنا المعاصر، والإنسان ككيان مادي هو تجسيد حقيقي لهوية المكان الموجود فيه، تذوب فيه جميع الموروثات الثقافية والاجتماعية والبيئية، تعيش معه، لا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها، فتبقى معه حتى وإن تغير المكان والزمان، فهو هي وهي هو، لذلك فالأصالة لدى الكثير من الشعوب أصحاب التاريخ الطويل، خصوصاً مجتمعنا العربي الذي ساهم في بناء التراث الإنساني على مر التاريخ، لا تمثل مشكلة، فهي موجودة داخل كل فرد، وليست خارجه في أسلوب حياته وسلوكه وفنونه بالفطرة من دون حذق أو افتعال.

 للنحّات والمثّال هموم تفوق الرسّام، تتعلق باستخدام الوسائل التقنية، والمتداخلة لتحويل الماكيت (نموذج الطين أو الشمع...) إلى تمثال منجز من المعدن، فهل يمكن إجمال الصعوبات التي تواجهه؟

دائما مشاكل النحت والنحات تتلخص في توفير المكان المناسب، ويفُضل أن يكون مفتوحاً كي لا يتعرض لمشاكل صحية مرتبطة ببعض المواد التي يستخدمها، بالإضافة إلى أهمية تعامله مع الضوء الطبيعي. ثانياً، الإمكانات، فغالباً ما يتكلف العمل مبالغ كبيرة نسبياً بالمقارنة بفروع الفن الأخرى ليظهر بالشكل اللائق ويكتسب قيمته. ثالثاً، يجب على النحات أن يكون ملماً بكثير من الخبرات المعرفية والتقنية والمهنية مع افتراض توافر الموهبة، وفقدان أي من تلك الأشياء يصيب العملية الإبداعية بالخلل وأحياناً الشلل، فالقدرة على إخراج العمل، وتقديمه كمنتج نهائي محترم لا تقل أهمية عن الفكرة.

 لماذا يعُد الخطأ مرفوضاً في عملية النحت، وما هي النقاط التي يركز عليها النحات في عمله؟

الخطأ غير المتعمد وارد في أي مجال، المهم ألا يتكرر، الوضع قد يكون أكثر حساسية في التعامل مع الحجر، فالخطأ قد يفسد قطعة الحجر، مما يستدعي استبدالها، وأحياناً قليلة قد يكون ملهما للوصول إلى حل تشكيلي غير متوقع، لكن في الخامات الأخرى يمكن تدارج الخطأ مهما كان أثناء مراحل التنفيذ الأولى، ومع الخبرة والممارسة إن شاء الله احتمالية الخطأ تكون غير واردة.

back to top