«التربي».. رحلة واقعيَّة داخل مدينة الموتى

نشر في 30-10-2015 | 00:01
آخر تحديث 30-10-2015 | 00:01
No Image Caption
عن دار «أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي» في القاهرة، صدرت أخيراً رواية «التربي» للكاتبة لمياء السعيد، وهي مستوحاة من حوادث حقيقية، تتناول حياة التربي أو دافن الموتى ويومياته، وكل ما يتعلَّق بمهنته من غرائب وأسرار يفيض الكتاب بها من داخل مدينة الموتى.
تدور رواية «التربي» في قالب أشبه بأفلام الرعب، فما إن تدخل بين دفتي الكتاب حتى تجد نفسك داخل أسوار المقابر لتكتشف أسراراً لم تكن تتخيلها، فتظل طوال قراءتك مشدوداً إلى الأحداث التي صاغتها المؤلفة لمياء السعيد بحرفية شديدة وواقعية حتى يتداخل عليك الأمر هل ما تحكيه قصصاً واقعية أم خيال كاتب.

والرواية في مجملها وجه جديد للكتابة النسائية في الوطن العربي، فللمرة الأولى تدخل كاتبة عربية إلى مدينة الموتى، ليكون أبطال روايتها سكان القبور، وتكتب رعباً مستوحى من أحداث حقيقية وقعت.

في مقدمة الكتاب، تحدثت المؤلفة عن البطل، قائلة إنها جمعت في روايتها تجارب عدة من أصحاب هذه المهنة، قصوا عليها الكثير من خفايا عالمهم المليء بالأسرار والحكايات، بعضها حدث معهم شحصياً وعايشوه وبعضها سمعوا به.

وتضيف: {كلنا نحمل في قلوبنا شغفاً بالمعرفة عن عالم الموتى والمقابر، ماذا يحدث داخلها؟ ربما يكون ذلك محاولة منا لمعرفة ما ستؤول إليه حالنا جميعاً يوماً ما، أو أنها حال الإنسان دائماً، يحاول اكتشاف ما يجهل}.

وذكرت أن ثمة أشخاصاً تماسّوا مع هذا العالم ويعلمون ما يحدث في مدينة الموتى فحكوا لها بعضاً منها، وتضيف: {ربما أصابوا وربما أخطأوا، ولكنهم في النهاية بشر يعملون أرقى مهنة في التاريخ، وهي حمل سوءاتنا، فجمعت خيوط روايتي ونسجتها بخيال الكاتب فكانت إجابة عن سؤالي، ماذا لو حدث ذلك فعلًا؟}، كذلك تحدثت عن أمنيتها في أن تتحول نوعية قصص وروايات الرعب إلى إنتاج سينمائي وتلفزيوني عربي، بدلا من استيرادها من الخارج وإنفاق ملايين الجنيهات لأجل عرضها على المشاهد، وأن ثمة كتّاباً رائعون ولكن ينقصهم الإنتاج وتحويل إبداعاتهم إلى أعمال يشاهدها الملايين عبر المسلسلات ودور العرض السينمائي.

للموتى أصوات وأسرار

ومن أجواء الرواية: «اسمي عادل، أعمل تربي، أدفن الموتى، أعيش بينهم وأستمع إليهم، لا تتعجبوا، فللموتى أصوات وأسرار، لا تستطيع معرفتها بمجرد المرور من بينهم، ولكن نحن في قبور الموتى نعرف كل الأسرار، فما إن يغلق الباب علينا ليلا حتى يبدأ العرض».

يقول بطل الرواية إنه يرى أشياء لا يمكن لأي مخلوق غيره أن يراها، ما قد يصل به إلى درجة رفع الحجاب، وأنه يستطيع رؤية الجن، كذلك يستطيع سماع كلام يدور داخل القبور، وأنه سمع ذات مرة ما يمكن أن يسميه {عذاب القبر}، وذكر قصة أحد الأشخاص الذين دفنهم حديثاً، وكيف كان {جباراً} في حياته، وذات ليلة رأى دخاناً يخرج من قبره، وسمع صريخاً مدوياً، وصوت طرقات على القبر من الداخل، ولم يتمالك نفسه حتى هرول مسرعاً إلى بيته في جنح الظلام، لكن صوت الصريخ ظل يطارده طوال الليل، وفي الصباح ذهب إلى القبر نفسه وفتحه ليجد {الكفن} قد تمزق، وانتقلت جثة الرجل إلى مكان بعيد في القبر.

سيطرت على الرواية اللغة الحزينة والمترقبة، والمفردات المتماشية مع أجواء العالم الخفي والمرعب الذي يلامس أنين الموتى وشكواهم، ويستحضر أعمالهم في الدنيا، ومدى سخطهم على الحياة، ونفورهم من كل ما يذكرهم بالآخرة، وإقبالهم على الملذات والغث من الأعمال، حتى كانت آخرتهم على لسان بطل الرواية {التربي} الذي يقص حكايات عن بعض الموتى الذين شهدت مراسم دفنهم على مدى سوء أعمالهم وخاتمتهم.

وتحاول الرواية طوال الوقت الولوج إلى دهاليز الشعور بالخوف والانحناء الشفاف أمام الموت، للوصول في النهاية إلى ضرورة التأمل في الكون والحياة والموت، والاستعداد للحظات قادمة إلينا جميعا بلا محالة، لحظات {تقود إلى حيث اللانهاية، وإلى حيث المجهول الذي فغر فاهه ينتظر وليمة جديدة على وشك أن تزف إليه، وليمة تتحسس ما يخبئه الغيب في إغماضتها الأخيرة التي أسكنت جسدها، ولم تشعر بما خلفته وراءها من رأس وأذنين ولسان وشفتين وبطن ويدين وفرج ورجلين، هؤلاء جميعا أصبحوا ملكا للتراب الذي سيستقبل جثة مسجاة لا روح فيها ولا حياة، بل كم من الذكريات}.

و{لتربي} هي الرواية الرابعة للكاتبة لمياء السعيد، فهي أصدرت سابقاً روايات {القارورة}، {همسات بين العقل والخيال}، {عذاب الاشتياق} الصادرة أيضًا عن دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي في القاهرة.

back to top