انهيار البورصة يهدم جهود سنوات من المعالجة بالقطاع المصرفي

نشر في 23-08-2015 | 00:08
آخر تحديث 23-08-2015 | 00:08
● هلع وخوف وتدافع نحو البيع حتى على الأسهم الممتازة والقيادية الرابحة

● «كويت 15» خسر 3.3% من سعر الأساس بعد ثلاث سنوات من إطلاقه
حذر مصدر من أن استمرار تدهور أوضاع السوق سيعيد سيناريوهات سلبية تخلصت منها المصارف خلال السنوات الماضية، مضيفاً أن هناك أسهماً ممتازة تمثل نسبة كبيرة من الرهونات لدى المصارف، واستمرار تدهور الأسعار سيكشف نسب الضمانات، وستضطر البنوك إلى تجنيب مخصصات احترازية.

وكأن قدر سوق الكويت للأوراق المالية ان يتأثر سلبيا بكل تصحيح هنا او ازمة هناك، فكل ازمة في اي ركن من اركان العالم تجد بورصة الكويت اول المتأثرين بها حتى ولو لم يكن هناك ادنى ارتباط.

خسرت البورصة في اسبوع فقط نحو 1.2 مليار دينار كوتي، ومن بداية العام اكثر من ذلك،  بالرغم من ان البورصة لم تحقق اداء ايجابيا من منذ الأزمة المالية اواخر 2008، وبالرغم من ان كل الأسواق العالمية التي كانت مصدرا اساسيا للأزمة حققت نتائج ايجابية وبعضها استعاد عافيتة تماما وعاد الى المستويات التي كان عليها قبل الأزمة الا ان بورصة الكويت ظلت ترزح تحت ازمة الديون المحلية وتعقيدات المشاريع وبيئة العمل ولم تتحرك قيد انملة.

وتراجع مؤشر "كويت 15" الذي يضم افضل الأسهم في البورصة والأكثر سيولة واطلق قبل ثلاث سنوات، تراجعا الى ما دون مستوى الأساس الذي اطلق عليه، وخسر نحو 3.3 في المئة، كما خسر المؤشر الوزني حتى الآن 8.3 في المئة، ليعكسا حجم التراجع والتأثر وموجة البيع التي تشهدها الاسهم الممتازة والقيادية في السوق.

الانهيارات لن تستثني أحداً

وحذر مصدر مصرفي من ان استمرار تدهور اوضاع السوق سيعيد سيناريوهات سلبية تخلصت منها المصارف خلال السنوات الماضية.

وقال المصدر ان هناك العديد من الأسهم الممتازة لاتزال تمثل نسبة كبيرة من الرهونات لدى القطاع المصرفي واستمرار التدهور في الأسعار الحالية سيكشف نسب الضمانات، واحترازيا ستضطر البنوك الى تجنيب المخصصات الاحترازية حتى وان كانت الضمانات لديها فوق 200 في المئة.

غياب العوامل المؤثرة

عمليا، ترى اوساط استثمارية ان سوق الكويت للأوراق المالية فقد عددا من العوامل التي كانت تمثل محركا رئيسيا واساسيا خلال المرحلة الماضية، ابرزها:

1 - غياب المضاربين عن السوق واتجاههم لأسواق خليجية وخارجية.

2 - شح السيولة، وهي الأزمة المستمرة منذ سنوات.

3- عزوف كبريات المحافظ والصناديق عن الاستثمار والتداول في السوق بسبب بعض القيود وصعوبة التخارج.

وبالرغم من ان العوامل السلبية القائمة منذ سنوات لم تتبدل والممثلة في:

- عدم وضوح الرؤية من جانب الحكومة والدولة اقتصاديا وتجاه السوق المالي عموما.

- تضارب في التصريحات الوزارية من اعلى مستويات قمة الهرم الاقتصادي عن عجوزات مالية غير مقدرة وغير دقيقة.

- تصريحات من غير ذوي الشأن المالي والاقتصادي عن استمرار الصرف وتنفيذ المشاريع.

- لا نصيب للاستثمار في الأسهم من التمويل المصرفي.

- خسائر كبيرة لشريحة صغار المستثمرين الذين يمثلون محركا اساسيا ورئيسيا في السوق.

الا ان السوق الكويتي في طليعة الأسواق المتأثرة بسبب الأوضاع العالمية وهو ما يراه مراقبون امرا مبالغا فيه خصوصا وانه لم يحقق اي اداء ايجابي يذكر.

آراء الاقتصاديين

وفيما يلي آراء نخبة اقتصادية تحدثت الى "الجريدة"

علي الموسى

بصراحته المعهودة، يقول رئيس مجلس ادارة البنك التجاري علي الموسى ان مستوى التداول في سوق الكويت للأوراق المالية محزن، مشيرا الى ان الحديث عن قيمة تداول تبلغ 10 ملايين دينار كويتي لا يمكن ان نقول انه سوق مالي.

واعتبر الموسى ان السوق حاليا فقد دوره ولم يعد فيه الا اسمه، مشيرا الى انه وصل الى مستويات سيئة نتاج تراكمات واختلالات طويلة لم تشهد اي نوع من المعالجات الفاعلة.

وعن الانعكاس السلبي للسوق المالي على القطاع المصرفي، اشار الموسى الى أن الجميع يعمل في منظومة اقتصادية تفاعل بعضها مع بعض بشكل او بآخر، مضيفا: "مع شديد الأسف هذه المنظومة تأكل ولا تعمل كما ينبغي".

ولخص الموسى لب الأزمة في غياب رؤية اقتصادية هادفة، حيث لا سياسة مالية، ولا فريقا اقتصاديا يدير شؤون واقتصاد الدولة، فكيف إذاً ستحل المشاكل والأزمات التي تواجه الاقتصاد؟

واعتبر ان استمرار الدولة في هذا المسار "سيقودنا الى مشكلة اكبر وسيكون وضعنا اسوأ مما هو عليه الآن، مضيفا ان العالم يهيئ نفسه لمواجهة التحديات والتداعيات ويضع الحلول المناسبة والخطط في اطار منظومة شاملة.

وقال الموسى ان الدولة تهيمن على 70 في المئة من حجم الاقتصاد بينما يمثل نصيب القطاع الخاص 30 في المئة فقط نصفه معطل او خارج الوعي وبالتالي لو اجتمع القطاع الخاص بأكملة فلن يحرك ساكنا، مبينا ان ازمة ديون 2008 لاتزال مستمرة رغم ما مر من سنوات طويلة استعادت فيها دول واقتصادات مأزومة عافيتها.

وتساءل: كم شركة في البورصة "يمكننا وصفها بأنها حية، ولن نقول ان وضعها ممتاز؟"، مشيرا الى انه من الخطأ ان نختزل الأزمة في السيولة او البنوك، كما انه ليس في الكويت بنك  يمكنه معالجة مشاكل الدولة.

وخلص الموسى الى انه من الواضح ان القطاع الخاص دوره ثانوي بالنسبة الى الحكومة فهو لا يرفد خزينة الدولة، لذلك لا اهمية بالنسبة له، لكن في المقابل لا اقتصاد سليم بلا قطاع خاص.

طارق البحر

بدوره، قال الرئيس التنفيذي للشركة الكويتية للتمويل والاستثمار (كفيك) طارق مشاري البحر ان سوق الكويت للأوراق المالية غير قادر على ان يعكس اي تطورات ايجابية ممثلة في تحسن أوضاع العديد من المراكز المالية للشركات او الأرباح المحققة بسبب شح وضعف السيولة المتوافرة فضلا عن غياب القوانين المحفزة، وبعض القوانين من الجهات الرقابية التي تحد من الحركة بمرونة عالية، رغم ان هناك مساعي للتعديل الا ان الأمر يحتاج سرعة اكبر.

وبين البحر ان قيمة التداولات من بداية العام بلغت نحو 2.7 مليار دينار بمتوسط يومي يبلغ 17 مليون دينار، جاء تضخم المتوسط بفضل الإدراجات التي تمت خلال العام لشركة ميزان ومن قبلها فيفا، وشهد السوق وقتها قيم تداولات بلغت 50 مليون دينار، ومع انتهاء هذا العارض عادت السيولة مرة اخرى الى الاضمحلال والاختفاء.

واوضح: «نلمس عزوفا من المستثمرين الخارجيين الذين كانت لديهم اهتمامات بالسوق الكويتي»، مشيرا الى ان وقف نظام العمولات والخصومات التي كانت تمنح لهم افقدتهم حافزا كبيرا للتعامل في الأسهم الكويتية.

واوضح البحر ان السوق يفتقد حاليا  للمبادرة وهو بحاجة ماسة الى عاملي دفع رئيسيين هما السيولة وصانع السوق.

وذكر ان السوق منذ بداية الأزمة لم يشهد اي قوانين محفزة او اجراءات عامة واطرا شاملة تنشط الوضع الاقتصادي من شأنها تحسن من بيئة العمل، اضف الى ذلك التطورات الأمنية والسياسية التي زادت من حدة الضغط والأكثر من ذلك ترقب المستثمرين لتطورات اسعار النفط واضطراباتها، مضيفا ان كل هذه العوامل تجعل السوق ارضا خصبة للتأثر السريع ومواكبة اي تراجعات عامة على الرغم من الأداء السلبي للمؤشرات.

صالح السلمي

من جهته، اعتبر رئيس مجلس ادارة شركة الاستشارات المالية والدولية (ايفا) صالح السلمي ان ما يمر به سوق الكويت للأوراق المالية من انهيارات وتراجعات سلبية هو نتاج طبيعي لسوء الأوضاع العامة وعدم توحيد السياسة المالية والنقدية وتوجيه السيولة المكدسة نحو مشاريع استثمارية من شأنها ان تنعش الوضع الاقتصادي "المخنوق".

واضاف السلمي ان السيولة المتوافرة في الدولة مكدسة في المكان الخطأ، واحد ابرز اسباب ازمة الكويت هو شح السيولة و"سبق ان حذرنا من هذا السيناريو مرارا وتكرارا".

وقال ان الأوضاع الخارجية والأمنية واضطرابات اسعار النفط هي عوامل فنية ضاغطة، نعم، لكن سوق الكويت يعاني سلبيات مزمنة في الأساس لم تجد اي سبيل او جهد للمعالجة السليمة.

وقال: "لو تم تبني ما اقترحته بيوت استشارية واصحاب راي وخبرة، حتى بنسبة 50 في المئة لكان وضع الاقتصاد افضل مما هو عليه الآن"، معتبرا ان معاناة سوق الكويت للأوراق المالية الحالية مضاعفة وجرحه اكبر من الغير "لأننا لم نتخذ اي اجراء علاجي في حين اتخذ الآخرون اجراءات وحققوا نتائج ايجابية واي تراجع حاليا هو بمنزلة حركة تصحيح وسيعاود التماسك والاستقرار سريعا، فالفارق بيننا وبينهم ان لديهم رؤية وهدفا وردة فعل سريعة تعالج الأسباب الحقيقية لأي انحدار في مسيرة الاقتصاد".

واوضح السلمي: "للأسف، ازمة البورصة آخذة في التعقيد ويمكن القول ان السوق وصل الى مرحلة يستحق فيها شهادة وفاة ونعظم الأجر فيه"، مضيفا انه حتى الشركات الممتازة ومكونات مؤشر "كويت 15" اخذت في الانهيار والتراجعات الحادة.

وقال ان الشركات مهما حققت من مكاسب ونتائج ايجابية وترتيب لأوضاعها لا يوجد ايمان بأهمية السوق، ودورة التمويل والانعكاس على الاقتصاد الكلي الداخلي بحيث يشمل الشركات الكبرى والصغرى، مشيرا الى انه مع الأسف لا توجد سوى البنوك لها من يحميها فيما باقي السوق متروك في العراء.

حامد الصانع

من جهته، قال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة الكويت والشرق الأوسط للاستثمار المالي، حامد الصانع، ان ازمة السوق المالي تعود الى الضغط النفسي الهائل على المستثمرين والقلق من مجمل الأوضاع المحيطة سواء سياسيا او امنيا.

واضاف الصانع ان الاقتصاد الكويتي كوضع عام للدولة جيد ولا يدعو للهلع بالنظر الى احتياطيات الدولة وقوتها المالية.

واوضح ان وضع البورصة المأزوم يعكس الوضع العام ككل والبيئة المحيطة وكذلك الاجراءات المتخذة على ارض الواقع، مضيفا "نأمل استقرار وتحسن الأوضاع خصوصا وان الانهيارات والتراجعات ليست في مصلحة احد".

مليار دينار أرباح النصف الأول  

نتائج النصف الأول من العام الحالي قاربت المليار دينار كويتي بنمو يبلغ 7.5 في المئة ما يبعث اطمئنانا الى ان هناك توزيعات وعوائد نقدية ينتظرها المستثمرون وبعائد افضل من الودائع.

وعلى هذه النتائج يمكن فرز الفرص الاستثمارية التي تتميز بميزة دفاعية خلال الاضطرابات او التي سرعان ما تكون في طليعة الأسهم المرتدة ايجابيا.

شركات عادت من بعيد

قال مصدر مصرفي ان ما حققته بعض الشركات المدرجة من عمليات اعادة هيكلة واستعادة عافيتها وتحقيق ارباح يعتبر بكل المقاييس اعجازا اذا ما نظرنا الى ان هذه الشركات عبرت الأزمة بمجهود ذاتي اعتمادا على اصولها وارباحها ومواردها الذاتية.

واضاف المصدر ان الحكومة لم تتدخل من قريب او بعيد في عمليات شراء اصول او اي دعم يذكر للسوق حيث تركت السوق منذ 2008 الى مصيره وخرج من خرج ومن تحمل ضغوط الأزمة وتداعياتها طوال 8 سنوات بإمكانه الاستمرار لكن في ذات الوقت تحتاج الشركت الى بيئة عمل مناسبة واجراءات عامة محفزة ومنشطة.

فشل المحفظة الوطنية

قالت مصادر استثمارية: «اذا كانت المحفظة الوطنية قد اثبتت فشلا ذريعا في القيام باي دور يذكر تجاه السوق، وتكاد تكون هي الآن غارقة ممثلها مثل اي محفظة او صندوق آخر، فلماذا لم يتم الاسراع في اتاحة الأطر المنظمة لصانع السوق او البحث عن بدائل واجراءات اخرى اكثر منطقية وتحفيزا للاقتصاد ككل، ومن ثم يعكس السوق المالي هذا الواقع او الإجراءات».

وكشف مصدر استثماري ان قائمة الشركات التي تركز عليها المحفظة الوطنية شهدت مؤخرا تراجعات كبيرة ما يعني ان المحفظة ذاتها تحتاج الى من يعينها.

شركات لا علاقة لها بالنفط أو السياسة

في سوق الكويت للأوراق المالية مجموعة من الشركات التشغيلية التي لا علاقة لها بالنفط او السياسة فهي ترتكز على انشطة اساسية وضرورية وتحقق ارباحا نامية سنويا، وتوزيعاتها النقدية مضمونة ايضا وترفد المساهمين بمالا يقل عن 5 في المئة عائدا نقديا فضلا عن عائد ايجابي على سعر السهم السوقي.

اضف الى ذلك قوة اصولها واستثماراتها ويعكس ذلك القيمة الدفترية لهذه الأسهم التي بعضها يصل الى اضعاف القيمة السوقية.

تأثر هذه السلع انما يأتي بسبب الموجة العامة للسوق التي لا تفرق او تفرز الغث من السمين، اضافة الى ذلك شح السيولة الذي يخيم على السوق منذ 8 سنوات وباتت البورصة مصدر تمويل اساسيا ورئيسيا بمعنى ان التسييل هو المصدر الوحيد للحصول على سيولة بمرونة عالية بعيدا عن التعقيدات الائتمانية التي باتت تتطلب ضمانات تصل الى200 في المئة في بعض الأحيان.

10 إيجابيات يتجاهلها السوق

1 - الكويت دولة مليئة ومركزها المالي قوي ومتين رغم مؤشرات العجز كما انها خالية من الديون.

2 -  القطاع المصرفي في افضل حالاته واقوى مؤشراته المالية رغم كل التحديات التي مر بها، ومن فوقة جهاز رقابي مميز ممثلا في البنك المركزي يراقب ويتابع عن كثب، وهو مؤشر ايجابي اقتصاديا للدولة وللقطاع الخاص عموما.

3 – 970 مليون دينار ارباح صافية للشركات عن فترة النصف الأول من 2015 بنمو 7.5 في المئة مقارنة مع نفس الفترة المقابلة من العام الماضي رغم ضيق ومحدودية الفرص واداء السوق السلبي.

4 -  38 مليار دينار ودائع عائدة للقطاع الخاص جاهزة للاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية، تحتاج فقط الى ثقة ورؤية عامة وبيئة محفزة.

5 - قيم دفترية تصل إلى 8 أضعاف القيمة الاسمية للسهم ما يعطي اطمئنانا وثقة، ففي اسوأ سيناريو ممكن لتصفية كيانات من هذا النوع فإن المستثمر سيخرج رابحا.

6 - شركات باتت خالية من الديون ونظفت ميزانياتها تماما واعادت هيكلة استثماراتها من جديد وخرجت من تحت رحمة السوق المالي فيما يتعلق بجانب تحقيق الأرباح، فلم تعد مرتبطة باتجاهات السوق.

7 - عدد غير قليل من الشركات المدرجة تمتلك فيها الحكومة بطريق مباشر او غير مباشر وهذا في حد ذاته مؤشر اطمئنان وثقة.

8 – في السوق عشرات الشركات التي تتمتع بإدارات ذات سمعة مرموقة وفي اصعب سنوات وظروف الأزمة حققت هذه الشركات ارباحا ووزعت للمساهمين نقدا.

9 - قائمة اخرى من الشركات تتملك فيها البنوك المحلية حصصا ولها ممثلون في مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية وتحظى بعناية ورعاية كاملة.

10 - تأكيدات حكومية بأن المشاريع التنموية مستمرة حتى لو انخفض النفط الى مستويات اقل من الحالية.

back to top