كل الأشياء تسبّب السرطان... إخفاق العلوم!

نشر في 18-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 18-07-2015 | 00:01
No Image Caption
لمَ يجب ألا تكترث بأن اللبن، وغسول الفم، واللحم الأحمر، والخبز المحترق، وحمالة الثدي ترتبط بمرض السرطان؟
أكره أن أنقل لك هذا الخبر، إلا أن كل الأشياء في الحياة تقريباً رُبطت بمرض السرطان: الخبز المحروق، والهوت دوغ، والإخفاق في تنظيف الأسنان جيداً، وما إلى هنالك. أمامك اليوم خياران: الهلع أو مواصلة حياتك اليومية كالمعتاد. أنصحك بالخيار الثاني.
يأتي الجزء الأكبر من المعلومات الصحيَّة، التي تقرأها على شبكة الإنترنت أو تسمعها خلال نشرة الأخبار، من دراسات تقوم على المراقبة (يبحث العلماء عن أناس يتناولون طعاماً محدداً يأخذون دواء معيناً، أو يعيشون نمط حياة ما، ومن ثم يُقارنون وضعهم الصحي بصحة مَن لا يقومون بأمور مماثلة. كشفت هذه الدراسات بعض الروابط المقلقة: يرتفع خطر سرطان المبيض إلى الضعف تقريباً بين النساء اللواتي يتناولن اللبن مرة في الشهر على الأقل. كذلك يزداد سرطان البنكرياس معدل الضعف بين مَن يشربون القهوة مرتين في اليوم. ويتفاقم خطر الإصابة بنوبة قلبية بين مَن يملكون شخصية من {النمط أ}.

ولكن ثمة واقع عام في ما يتعلق بالدراسات التي تعتمد على المراقبة. فاحتمال أن تكون خاطئة تماماً كبير جداً.

قبل نحو سبع وعشرين سنة، أجرى ثلاثة باحثين مسحاً شاملاً للمنشورات التي تتناول الأمراض. فاكتشفوا 56 ادعاء صحياً تستند إلى دراسات المراقبة وتنقسم حولها الأبحاث بشكل واضح ومباشر: يدعم ما معدله 2.4 دراسة كل ادعاء، في حين تعارضه 2.3 دراسة كمعدل. ولا عجب في أن يكون معظم هذه الادعاءات مرتبطاً بمخاطر السرطان.

في عام 2011، تعاون خبيرا الإحصاءات س. ستانلي يونغ وآلن كار ليحللا 12 تجربة سريرية عشوائية دققت في 52 دراسة تعتمد على الملاحظة. أظهر معظم هذه الدراسات الاثنتين والخمسين أن عدداً من المكملات الغذائية التي تحتوي على الفيتامينات يؤدي إلى نتائج صحية إيجابية. لكن التجارب السريرية الأكثر أهمية خالفتها الرأي.

كشف يونغ وكار في مجلة Significance: {أكَّدت كلها أنها لا تؤدي مزاعم دراسات المراقبة. حصلنا على النتيجة: 0 من 52. بكلمات أخرى، أخفقنا في تكرار 100% من مزاعم دراسات المراقبة، حتى إن خمسة ادعاءات (9.6%) اعتبرت مهمة إحصائياً في التجارب السريرية، وخصوصاً أنها تعارض مباشرة ادعاءات دراسات المراقبة}.

خلل في النتائج

ولكن لمَ تخفق دراسات المراقبة إلى هذا الحد؟ استخدمها الباحثون المتخصصون في علم الأمراض في الماضي لتأكيد مخاطر التدخين الكبيرة التي تهدد الصحة العامة بشكل حاسم، ما أدى إلى قواعد وإشراف بالغي الأهمية. على نحو مماثلة، أثبتت دراسات المراقبة بوضوح فوائد اللقاحات، فلورة ماء الشرب، وأحزمة الأمان في السيارات.

أولاً، قد يمثِّل تصميم دراسات المراقبة مشكلة. يعتمد الكثير منها على بيانات يقدمها الشخص نفسه عن نظامه الغذائي ونمط حياته مثلاً. لكن عدد المشاركين الكبير في الدراسة يحمل معه مجموعة محتملة من المتغييرات المحيرة، التي قد تحدث خللاً في النتائج. وأخيراً، تتعمد دراسات المراقبة غالباً على السعي وراء نتائج محددة، إذا جاز التعبير. فقد أشار يونغ وكار إلى تجربة اكتشفت أن النساء اللواتي يتناولن كمية أكبر من حبوب الفطور ينجبن عدداً أكبر من الصبيان، علماً أن هذه نتيجة سخيفة جداً لا تدعمها أي أدلة بيولوجية.

يذكر هذان الباحثان: {شملت البيانات جنس أولاد 740 امرأة، فضلاً عن نتائج استبانة حول الطعام، لا حبوب الفطور فحسب، بل 133 صنفاً مختلفاً من المأكولات... إذاً، شكلت حبوب الفطور... أحد الأطعمة القليلة بين الأصناف المئة والثلاثة والثلاثين التي سجلت نتيجة إيجابية}.

ومع قيمة احتمالية نموذجية تبلغ .05 وتسمح باعتبار النتيجة {مهمة}، ثمة احتمال 5% أن يكون الادعاء بمحض الصدفة مهماً. لذلك، إن اختبر الباحثون مقداراً كافياً من النتائج، فلا بد من أن تصيب إحداها.

تشمل المشاكل الأخرى طبيعة دراسات علم الأمراض بحد ذاتها. فلا تنجح هذه الدراسات في تحديد المخاطر المحدودة. لا شك في أن زيادة بنسبة 3000% في خطر الإصابة بسرطان الرئة نتيجة التدخين مهمة فعلاً، إلا أن ارتفاعاً بنسبة 38% في سرطان الثدي نتيجة التعرض في العمل لحقول كهرومغناطيسية يُعتبر تافهاً.

إصلاح الدراسات

أخبر مايكل ثون، المدير السابق لقسم علم الأمراض التحليلي في جمعية السرطان الأميركية، لمجلة Science: {في علم الأمراض، يمكنك استنتاج مسألة صغيرة من مسألة كبيرة. ولكن من الصعب استنتاج مسألة صغيرة من لا شيء}.

وضع يونغ وكار خططاً لإصلاح الدراسات التي تعتمد على المراقبة والملاحظة. تضيف مقاربتهما المؤلفة من سبع خطوات مراجعة النظراء إلى مختلف مراحل الدراسة، من جمع البيانات إلى التحليل وكتابة التقارير الفعلية. وقد شبها هذه المقاربة بمصنّع منتجات يحاول الحفاظ على النوعية خلال مراحل الإنتاج الأساسية، لا بعد الانتهاء من عملية التصنيع والحصول على المنتج النهائي.

وإذا اعتُمدت طريقة يونغ وكار، فستعيد على الأرجح بعض المصداقية إلى علم الأمراض، وربما لن يُضطر الناس بعد ذلك إلى قراءة عناوين أخبار تجعل من تنظيف الأسنان مسألة حياة أو موت.

back to top