6/6 : الصرع الإرهابي

نشر في 17-11-2015
آخر تحديث 17-11-2015 | 00:09
 يوسف الجاسم في 16 نوفمبر احتفل العالم بيوم "التسامح"، ونظمت الجمعية الكويتية للإخاء الوطني مشكورة ملتقى في المكتبة الوطنية للحديث عن هذه المناسبة، وتداول المنتدون بالعنوان وما اتصل به من آفاق، وهم يعيشون قتامة المشهد الإرهابي عربياً وإسلامياً وعالمياً الذي يفتك بمفاهيم التسامح والتآخي والسلم الاجتماعي.

مبعث سوداوية المشهد وقتامته أن غلاة المتطرفين وزعماء وأمراء المنظمات الإرهابية ومريديهم ومفكريهم وداعميهم، اتخذوا ظلماً من الدين الإسلامي الحنيف تكيّة لكل ما تشهده الإنسانية من أعمال إرهاب وترويع للآمنين، وقتل وتجريف لأرواح البشر.

وتدور جميع هذه الدوائر العدميّة من الصَرَع الإرهابي مستخدمة الدين كدافع لقتل البشر ودمار الحضارة الإنسانية وإرادة الحياة، تحت دعاوى الحرب على النظام السوري ونصرة الشعب المنكوب في أرض الشام، ويقابل تلك الأعمال في هذا المدار الشيطاني البغيض إرهاب الدول والمنظمات المساندة للنظام السوري، الذي يتخذ من رش المواطنين العزّل مع إطلالة كل صباح بالبراميل المتفجرة وقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وسيلة لبقائه، ولقطع الطريق على قوى الإرهاب كما يدّعي.

إن تنظيم "داعش" وعنوانه "الدولة الإسلامية في الشام والعراق"، يوزع مخزونه من الشر ورغبته الجامحة في سفك الدماء خارج حدود دولته المزعومة دون تمييز بين أهداف إسلامية وغيرها، ليحصد الأرواح البريئة ويضرب عشوائيا في كل مكان بدءاً من السعودية والكويت والبحرين واليمن، مروراً بمصر وليبيا ولبنان، وانتهاء بفرنسا وملاعبها وشوارعها ومرافقها الحضارية الآمنة وشعبها الذي أصّل مبادئ الديمقراطية والتسامح والعدل الإنساني، وأفشى مفاهيم ومعاني الجمال في العالم كله.

إن رحىٰ تلك الدوائر الجهنمية تدور على مدى الأيام، وتضع الإسلام في عين العاصفة، وتلعب الجماعات الضالة بمختلف مشاربها دوراً محورياً بتشويه الدين وصورته في أنظار العالم، ويعلنون حروبهم في الأمكنة والأزمنة التي يختارونها منفردين دون أن يكون للمعتدى عليه الحق في الرد ولا الردع وإلا اعتُبِر محارباً للإسلام.

قبل عشر سنوات حذّر المفكر الدكتور عبدالحميد الأنصاري، العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وهو يتحدث عن الجذور الفكرية للتطرف بالقول: "لا يمكن لنا أن نواجه المد المتصاعد للتشدد إلا بثقافة المراجعة وإعادة النظر في المنظومة الثقافية العامة برمّتها، وعبر تبني منهج النقد والمحاكمة للمفاصل المجتمعية الحاكمة، تربية وتعليماً وتوعية دينية وثقافية وإعلامية وتشريعية"، ومع الأسف لم يستمع أحد لذلك النداء، وها نحن اليوم نجد "التسامح" الذي تدعو إليه الجمعية الكويتية للإخاء الوطني يصطدم بحالة صرع إرهابي مركّب، انطلق من الدوائر العربية ليتحول إلى الأممية بأشكال دموية متعددة، ولن يتم الشفاء منه حتى يتحرّر الدين من قبضة التشدد والغُلو والتطرف الذي يحتضن الإرهاب المتوحش، ويسكن عقول منتسبيه المريضة، والتي يساوي قسم منها بين حماية رجل واحد وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين من الأبرياء تحت مقولة "أحكمكم أو أقتلكم"، ويهدر القسم الآخر دماء الآلاف من الأرواح البريئة فقط لأنهم منتمون أو قريبون من طائفة أو مذهب ذلك الرجل الواحد أو منتمون إلى دول تحارب إرهابهم وتسعى إلى خلاص العالم من شرورهم.

إنها بحق حفلات زار وصرع إرهابي مقيت، تتسيّد المشهد المرعب في عالمنا العربي والإسلامي المنكوب، وبدأ الضالون منا بتصديره إلى عواصم النور والتنوير، ولا ندري ماذا تخفي لنا قادمات الأيام؟

back to top