لا مجال للتحسين

نشر في 25-08-2015
آخر تحديث 25-08-2015 | 00:01
تُعتبر ستة سيناريوهات ونصف من سبعة محتملة مقلقة، في حين أن نسخة واحدة من أحد السيناريوهات تُعتبر واعدة، ونأمل بالتأكيد الحصول على اقتراح محسن يروّج حقاً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ونرجو أن تصف هذه النسخة الإيجابية ما يحدث حقاً.
 أميركان إنتريست اقترحت قبل أيام تحسينات محددة في الصفقة الإيرانية، تشمل هذه طرقاً لإصلاح العيوب في عملية معاقبة إيران على الانتهاكات المحتملة، ورفع كلفة تحويل إيران الأموال المحرَّرة بعد تخفيف العقوبات إلى أتباعها الإرهابيين، وتعزيز الردع كي تفكر إيران ملياً قبل أن تستغل بنود انتهاء الصلاحية في الصفقة لتسارع إلى تطوير سلاح نووي في وقت لاحق. إذاً لمَ لم تتخذ الإدارة الأميركية أي خطوات جدية استجابةً للانتقادات البناءة التي وُجهت إلى هذا الاتفاق؟ ثمة سبعة أسباب محتملة في رأيي:

1- تصدق الإدارة حقاً خطابها: إذا كان هذا صحيحاً فلا يُعتبر أي انتقاد بطبيعته بناء أو أي تحسين ممكناً وضرورياً، ونظراً إلى خطورة هذه المسائل نأمل ألا تكون الإدارة قد أقنعت نفسها بأنها حققت ما يُعادل الرسالة الإلهية المطلقة التي حملها موسى من جبل سيناء.

2- تقر الإدارة في المجالس الخاصة بضرورة إجراء تحسينات، إلا أنها تجد نفسها في مأزق لا تدرك السبيل إلى الخروج منه: بما أن الإدارة أمضت الأشهر بعد الإعلان عن اتفاق فيينا في التأكيد أن التحسينات واهمة، فقد يشعر البيت الأبيض أنه أسير خطابه، وقد يخشى التداعيات السياسية للإقرار بأن الإصلاحات تستحق العناء وممكنة. نتيجة لذلك، تكتفي الإدارة بتمني اختفاء هذه المشكلة، وفي هذه الحالة يتفوق التحفظ السياسي على المصالح الاستراتيجية.

3- تخشى الإدارة إخافة إيران: تعتبر هذه النظرية أن اتخاذ أي خطوات إضافية اليوم لتعزيز الردع سيشكل دليلاً لإيران على سوء نوايا الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى انهيار كامل الاتفاق، وتمتد هذه النظرية أيضاً إلى الإعلان الرئاسي عن استخدام "كل الوسائل الضرورية" لمنع إيران من تكديس اليورانيوم العالي التخصيب، الذي لا استعمال عملياً له غير تطوير أسلحة نووية، إعلان لن يكون له أي تأثير عملي قبل عام 2030، حين تنتهي صلاحية القيود المفروضة على التخصيب وأجهزة الطرد المركزي.

 وتبدو هذه المشكلة مزدوجة:

أولاً، لا ينتهك أي من التحسينات المقترحة بنود الاتفاق؛ لذلك تلزم الإدارة نفسها بمعيار لا يمكن بلوغه من القلق حيال الحساسية الإيرانية.

 ثانياً والأهم، إن أحجمت الإدارة عن تعزيز ردع إيران اليوم، قبل أن تصبح الصفقة سارية المفعول، يشكل هذا بالتأكيد إشارة مخيفة إلى التردد العميق الذي سيمنعها من اتخاذ أي معايير فاعلة في الأشهر والسنوات التالية، وإن كان هذا السبب وراء عدم اتخاذ الإدارة أي خطوات تكن إيران إذاً صاحبة القرار.

4- حاولت الإدارة التوصل إلى تفاهم مع الأوروبيين وأخفقت: ركّز اثنان من الاقتراحات الخمسة الرامية إلى تحسين الصفقة على إبراز تفاصيل التعاون مع حلفائنا، وتشمل هذه مجموعة متفقاً عليها عموماً من أساليب المعاقبة لانتهاكات إيران المختلفة لهذا الاتفاق، فضلاً عن مقاربة متفق عليها عموماً لتغريم إيران على تحويلها الأموال المحررة بعد تخفيف العقوبات إلى المجموعات الإرهابية التابعة لها، فقد حاولت الإدارة بهدوء، وفق هذا السيناريو، التوصل إلى تفاهم مع لندن، وباريس، وبرلين، إلا أنها أخفقت، وبما أن الأوروبيين تواقون إلى إنهاء العقوبات فلن يرضوا بأي نقاش جاد يتناول أساليب العقاب والتغريم أو الاستراتيجيات التي تتيح إعادة فرض العقوبات من خلال صيغة جديدة، وإن صح ذلك فسترغب الإدارة في التكتم على رفض أوروبا المبادرات الأميركية، وخصوصاً أن أي أخبار عن هذا الانقسام عبر الأطلسي قد يميل تصويت الكونغرس نحو الرفض.

5- الإدارة غاضبة جداً من إسرائيل لذلك لن تمنحها وسائل مستقلة قد تقوّض الصفقة: من الأفكار التي اقترحتها مجموعة دراسة إيران وأيدها زميلي دينيس روس، مستشار البيت الأبيض السابق للسياسة الإيرانية، تعزيز الردع الأميركي الخاص المحسّن ضد إيران بالحرص على احتفاظ إسرائيل بقدرة الردع غير النووية الخاصة بها.  ومن الممكن تحقيق ذلك بتزويد إسرائيل بسلاح تقليدي في ترسانة الولايات المتحدة العسكرية قادر على إلحاق ضرر كبير بمنشآت إيران النووية تحت الأرض: قنبلة الاختراق الهائل Massive Ordnance Penetrator، ولكن وفق هذا السيناريو حالت معارضة إسرائيل المباشرة والعلنية للصفقة النووية دون أخذ الإدارة هذه الفكرة على محمل الجد.

6- تعتبر الإدارة واقع التوصل إلى صفقة أكثر أهمية من محتواها لأن الرئيس يصنفها حقاً خطوة مبدّلة: فتعتبر وجهة النظر هذه أن أوجه التعامل في هذه الصفقة، مثل تفاصيل المراقبة، والتحقق، وتداعيات الانتهاكات، لا تُعتبر مهمة حقاً مقارنة بالتغييرات الكبيرة التي تؤدي إليها: وعودة إيران الشيعية إلى النظام العالمي كقوة إقليمية تستطيع الولايات المتحدة اللجوء إليها لحل المشاكل المحلية وموازنة عدم فاعلية حلفاء واشنطن التقليديين السنّة.  منذ إعلان اتفاق فيينا يسعى مؤيدو الإدارة إلى التخفيف من وطأة هذه الحجج "المبدّلة"، إلا أن من السهل بالتأكيد ربط المسائل بالاستناد إلى تصريحات الرئيس وكبار مساعديه لمعرفة أن هذا الهدف يشكل التحليل المنطقي المحرِّك وراء الاتفاق، وإن صح ذلك فلا داعي لأن يقلق البيت الأبيض بشأن ما قد يحدث حين تنتهي صلاحية القيود المفروضة على عمليات التخصيب وأجهزة الطرد المركزي في إيران بعد 10 أو 15 سنة، فبحلول هذه المرحلة ستكون الجمهورية الإسلامية، وفق هذا التحليل، قد تحوّلت بحكم الأمر الواقع إلى شريك يتعاون مع الولايات المتحدة في مجموعة واسعة من المسائل الإقليمية.

7- تعمل الإدارة بهدوء على مجموعة متكاملة من التحسينات، وتحتاج إلى المزيد من الوقت كي تقدمها للكونغرس والشعب الأميركي: فثمة نسختان من هذا التفسير لموقف الإدارة العام، إحداهما واعدة والثانية مقلقة.

ويشير السيناريو الواعد إلى أن البيت الأبيض يدرك الحاجة الملحة إلى مجموعة شاملة من الإصلاحات بغية معالجة المشاكل التي تنشأ في هذا الاتفاق وبسببه؛ لذلك يعمل بدأب لتحقيق هذا الهدف، وفي هذا السيناريو يُعتبر الوقت العدو، وتتطلب الإصلاحات القصيرة الأمد الأكثر أهمية التعاون الأميركي-الأوروبي، لكن التفاوض مع الأوروبيين يكاد يكون مثيراً للاستياء بقدر التفاوض مع الإيرانيين، وقد لا يكون الوقت كافياً لحل التفاصيل الضرورية قبل تصويت الكونغرس.

في هذه الحال نأمل أن تقترب الإدارة من قادة مسؤولين في الكونغرس، مثل السيناتورين بوب كوركر وبن كاردين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وعضو بارز فيها، تطلب إطالة فترة المراجعة التي تدوم ستين يوماً كي تتمكن من إنهاء هذه المهمة، وقد يكون البديل رفض المشرعين الاتفاق، مشيرين إلى استعدادهم لإعادة النظر في حال قدّمت الإدارة تحسينات تستحق التصويت مجدداً.

أما البديل المقلق فيشمل انتظار البيت الأبيض حتى اللحظات الأخيرة كي يقدّم بضعة تنازلات إلى منتقديه على أمل أن يستميل المشرعين الذين ما زالوا مترددين ويريدون ما يدفعهم إلى تبرير موافقتهم على هذا الاتفاق، ومن التنازلات الأكثر احتمالاً تغيير في سياسة التصريح التي تلزم الولايات المتحدة باتخاذ الخطوات، بما فيها اللجوء إلى القوة العسكرية، بغية منع إيران من تكديس المواد الانشطارية الضرورية لتطوير قنبلة بعد 15 سنة من اليوم، فمن السهل في النهاية على رئيس حالي أن يعد بأمر لن يكون ملزماً إلا لرئيس مستقبلي سيمسك بزمام السلطة بعد ثلاث عمليات انتخاب رئاسية، إلا أن مقاربة اللحظة الأخيرة هذه ستكون بعيدة كل البعد عن أي مجموعة تحسينات شاملة قد تشكل "صفقة أفضل"، ولكن بالنسبة إلى البيت الأبيض ستحمل فوائد الرضوخ في اللحظة الأخيرة بغية تفادي تقديم المزيد من التنازلات.

إذا تأملنا هذه المسألة من شتى النواحي نلاحظ أن الاحتمالات لا تبدو جيدة، فمن سبعة سيناريوهات محتملة تُعتبر ستة ونصف مقلقة، في حين أن نسخة واحدة من أحد السيناريوهات تُعتبر واعدة، نأمل بالتأكيد الحصول على اقتراح محسن يروّج حقاً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، لذلك نرجو أن تصف هذه النسخة الإيجابية ما يحدث حقاً.

* روبرت ساتلوف

back to top