في جواز دهس «الوافد»... بالسيارة!

نشر في 08-11-2015
آخر تحديث 08-11-2015 | 00:01
 خليل علي حيدر لماذا يلجأ الكويتي إلى العنف و"الكي"، لعلاج أي خلاف مع الآخر؟ لماذا ننفعل بهذه الحدة وبهذه السهولة والسرعة في الشوارع والأسواق والمطار، ونترجم غضبنا فوراً إلى عنف وشتائم واعتداء وقتل؟

أين إذن تأثير كل ما ننعم به من ثراء وتعليم وراحة بال، وضمان عيش، ودعم المأكل والملبس والمسكن والماء والكهرباء، والسفر في المناسبات واللامناسبات؟!

ما جدوى هذا كله إذا كنا شعباً انفعالياً إلى هذا الحد، لا نثق حتى بتسليم خلافاتنا إلى مؤسساتنا القضائية والأمنية، ونلجأ إلى العنف لحل أي خلاف مع الآخر لأتفه الأسباب؟

كيف يمكن تفسير المشاجرة التي قالت الصحف إنها اندلعت قبل أيام بين 4 كويتيين و15 مصرياً، بالقرب من "مجمع الرحاب" في منطقة حولي، حيث قتل أحد المصريين ودهس آخر مع مواطن نقلا على أثرها إلى مستشفى مبارك، وجاء في "الوطن" الكويتية أنه حسب تقارير إعلامية كان "سعر لعبة" سبب الخلاف، "حيث كان كويتيون ينوون شراءها من مجمع الرحاب التجاري في محل يعمل فيه الوافدون المصريون قبل أن تتطور المشادة إلى قتال، حين قام أحد الكويتيين بدهس وافدين مصريين عمداً، فضلاً عن مواطن. (1/11/2015).

والأفظع من هذا أن الحادث الدموي المخيف قد تم تصويره بالفيديو، وعرض في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية، في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني، إن "رجال الأمن تمكنوا من ضبط المتهمين وعددهم 14 شخصاً، وضبط قائد المركبة الذي دهس المصري". وأضافت "الداخلية" أنها تجري التحريات لمتابعة القضية واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المشاركين فيها، وأن الجهات المختصة سجلت قضية "قتل عمد" ضد الجاني.

وأوضحت أن الواقعة بدأت بمشاجرة عادية داخل المجمع، تطورت إلى اشتباك بالأيدي ومعركة خارج المجمع "ما دفع مواطناً إلى دهس اثنين من الوافدين ومواطن.

الشاب المصري القتيل أحمد عاطف نقلت جثته إلى مصر، ووصل جثمانه إلى قريته بمحافظة أسيوط، حيث دفن في قريته. أحد أقارب "ضحية دهس الكويت"، كما في النت، قال لـ"الوطن": "أحمد كان جاي في يناير عشان يتجوز".

إبعاد

السلطات الكويتية قررت "إبعاد كل المصريين المشاركين في المشاجرة"، في وقت أعربت لجنة حقوق الإنسان بالنقابة العامة للمحامين عن استنكارها الشديد "لموقف الحكومة المخزي تجاه حادث دهس أحد المصريين تحت عجلات سيارة مواطن".

قد يحاول بعضنا التهوين من الأمر بأي عذر، ربما لأن الضحية من "الوافدين"... الذين يجوز دهسهم بالسيارات! ولكن عنف الكويتيين وشجارهم وبأسهم في ما بينهم أشد وأنكى، في الأسواق والشوارع والمستشفيات، وفي قضايا عادية، ولأسباب بالغة التفاهة.

بعض هذه القضايا للأسف يكون المعتدي من رجال الأمن، وفي بعضها الآخر معتدى عليه.

العديد منها قد يقع في "مناسبات سعيدة" كالأعياد مثل يوم 12/8/2013 مثلاً، حيث نشرت "القبس" على الصفحة الأخيرة تفاصيل طعن خمسة من الشباب أيام العيد في أحد المجمعات التجارية بالسالمية، حيث شهد هذا المجمع "هوشة ساخنة" بين مجموعة من الشباب "استخدموا فيها الأسلحة البيضاء والسواطير والعصي والعجرات وسط ذعر وهلع رواد المجمع من الأسر والعوائل، وأسفرت المشاجرة عن طعن خمسة شباب، ليرقدوا في العناية الفائقة بين الحياة والموت، ووصفت حالتهم بأنها خطيرة للغاية". وقالت مصادر إن الضرب العشوائي والتشابك والتدافع كادت تسبب كارثة نظراً لازدحام المجمع، "حيث استمر الكر والفر والهجوم والهجوم المضاد بين الشباب المتهاوشين بالسكاكين والعصي والعقالات وغيرها، بينما تعالت صرخات النساء والأطفال جراء الذعر والهلع، حتى وصل رجال الأمن وسيطروا على الموقف".

«ليش تخزني؟»

وقالت "القبس" إن "سبب المشاجرة تافه، حيث كانت مجموعة من الشباب تسير في المجمع، وفجأة توقف أحدهم، وسأل شاباً آخر كان يسير بجواره "ليش تخزني؟! فتبادلا السباب ثم اشتبكا بالأيدي، وهنا استعان كل واحد بأصدقائه، واشتعل الموقف".

واضح أن المعركة وقعت بين كويتيين.. لا يجوز دهسهم!

صحيفة "الوطن" نشرت يوم 1/11/2013، قبل عامين بالتحديد "واقعة كادت تكرر جريمة قتل الطبيب اللبناني"، حيث قام عشرون شخصاً «معضّلاً» في مجمع تجاري بالري بالاعتداء الوحشي على مراهق يبلغ 15 عاماً، كاد يلقى حتفه على أيديهم، لاسيما أن أحدهم حاول طعنه بسكين كانت بحوزته، غير أن فزعة العشرات من مرتادي المجمع حالت دون ذلك.

في مطلع العام الحالي تحدثت الصحف عن 1044 "هوشة دامية" خلال 2014، وقتلى ومصابين، لتضاعف العنف والسلوك العدواني. مدير إدارة الطوارئ الطبية د. فيصل الغانم، قال إن فنيي إدارته تعاملوا مع كل هذه المشاجرات الدامية بالإضافة إلى 434 بلاغاً عن حالات تعاطٍ للمواد المخدرة وأكثر من 8800 حادثة مرور تتضمن إصابات. (القبس 25/1/2015).

وفي تقرير حول "المشاجرات في الكويت" يقول محمد إبراهيم في "القبس" إنها "أصبحت ظاهرة"، مضيفاً أن كثرة المشاجرات وبشاعة النتائج التي تفضي إلى الموت لم تعد مقبولة، وأغلبية هذه الأحداث تبدأ كما ذكرنا بـ"ليش تخزني" أو التشاجر على موقف سيارة وأولوية المرور، أو التحرش بفتيات، وتنتهي بتقاتل دامٍ وإزهاق أرواح.

وأشار التقرير إلى مصدر أمني يقول إن "من يلجأون إلى العنف فقدوا الثقة بهيبة القانون، والأخطر من ذلك أنهم فقدوا الثقة برجل الأمن، الذي تحول في بعض الأحيان إلى متهم رئيسي يرتكب الجرائم، وهو يرتدي بزته العسكرية، أو اثناء قيادته الدورية الأمنية!". كما أشار كذلك إلى دراسات أعدتها وزارة الداخلية حول الظاهرة، وقد قسمت هذه الدراسة مناطق البلاد التي تشهد مظاهر العنف بشكل مستمر، "فاحتلت محافظتا حولي والفروانية المرتبة الأولى في جرائم العنف"، بالنسبة للوافدين - حيث يتعرضون أحياناً لـ"الدهس!"، في حين "احتلت محافظتا الجهراء والأحمدي المرتبة الأولى في جرائم العنف المرتكبة من المواطنين" (5/11/2015).

حروب المجمعات والمولات والشوارع كانت تخاض بالأيدي والعصي والسكاكين و"مفكات" العجلات، وما استجد اليوم مع حادثة الدهس، استخدام السيارات كسلاح هجومي.

الحادثة، إلى جانب كونها مأساة مفجعة، تسببت في إحراج دبلوماسي بين الكويت ومصر وأزمة إعلامية متوقعة، وقد حاول المسؤولون في البلدين تخفيف بعض آثارها وتفاعلاتها، ولكن كيف يفهم الناس في مصر، وبخاصة أصدقاء الكويت، هذا السلوك العدواني القاتل، الذي أودى بحياة شاب في مقتبل العمر... لسبب تافه؟!

back to top