باتي سميث: الفنانون لا يموتون بكل بساطة!

نشر في 27-10-2015
آخر تحديث 27-10-2015 | 00:01
تظهر سميث في لقطة منفردة ومألوفة وعصرية على غلاف أول ألبوم لها بعنوان Horses. وثمة لقطة لها مع روبرت مابلثورب على سلّم الطوارئ، ويبدو الاثنان فيها رشيقين وجامحين وجميلَين. تبدو صور المغنية والكاتبة والفنانة باتي سميث قوية بقدر أعمالها التي تشمل كتاب Just Kids الذي حقق أعلى المبيعات. تسرد تلك المذكرات القصيرة قصة علاقتها مع المصور مابلثورب حين كان الاثنان شابين وجائعين في مدينة نيويورك خلال الستينيات والسبعينيات، وكانت تلك الفترة تعجّ بالمخاطر والفرص. ثم أصدرت سميث كتاب

M Train وتظهر على غلافه وهي تتأمل المقهى المفضل لديها في صورة مؤثرة يسهل أن تنضم إلى صورها الأسطورية الأخرى. في الداخل، لقطات مأخوذة من رحلاتها إلى مواقع فنية بارزة مثل منزل فريدا كاهلو في المكسيك ومقبرة ريمبو. تتداخل قصص تلك الرحلات مع أفكار سميث حول الحب والخسارة وصناعة الفن، فضلاً عن الذكريات التي تحملها عن زوجها وعازف الغيتار فريد سونيك سميث.

تحدثت سميث مع موقع {غود ريدز{ من شقتها في مانهاتن.

كيف أصبح مقهى {إينو} المقهى المفضل لديك؟

    

كان المفضل لدي منذ البداية. وجدتُه بالصدفة. كان يفتح أبوابه في وقت مبكر جداً، ويشمل طاولة صغيرة ووحيدة. كانت تقع بين حانة خشبية عالية وآلة صنع القهوة والنافذة الأمامية، فيسهل أن نتوهم أننا وحدنا هناك. إنها زاويتي الصغيرة الخاصة من العالم.

أحببتُ كيف طرح كتاب M Train في النهاية مجموعة من الأفكار العميقة والجميلة: ثمة فصول درامية كثيرة وغير متوقعة وحلول مُرضِية للمسائل التي لا تشمل للوهلة الأولى أبعاداً درامية واعدة، مثل الطاولة والكرسي في المقهى المفضل لديك. هل بدا تصميم الكتاب منطقياً حين كتبتِه؟ أم أنك فكرت مسبقاً بطريقة تلاحق الأفكار؟

بدا التصميم منطقياً بكل بساطة مثل الحياة التي تنتظم أحياناً من تلقاء نفسها. كان كتاب Just Kids منظماً جداً وقد اضطررتُ إلى التفكير به طوال سنوات، حتى قبل أن أكتبه، حرصاً على تقديم جميع العناصر بطريقة صادقة ومنطقية من الناحية الزمنية قدر الإمكان. في هذا الكتاب أردتُ أن أكتب بكل بساطة. لم أعرف عما أكتب. بدا المشروع أشبه بحلم. في أول سطر من الكتاب، كنت أتأمل هذه العبارة: {لا يسهل أن نكتب عن العدم{. ثم بدأتُ أتلاعب بهذه الفكرة لمعرفة ما سيحصل إذا كتبتُ عن العدم وسرعان ما تطورت الأفكار.

لم أتوقع يوماً أن أكتب الكثير عن مواضيع مماثلة. ولم أتوقع يوماً أن أكتب عن فريد. ولم أتوقع يوماً أن أشتري كوخاً صغيراً في روكاواي. ولم أتوقع يوماً أن تقع الحوادث التي حصلت. لكن هكذا هي الحياة. أهم ما تعلّمتُه في نهاية الكتاب أن الحياة تستمر مهما حصل. يجب أن نتمسك بها. يمكن أن تحلّ المشاكل نفسها بنفسها أحياناً. يبقى بعض المسائل غامضاً لكن ينكشف بعض الأمور من تلقاء نفسها. تبدو الحياة متناسقة أحياناً على نحو جميل.

كيف كانت تجربة الكتابة عن فريد واسترجاع ذكرياتكما المشتركة؟

لم أتوقع يوماً أن أكتب عنه أو عن تلك الفترة من حياتنا. إنه موضوع شخصي يتناول حياتنا كزوجين ووالدين، لكن حصل ذلك تلقائياً. بدأتُ أفكر بأن فريد أرادني بكل بساطة أن أكتب بعض القصص عنه. رحنا أنا وولداي نضحك. تخيلناه وهو يقول بأسلوب لطيف وفكاهي: {قومي بذلك! فقد كتبتِ كتاباً كاملاً عن روبرت!{. شعرتُ بالراحة حين قررتُ الكتابة عن فريد. كانت المهمة صعبة أحياناً، إذ لطالما كنت أكنّ له الاحترام لأنه كان كتوماً جداً لكني شعرتُ بالارتياح لأنني تمكنت من التحدث عن فريد وتقاسم القصص عنه مع القرّاء.

هل اختلفت المسؤوليات أو الاعتبارات التي ارتكزتِ عليها بين كتابة تلك المذكرات عنه وتجربة الكتابة عن روبرت مابلثورب؟

    

طلب مني روبرت أن أؤلف كتاباً. أراد أن أكتبه قبل أن يموت. أرادني روبرت أن أحضّر كتاباً يسرد قصتنا. وقد تطلب المشروع وقتاً طويلاً لكني وعدته بفعل ذلك ونجحتُ في إنجاز المهمة.

لم نتكلم أنا وفريد يوماً عن مشروع مماثل لكني كنت أعرفه وأعرف ما يُشعِره بالراحة. لم أكتب شيئاً يمكن أن يزعجه في مطلق الأحوال ولم ألتزم بأجندة معينة. بل كتبتُ عنه بكل بساطة. وفي نهاية الكتاب، راودني أكثر حلم إيجابي عنه وسرعان ما تلاشت جميع الشكوك أو المخاوف التي كانت تساورني لأنه ظهر في حلمي وعلى وجهه ابتسامة جميلة، لذا استنتجتُ أن الوضع على ما يرام.

سردتِ تفاصيل رحلات كثيرة في الكتاب! ما أهمية ذلك بالنسبة إليك؟

لا أظن أنه أمر مهم. أفعل ذلك بكل بساطة لأنني أستمتع كثيراً بتلك الرحلات. لطالما فعلتُ ذلك أصلاً. في شبابي، اتجهتُ في رحلتي الأولى إلى أوروبا، فقصدتُ باريس مع شقيقتي وزرتُ الجميع. ذهبتُ إلى مقابر جميع الكتّاب المفضلين لدي وإلى المنزل الذي قيل إن جان جينيه كان يقيم فيه، وقد شعرتُ بالفضول ووقعتُ تحت سحر المكان. إنه وضع طبيعي حين أقف أمام فنانين بهذا المستوى، فقد تأثرتُ بأعمالهم التي ألهمتني طوال حياتي. ماتوا في القرن الثامن عشر ويمكن زيارة مقابرهم الآن. لن نتقرب بذلك من الشعراء أو الفنانين فحسب بل سنكون وسط الأصدقاء الذين كانوا موجودين في دفنهم وجميع الناس الذين جاؤوا لزيارتهم في القرن الماضي. إنها طريقة جميلة للتواصل مع الفنانين والشعراء كأشخاص. كانت سيلفيا بلاث مجرد فتاة بسيطة. أصبحت أماً أيضاً وهي تتمتع بتفكير لامع وكانت مضطربة بكل وضوح، لكننا نعرفها من خلال أعمالها وقصائدها. لا شك أننا سنقدم لها التحية حين نزور مقبرتها. ينطبق الأمر نفسه على تشارلوت برونتي أو ويليام بلايك. الأمر يشبه أن نعترف نحن البشر بفضل آبائنا وأمهاتنا علينا حين نزورهم. لطالما فعلتُ ذلك.

هل تتخذ الأغراض التي استعملوها طابعاً مقدساً؟

تعكس جزءاً من الآمال والأحلام والقناعات والجوانب الروحية التي حملها الأشخاص الذين امتلكوها. خصص هيرمان هيسه مئات الساعات وهو يجلس أمام الآلة الكاتبة ليطبع تحفته الفنيةThe Glass Bead Game. سيكون النظر إلى تلك الآلة ممتعاً بقدر النظر إلى غيتار هانك ويليامز أو مكتب تشارلز ديكنز. أنا أجد هذه التجربة مدهشة.

الفنانون لا يموتون بكل بساطة. أتذكر أنني ذهبتُ لرؤية استوديو الرسام برايس ماردن وقد كنت مشدوهة عند النظر إلى فراشي الرسم ومواد التلوين التي صنعها والهاون والمدقة اللذين استعملهما لسحق تلك المواد. بُذِلت جهود وابتكارات وطاقات إبداعية هائلة في هذه الأعمال. هذا ما يشعر به الناس على الأرجح حين يذهبون لرؤية رفات القديسين وملابسهم. لا أظن أن هذا السلوك غريب لأنه ينشئ رابطاً جميلاً.

تذكرين في الكتاب: {إنها أزمنة معاصرة لكننا لسنا عالقين فيها. يمكن أن نذهب إلى أي مكان نريده لمناجاة الملائكة}. إلى أي حد تشعرين بأنك تعيشين في الزمن المعاصر وإلى أي حد تشعرين بأنك تعيشين خارج الزمن؟ ولماذا يجذبك ذلك العالم المغاير؟

    

لا أعيش في الزمن الحقيقي بقدر ما أعيش في زمني الخاص. لكني أعيش في الزمن الحقيقي حين أضطر إلى ذلك. عندما أقدم عروضي، أعيش في الزمن الحقيقي لأن مهمتي تقضي بالتواصل مباشرةً مع الناس.

لكن حين أكون وحدي، ينتقل عقلي إلى المستقبل أو يعود إلى العصور القديمة، أو إلى الزمن الذي كنت أبلغ فيه 11 عاماً. أذهب إلى مكان آخر يشبه عالم {الماتريكس{ تقريباً. إنه مكان قريب من الخيال العلمي. إنه واقع بديل.

ما رأيك بأثر الإنترنت على إبداع الفنانين راهناً مقارنةً بتطورك الإبداعي الخاص خلال السبعينيات؟

لم يؤثر الإنترنت فعلياً على تطوري الخاص. ألتزم بطريقتي المعتادة وأتابع العمل بأسلوب تقليدي. لست فنانة من القرن الواحد والعشرين. حتى في حفلاتي الغنائية، لا تزال فرقتي تعزف كما كانت تفعل في نادي CBGB خلال السبعينيات. في ما يخص الآخرين، لا يمكن أن أتحدث عن غيري لأن كثيرين منهم يبنون المشاريع عبر البرامج والنشاطات: لا أتمتع بهذه المهارات. على مستوى الإبداع، تحسن بعض الجوانب لكن لم يصل إلى مستوى العظمة، إذ يقلّ عدد الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم عظماء. ثمة مايكل أنجلو واحد وجيمي هندريكس واحد، لكنّ الإنترنت يمنح الناس أدوات للتعبير عن نفسهم بطريقة مبتكرة. في شبابي، كنا نحتاج إلى أموال كثيرة لإنتاج أغنية بسيطة ولم يكن أحد ليسمعها في مطلق الأحوال ما لم يحصل تعاقد مع شركة إنتاج. ولم يكن أحد يتولى التقاط الصور إلا المصورين: كان يصعب تحمّل كلفة شراء كاميرا وكانت عملية تحميض الصور مكلفة. أما اليوم، فيستطيع الجميع التقاط الصور ويسجل آلاف الناس أغانيهم الخاصة على الحاسوب في منازلهم. ثم يمكن أن ينشروها على الإنترنت كي يسمعها الناس، ما يعكس وجود طبقة معينة من الإبداع حتى الآن، لكن يقتصر الوضع على ذلك.  من المفيد بحسب رأيي أن يحصل الجميع على فرصة التعبير عن نفسهم. لكنّ الفن هو شكل عظيم من التزامات الحياة ويتطلب الكثير من التضحيات. أعني بذلك جميع أنواع الفنون وليس الموسيقى أو الشعر فقط. لا يكفي القيام ببعض الأعمال ومشاركتها مع الناس، مع أنه أمر إيجابي من وجهة نظري. إنها دعوة ورسالة في الحياة وهي تتطلب الكثير من التضحيات وهذا الوضع لن يتغير. قد يطاول التغيير الناس والثقافة والأذواق والميول الثقافية السابقة والقادمة، لكنّ هذه الحقيقة لن تتغير مطلقاً. لكنّ تبني رسالة معينة والالتزام بها واستعمال تلك الرسالة وبذل تضحيات وجهود كبيرة لمنح العالم تجارب إيجابية وقيّمة هي مسألة مختلفة بالكامل.

بماذا تنصحين الفنانين الذين يريدون القيام بذلك الالتزام؟

الاجتهاد في العمل والتشكيك بالحوافز الذاتية! يجب أن يتحرك الفنانون على أمل تقديم أمر جديد يمكن أن يغير مسار الحياة. يجب أن يغيروا نظرة الناس. إذا كان الفنان يسعى إلى الشهرة وجمع الثروة، قد لا يحصل على أكثر من ذلك. يسأل الناس: {أي نوع من مديري الأعمال يجب أن نبحث عنه؟}. يجب ألا تفكروا بهذا الموضوع بل ركزوا على العمل بكل بساطة. العمل وحده قابل للاستمرار. إذا أردتَ أن تكون نجم بوب، لا بأس بذلك، لكن يجب أن تعمل بجهد لأن نجوم البوب يجتهدون كثيراً. كل ما نفعله هو العمل. ما من إنجاز سحري يمكن تحقيقه. لا يمكن بلوغ الإنجازات في لحظة واحدة سواء أردنا أن نصبح أطباء أو مزارعين أو خبازين أو أمهات... يجب أن نجتهد ونحقق الأهداف. يجب أن نقدم شيئاً جديداً.

مطالعة... وشجاعة

• لمن تقرئين راهناً؟

أستعد لقراءة كتاب بعنوان Nabokov in America. حين كنت أؤلف كتابي وأنقّح النسخة الأخيرة، لم أكن أقرأ الكثير لأنني كنت مرهقة فكرياً. قرأتُ لتوي كتاباً بعنوان The Blind Contessa›s New Machine. لم أسمع يوماً بقصة هذه الفتاة وقد اكتشفتُ هذا الكتاب في المطار وهو مدهش. أقرأ أيضا ًكتاباً آخر بعنوان Le Corbusier: The Architect on the Beach. هذا الكتاب رائع! يتناول مدى تأثير الشاطئ والأشكال الطبيعية على المهندس لو كوربوزييه. يشمل صوراً جميلة حقاً. في العادة، أقرأ بين ثلاثة وأربعة كتب في الوقت نفسه، إلا إذا أصبحتُ مهووسة بكتاب معين. لكني أقرأ بسرعة أيضاً.

• ما هي أبرز الكتب التي أثّرت بك؟

    

لا أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال. يمكنني التفكير بالكتب التي أعود إليها باستمرار من الناحية الفلسفية. لم أتحدث عن هذا الموضوع كثيراً في الكتب لكني سأفعل ذلك يوماً. كان كتاب The Glass Bead Game مهماً جداً في حياتي وقد قرأته سابقاً وأعيد قراءته دوماً. لكني كنت أحب قراءة مؤلفات الكتّاب اليابانيين ولا يقتصر ذلك على موراكامي بل أكوتاغاوا أيضاً. لديه قصة طويلة وهي أشبه برواية بأجزاء متعددة وتحمل عنوان Spinning Gears. أحبها لأنه يتكلم فيها عن مسار الكاتب وطبيعة جنونه وقد جذبني الموضوع لأنه يمسّني شخصياً. لست مجنونة لكني أتفهم مصدر ذلك الجنون لأسباب مختلفة. لكني أحب جميع أنواع الكتب. لا أمانع أن أعيد قراءة كتب مثل Pinocchio وAlice in Wonderland.

• من أين تستمدّين شجاعتك؟

لا أعلم إذا كنت أتمتع بالشجاعة على نحو خاص. كنت شجاعة جداً في شبابي. لا أقول إنني لم أعد كذلك الآن، لكن تظهر شجاعتي بطرق مختلفة. بدل أن أقول إنني شجاعة، أفضّل أن أقول إنني أحب الحياة.

واجهتُ صدمات كثيرة في حياتي وقد تعلقت في معظمها بخسارة أشخاص مقربين مني. لكني أحب الحياة وأريد أن أتابع عيشها. في أحلك أيام حياتي، كان لدي طفلان صغيران يجب أن أعتني بهما. وفي أحلك أيام حياتي، لم أملك خياراً آخر عدا المضي قدماً. لا يمكن أن أقول إن هذا السلوك شجاع بل إنه يعكس قدرة قوية على الصمود.

لا أخاف كثيراً. حين تصبح المرأة أماً، تخاف دوماً من حصول مكروه لأولادها، كأن يمرضوا أو يحزنوا أو يعانوا. إنه شكل من الخوف. لا أقول إنني لا أخاف من شيء، لكني لا أسمح للخوف بالسيطرة عليّ.

back to top