أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر د. علي الأزهري: تجديد الخطاب الديني على طريقة الغرب مرفوض

نشر في 09-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 09-07-2015 | 00:01
No Image Caption
أكد أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر الدكتور علي الأزهري، أن تجديد الخطاب الديني سنة من سنن الحياة، وأن الأمم المتقدمة لديها دائماً من يقوم بالتجديد فيها في مختلف الهيئات، بل إنها صارت وظيفة مؤسسية، ولا شك في الأهمية الفائقة للتجديد في مختلف شؤون الحياة، خصوصاً في مجال الدراسات الإسلامية سواء ذات الطابع الفكري أو الفلسفي عموماً، وفي مجال الدراسات الفقهية أصبح مهماً، بل هو فرض كما أقره الإمام السيوطي. وطالب الأزهري خلال حواره مع «الجريدة» بضرورة الارتقاء بالخطباء والدعاة حديثي العهد بالدعوة وتثقيفهم بما يتماشى مع {فقه الواقع} لينقلوا صورة الإسلام المعتدل، مؤكداً أن الإسلام دين شمولي، يدعو إلى التجدد منذ عهد الرسول (ص). وفيما يلي نص الحوار:
تعالت النداءات خلال السنوات الأخيرة بضرورة تجديد الخطاب الديني، فكيف ترى هذه النداءات؟

فعلاً، ثمة كثير من النداءات في هذا الزمان تدعو إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني، وقد حدث تضارب في فَهْمِ التجديد، حتى ظهرت طائفة تريد اقتلاع الخطاب الديني الذي يعتمد على الثوابت الدينية ليُقدمَ الخطاب الديني على حد زَعمهم بأسلوب عقلاني يبتعد عن المنهجية الخطابية المعهودة من الارتكاز على القرآن والسنة. ورأت طائفة أخرى أن هذا لغط لا يمكن السير خلفه.

انطلاقاً من هذا كله، فإنه لا بد لنا من النظر أولاً في بيان مفهوم التجديد وما مقصوده في الخطاب الديني.

إذا ما هو تعريف تجديد الخطاب الديني؟

عُرِفَ التجديد في اللغة بأنه: مأخوذ من جدد ومنه جدد الثوب أي صيره جديداً، والجديد نقيض البلى والخلق، ووصف الثوب بالجديد لأنه لا عهد لك به. وجاء التجديد مُعرفا في الاصطلاح بأنه إعادة أمر الدين كما كان عليه، يوم جاء من عند الله لم تعكره البدع والأهواء، ولذلك دائماً نؤكد ونوضح للناس  أن الخطاب الديني مبني على عدة أسس هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، واللغة العربية.

خطاب شمولي

لكن ما الذي يُميز الخطاب الديني عن غيره؟

من أهم ما يُميز الخطاب الديني عن غيره أنه خطاب عالمي لا يختص بصنف دون آخر، بل جاء للبشرية جمعاء. قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً». (سبأ: من الآية 28)، وأيضاً من ميزات الخطاب الديني أنه خطاب شمولي يُنظم علاقة الإنسان بربه وبنبيه وبمجتمعه وبغيره. ومن أهم ميزاته أيضاً أنه دعا إلى الاستقرار ونبذ العنف والحفاظ على المجتمع وإعمار الأرض، فلن تجد خطاباً دينياً يدعو إلى الإرهاب أو إلى إقصاء الآخر. أيضاً من جملة الميزات أنه خطاب يقوم على جلب النفع وتحقيق الخير، وهو سبيل لمعالجة النفس، وأنه خطاب ثابت مؤثر.

ما المقصود من التجديد في الخطاب الديني؟

الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني ليست صنعة نادى بها أهل الإسلام على حد تعبير الدكتور محمد عمارة، حيث ذكر ما نصه: «وما إن أعلن بوش حملته الصليبية في 16 سبتمبر سنة 2001 حتى انطلقت الدعاوى من كل مكان تطالب بتجديد الخطاب الديني، وكان العالم الإسلامي صدى لهذه الدعوة من خلال المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني الممولة غربياً، حتى شهدت المجتمعات العربية طوفاناً من الأقلام والمؤتمرات والأفواه ضد الإسلام المقاوم، الذي يتصدى للصهيونية وأميركا... وضد ثقافة الجهاد التي تحول طاقات الأمة الإسلامية لتحرير أوطانها، وضد الخطاب الإسلامي الذي يقدم الإسلام منهجاً شاملاً للحياة؛ ذلك لتحويل الإسلام بعلمنته إلى صيغة نصرانية مكتفية بإسلام الشعائر والطقوس والمناسك والعبادات».

 

هل يعني ذلك أن الخطاب الديني غير متجدد ولهذا استغله أعداؤنا في وقتنا الحاضر؟

لم يكن الخطاب الديني يوماً خطاباً عقيماً كما يتوهم كثير من الناس، لكن يمكن أن الصياغة التي يقوم بها من يلقيه هي التي تنعكس على المستمع أو القارئ فيظن أنها عبارة عن قشور أبلاها الزمان، وهذا ليس من الحق في شيء.

 إحدى أهم ميزات خطابنا الديني، كما ذكرت آنفاً أنه شمولي، فرسول الله (ص) تحدث في الطب وفي العلوم وفي غير ذلك في كثير من أحاديثه، لُيثبت ذلك الطب الحديث كحديث الذبابة الذي هو محل تشكك في زماننا المعاصر حتى أثبت العلم الحديث وجود مصل في أحد جناحي البعوضة يحمل دواءً فاعلاً.

 كذلك آيات القرآن الكريم التي أثبتت كثيراً من نتائج حقيقية توصل إليها العلم التجريبي، كان من أبرزها وجود مركز الإحساس في الجلد، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً». (النساء: 56).

في المؤتمر الثامن والمنعقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية، كان البروفيسور تاجات تاجاسون، رئيس قسم التشريح والأجنة في جامعة شاينج ماي بتايلاند، ضيفاً في مؤتمر عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وكان الشيخ عبدالمجيد الزنداني، قد أعلن أن البروفيسور تاجاسون اعتنق الإسلام في نهاية المؤتمر. فقد أذعن أن العلم التجريبي أثبت أن مركز الإحساس في الجلد، فأجابه الشيخ الزنداني: هل تعلم أن القرآن أثبت ذلك منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، فقال له تاجاسون: أين هذا الكتاب. فأعطاه نسخة مترجمة. فما لبث أن قرأها وشاهد بعضاً من حلقات عن الإعجاز العلمي.

 كذلك اهتم بترجمة كثير من المعاني التي تتعلق بالناحية الإعجازية في القرآن والسنة حتى أعلن في نهاية المؤتمر وقال: في السنوات الثلاث الأخيرة، أصبحت مهتماً بترجمة معاني القرآن الكريم الذي أعطاه لي الشيخ الزنداني في العام الماضي، ومحاضرات البروفيسور كيث مور التي طلب مني الشيخ الزنداني أن أترجمها للغة التايلاندية وأن ألقي فيها بعض المحاضرات للمسلمين الذي أعطيته في دراساتي، فإنني أؤمن أن كل شيء ذكر في القرآن منذ 1400 سنة لا بد من أن يكون صحيحاً، ويمكن إثباته بالوسائل العلمية. ولما كان النبي (ص) لا يستطيع القراءة والكتابة فلا بد من أن محمداً رسول جاء بهذه الحقيقة، لقد بعث إله هذا عن طريق وحي من خالق عليم بكل شيء هذا الخالق لا بد أن يكون هو الله.

لذلك فإنني أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله».

خطاب المرجعية

هل ثمة قاعدة ثابتة يمكن الانطلاق منها إلى التجديد في الخطاب الديني؟

لا بد من أن نعي شيئاً مهماً، وهو أن أصول الخطاب الديني ثابتة لا تتبدل، أو ما يُطلق عليها بالمرجعية، والتجديد لا بد له من ضوابط تحكمه، أبرزها عدم نبذ أصول الخطاب الديني، أي التحول من خطاب ديني إلى خطاب عقلاني يقوم على أساس الهوى. فمن اتبع عقله من دون النظر في كتاب الله وسنة نبيه (ص) فقد ضل، ورحم الله من قال «العقل كالمطية يوصلك إلى باب السلطان ثم لا يدخل معك عليه». وقد حمل لواء التجديد في طريقة الخطاب الديني العلماء المسلمين من الفقهاء وأهل التفسير والحديث. والخطاب لا يتعلق بأمر الموعظة فحسب، إنما يقوم على أسس تربوية، وعلى علوم دنيوية نافعة. نجد من العلماء المسلمين الطبيب والفقيه والفيلسوف في آن، كما هي الحال مع ابن رشد، ونجد منهم التربوي والمفسر والمحدث والعقائدي كالإمام أحمد والشافعي. فالعلماء من أهل الإسلام لم يقفوا حجر عثرة في مواكبة العصر. لكن أن يتم تجديد الخطاب الديني كما تهدف الدول الغربية في صرخاتها المتعددة لتخوفها من انتشار الإسلام، فهذا لا يُقبل أبداً.

عوامل تراجع الخطاب

برأيك ما العوامل التي أدت إلى ضعف الخطاب الديني المعاصر؟

هـذا السؤال أحد الأسئلة المهمة، خصوصاً لما له من مساس بالواقع. عدد ليس بيسير غلب عليه الجانب التقليدي في إبراز ما لديه، فربما سمع مادة مسجلة مثل على أسطوانات أو في حلقات تلفزيونية، ثم نثرها على مسامع الناس. أو ربما ثمة من أخذ خطبة مكتوبة من كتاب بعينه فلم يأخذ في اعتباره التفرقة بين الغث والسمين، فما الفائدة التي تلقاها المستمع أو المشاهد، فهذا من جملة العوامل التي أدت إلى ضعف الخطاب الديني، ورأينا  التحزب والعصبية، خصوصاً في ظل ثورات الربيع العربي، فأصبح المنبر أو الخطبة الدينية عبارة عن نشرة إخبارية ربما صاحبها لا يذكر آية ولا حديثاً.

 ومن أسباب ضعف الخطاب الديني في هذا الزمان ووهنه عدم الانفتاح على العالم الآخر وعدم الاهتمام بالمشاكل المعاصرة. كان رسولنا (ص) يهتم بالمشاكل المعاصرة. كذلك من جملة الضعف الذي أصاب الخطاب الديني عدم إلمام المُلقي للخطاب الديني بالمادة العلمية الكافية وسبب ذلك يعود إما لعدم المبالاة منه وعدم اقتناعه بموضوع الخطبة الملقاة عليه أو المكلف بها. الأمر الثاني، وهو الأهم، عدم توافر الكتب أو المراجع وأساس ذلك تردي أحوال السادة الدعاة إلى الله، لذلك لا بد للدولة من أن توفر للداعية الحياة الكريمة، والمراجع والكتب وتطلب منه باستمرار إنتاج بحوث دينية كي نقف على قضية التجديد. هذا بالنسبة إلى الدعاة الفقراء، ولكن المصيبة في الدعاة الجدد أو من يطلق عليهم أثرياء الدين، فهم يأخذون الإسلام في طريق آخر وهذا راجع إلى سببين إما أن يكون الداعية متحزباً، أو يبغي من وراء التجديد الخلاف لأجل الشهرة فحسب، فكم نرى من الدعاة بنوا مجدهم الوهمي على جثة الخلافات الفكرية الدينية، وتصديرها للعامة، ما أحدث البلبلة التي تسود حالنا اليوم. للأسف، الشديد هم من يتصدرون المشهد الديني.

سبل النهوض

ما السبيل للنهوض بالخطاب الديني والعمل على مواكبته للأحداث الجارية وعدم خلعه عن ثياب الثوابت الأساسية والركائز الدينية؟

يمكن تلخيص الإجابة في ما يلي: يتطلب الأمر الأول ضرورة العمل على رفع كفاءة المنوط بهم إلقاء الخطاب الديني من حيث التدريب الدائم، وتوفير المراجع المهمة الداعمة للرقي بمعنى الخطاب، ومواكبة الداعية المستجدات المطروحة على الساحة. وإبراز عوامل العلاج عن طريق الكتاب والسنة، فما من شيء يُستجدُ إلا وله علاج في دين الله. قال تعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ». (الأنعام:38). كذلك عدم الركون إلى التقليد والعمل على البحث الجاد من دون الركون إلى خطاب الغير بلا وعي وإدراك، بالإضافة إلى نشر النافع والمفيد للمجتمع، كذلك الدعوة بالحسنى والموعظة الحسنة وعدم التحزب والعصبية عملاً بقول رسول الله (ص) كما في الصحيحين: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، ناهيك بالعمل على توفير جوٍ من الراحة للداعية يتمثل في عدم إجهاده بحثاً عن مصدر دخل غير وظيفته مما يؤدي هذا إلى إنهاكه، ويتمثل ذلك في رفع راتبه كمرحلة أولى إلى ضعف ما يتقاضاه، وتزويده بإمكانات تساعده على جمع المعلومات وتقديم خطاب راقٍ يصل إلى أفئدة المستمعين.

جامعة الأزهر

• ما أوجه التجديد التي تدرس لطلابنا في جامعة الأزهر وتحمل بين طياتها عوامل التجديد للخطاب الديني؟

لا بد من التأكيد على أن المواد الدراسية التي تقدمها جامعة الأزهر لطلابها تحمل التجديد للخطاب الديني، ليس هذا الأمر في أيامنا هذه، بل هي عقيدة الأزهر منذ أكثر من ألف عام، فالأزهر نادى بتجديد الخطاب الديني، وجميع المجددين درسوا في الأزهر، وكان آخرهم الإمام محمد عبده، رائد تجديد  الخطاب الديني في العصر الحديث، واليوم يتولى راية التجديد شيخ الأزهر الحالي. فرسالتنا التعليمية والدعوية مبنية على توضيح الإسلام الوسطي المستنير، المتجدد والمواكب للعصور كافة والأزمان والقضايا. كذلك نطالب دائماً بأن يأخذ تجديد الخطاب الديني شكل المؤسسة، أي أن تكون ثمة جهات رسمية منوط بها التجديد، لأن المؤسسية تناسب عصرنا الحالي.

• هل خطباء مساجدنا لهم دور في تراجع الخطاب الديني؟

الدعاة والأئمة هم أنبياء الله ورسوله فهم يبلغون الدعوة ويشرحون الدين للناس، ومع ذلك لا نعفي الكثير من مسؤولية كونهم سبباً كبيراً في تراجع الخطاب، إما جهلاً، أو عمداً، أو نقصاً في مراجعهم، أو تأثراً بكتب مشكوك في صحتها.

لذا نطالب دائماً بعقد دورات تثقيفية وتوعوية بهدف توصيل رسالة الإسلام على أكمل وجه، ونطالب المشتغلين بالخطاب الديني أن يعوا أموراً عدة أهمها أن يكون واضح الجملة، سهل العبارة حتى يكون أقرب إلى جمهوره المخاطب، وأن يناسب خطابه محيطه ومجتمعه.

 فلا يعقل أن تتحدث عن التبذير وسط أشخاص فقراء، بل يجب أن يتحلى خطابك بضرورة العمل والاجتهاد من أجل الارتقاء المعيشي، وليس التواكل.

في سطور:

 الدكتور علي محمد علي الأزهري أستاذ العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين والدعوة في جامعة الأزهر الشريف.

حصل على أفضل داعية إسلامي في مصر لثلاث سنوات متتالية.

صدر له الكثير من الكتب منها: {الإنسان الكامل في الفكر الصوفي}، و{موقف المدرسة السلفية من الولاية في القرنين السادس والسابع الهجري}، و{حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية».

له كثير من الأبحاث والدراسات أهمها: {منهج السيرة النبوية في التعامل مع المشاكل المعاصرة}، و{النفس في القرآن الكريم» و{صفات الحاكم في الإسلام}.

back to top